عناصر الموضوع

مفهوم الاقتصاد

الألفاظ ذات الصلة

الموارد الاقتصادية

الإنتاج

المبادئ الاقتصادية

حماية الاقتصاد من عوامل الفساد

الاقتصاد والأخلاق

الاقتصاد

مفهوم الاقتصاد

أولًا: المعنى اللغوي:

الاقتصاد افتعال من قصد.

ذكر ابن فاس أن أصل مادة (قصد) تدل على ثلاثة معانٍ: إتيان شيء وأمه، وكسر الشيء، والناقة القصيد: المكتنزة لحمًا1.

وقال الراغب: «القصد: استقامة الطريق، يقال: قصدت قصده، أي: نحوت نحوه، ومنه: الاقتصاد»2، فهو يعود إلى الأصل الأول الذي ذكره ابن فارس، كأنه لصحة قصده للشيء فهو يسير في خط مستقيم إليه، لا يلتفت إلى غيره، واستعير هذا المعنى للقصد بالاستقامة في التوسط والاعتدال في الشيء، أي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال في المعجم الوسيط: «(الاقتصاد) علم يبحث في الظواهر الخاصة بالإنتاج والتوزيع»4.

وفي المعجم الاقتصادي: «الاقتصاد علم يبحث في كل ما يتعلق بالثروة، والمال، والتكسب، والتملك، والإنفاق، والاقتصاد يبحث أيضًا في مسائل الإنتاج والاستثمار، ومسائل الانتفاع والخدمات، ومسائل التوفير والادخار، ومسائل الغنى والفقر»5.

وعرفه الدكتور عناية: «بأنه مجموعة الأصول والمبادئ العامة الاقتصادية الثابتة والمستخرجة من القرآن، والسنة، ومجموعة التطبيقات، والحلول الاجتماعية المتغيرة، والإجراءات الشرعية والسياسات الاقتصادية المستندة إلى تلك الأصول والمبادئ العامة، والتي تحكم وتنظم الحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي»6.

ولم يرد لفظ (الاقتصاد) في القرآن الكريم، وإن كان تحدث عن قضايا تتعلق به، كما سيأتي بيانه في هذا البحث إن شاء الله.

الألفاظ ذات الصلة

القناعة:

القناعة لغة:

«الرضا بالقسم»7، وقال الراغب: «القناعة: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها. يقال: قنع يقنع قناعةً وقنعانًا: إذا رضي، وقنع يقنع قنوعًا: إذا سأل. قال تعالى: ( ) [الحج:٣٦].

قال بعضهم: القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال، ويرضى بما يأتيه عفوًا... وأقنع رأسه: رفعه. قال تعالى: ( ) [إبراهيم:٤٣].

وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع، وهو ما يغطى به الرأس، فقنع، أي: لبس القناع ساترًا لفقره كقولهم: خفي، أي: لبس الخفاء، وقنع: إذا رفع قناعه كاشفًا رأسه بالسؤال نحو خفى إذا رفع الخفاء»8، وقال المناوي: «القناعة: لغة: الرضى بالقسمة. وعرفًا: الإقصار على الكفاف. ويقال: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها»9.

القناعة اصطلاحًا:

هي الرضا بما أعطى الله10.

وقال السيوطي: القناعة: الرضا بما دون الكفاية، وترك التشوف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود11.

الصلة بين القناعة والقصد:

«أن القصد هو ترك الإسراف والتقتير جميعًا، والقناعة الاقتصار على القليل والتقتير، ألا ترى أنه لا يقال: هو قنوع، إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه، ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها، وترك الاقتصاد مع الغنى ذم، وترك القناعة معه ليس بذم، وذلك أن نقيض الاقتصاد الإسراف، وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنه نقيض الإسراف، وهو من أعمال الجوارح والقناعة من أعمال القلوب»12.

الوسط:

الوسط لغة:

قال ابن فارس: «الواو والسين والطاء: بناءٌ صحيحٌ يدل على العدل والنصف. وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه13، وفي لسان العرب: «وسط الشيء ما بين طرفيه»14.

الوسط اصطلاحًا:

قال المناوي: «الوسط: ما له طرفان متساويا القدر»15 وقال الكفوي: «ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط ( ) [البقرة:١٤٣].

يعني متباعدين عن طرفي الإفراط في كل الأمور والتفريط»16.

قال أبو السعود عند تفسيره لقوله تعالى: ( ) [المائدة:٨٩].

« أي من أقصده في النوع أو المقدار»17.

الصلة بين الوسط والقصد:

وعليه أن الوسط يقارب معنى الاقتصاد، وهو بمعنى الاعتدال أو ما بين طرفي الإفراط والتفريط، أو ما بين البخل والسرف.

الإسراف:

الإسراف لغة:

قال ابن فارس: « السين والراء والفاء أصل واحد يدل على تعدي الحد، والإغفال أيضًا للشيء، تقول: في الأمر سرف، أي: مجاوزة القدر»18.

الإسراف اصطلاحًا:

تعريف الراغب الأصفهاني: «السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان»19، وعرفه الطاهر ابن عاشور بقوله: « والإسراف: الإفراط والإكثار في شيءٍ غير محمودٍ»20.

الصلة بين الإسراف والقصد:

أن الاقتصاد يعني التوسط بين الإسراف والتقتير.

التبذير:

التبذير لغة:

من بذر، أي: أفسد وأنفق في السرف، وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والتبذير: إفساد المال وإنفاقه في السرف21.

التبذير اصطلاحًا:

حكى الإمام القرطبي عن الإمام الشافعي بأن التبذير هو: «إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير».

قال القرطبي تعليقًا على قول الإمام الشافعي: «وهذا قول الجمهور»، وحكى القرطبي أيضًا عن أشهب، عن الإمام مالكٍ: «أن التبذير هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه»22.

الصلة بين التبذير والقصد:

أن الاقتصاد يعني التوسط بين التبذير والبخل.

البخل:

البخل لغة:

مادة (ب خ ل) تدل على: «ضد الكرم»23. وحد البخل الزبيدي رحمه الله تعالى بقوله: «إمساك المقتنيات عما لا يحل حبسها عنه»24.

البخل اصطلاحًا:

إمساك المال وعدم صرفه، حرصًا على بقائه وزيادته، وخوفًا من نفاده25.

الصلة بين البخل والقصد:

الظاهر أن البخل لفظ يدل على الإمساك، وهو مقابل للاقتصاد الذي يعني التوسط والاعتدال.

الشح:

الشح لغة:

«هو البخل مع حرصٍ. ويقال تشاح الرجلان على الأمر، إذا أراد كل واحدٍ منهما الفوز به ومنعه من صاحبه. قال الله جل ثناؤه: ( ) [التغابن:١٦]»26، وقال ابن منظور رحمه الله تعالى: «الشح أشد البخل، وهو أبلغ في المنع من البخل، وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام، وقيل: البخل بالمال، والشح بالمال والمعروف»27.

الشح اصطلاحًا:

قال المناوي: «الشح: بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة»28. وقال الجرجاني رحمه الله تعالى: «بخل الرجل من مال غيره»29.

الصلة بين الشح والقصد:

الظاهر أن الشح لفظ يدل على شدة المنع، أو البخل بمال الغير، وهو مقابل للاقتصاد الذي يعني التوسط والاعتدال.

الموارد الاقتصادية

استخلف المولى سبحانه وتعالى الإنسان في الأرض لعمارتها واستثمار خيراتها ومواردها، وسخر له كل ما في الكون من سماء وأرض وما بينهما، وأغدق عليه نعمه، ليتمكن من القيام بواجب الاستخلاف، وسنوضح ذلك من خلال النقاط الآتية:

أولًا: الموارد الاقتصادية نعمة إلهية:

من كمال ربوبية الله تعالى لعباده وقيوميته عليهم أنه سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وخلق لهم جميع ما يحتاجونه في هذه الحياة الدنيا من مستلزمات.

وقد حمد ربنا جل وعلا ذاته العلية على ذلك في قوله: ( ) [الفاتحة:٢].

أي: هو تعالى المربي جميع العالمين، بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة، فمنه تعالى، وهو معنى ربوبيته العامة لخلقه30.

وربوبية الله تعالى لخلقه ليست مادية فقط، بل هي ربوبية عامة تشمل الأمور المعنوية أيضًا، ومن ذلك إرساله الرسل، وإنزاله الكتب، وأنه فطر عباده على معرفته.

قال تعالى: ( ) [الكهف:١]31.

ومن تلك المستلزمات الحياتية التي أنعم الله بها على عباده الموارد الاقتصادية، من الغذاء واللباس والمعادن والصخور والأخشاب والتراب وغيرها من مقومات الحياة والبناء والصناعة والعمل، وقد امتن الله تعالى على عباده بذلك في آيات كثيرة.

قال تعالى: ( ﭕﭖ ) [إبراهيم:٣٤].

أي: خلق لعباده كل شيء مما يحتاجون إليه في ليلهم ونهارهم، وحضرهم وسفرهم، وفي جميع أحوالهم32، و(ما) في قوله: ( ) هي (ما) الموصولة، والتقدير: آتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه ولم تصلح أحوالكم ومعايشكم إلا به، فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال33.

وذلك من عظيم نعمة الله تعالى على عباده، أن هيأ لهم جميع ما يحتاجون إليه ويطلبونه لتقوم أمور حياتهم، ولذلك ذيل تعالى الآية بقوله: ( )، ومن تلك النعم التي يحتاجها الإنسان في حياته ويسأل عنها الغذاء من الطعام والشراب، فهو قوت الإنسان الذي ينمو به ويعيش عليه، وقد امتن الله تعالى به على عباده في قوله: ( ) [الرحمن:١٣].

كما أقسم ببعض أنواعه في قوله: ( ) [التين:١].

وذلك تنبيهًا لعباده على أهمية هذه الأنواع، وكونها آية من آياته، وقال تعالى: ( ) [إبراهيم:٣٢].

فامتن تعالى بمورد عزيز على الإنسان، هو الماء، الذي أنزله تبارك وتعالى من السحب، فأخرج لهم به من الثمرات المختلفة الأشكال والألوان، والطعوم والروائح والمنافع، وجعل من هذا الماء بحارًا تحمل السفن العظيمة وتنقلها المسافات البعيدة، وجعل منه الأنهار التي تشق الأرض من قطر إلى قطر، رزقًا للعباد؛ ليشربوا ويسقوا زروعهم وأنعامهم وغير ذلك من أنواع المنافع34.

ومن تلك الموارد التي يحتاجها الإنسان في حياته ويسأل عنها: الأصواف والأوبار والقطن مما يحتاجه في لباسه، ووقاية جسده من الحر والبرد، وتزيين منظره وتحسينه، وقد امتن تعالى بذلك على عباده في قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف:٢٦].

وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل:٨١].

والسرابيل الأولى في الآية: هي الثياب من القطن والكتان والصوف، وأما السرابيل الثانية في قوله: (ﭼ ﭽ ﭾ) فهي الدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك، ثم قال تعالى: ( )، أي: هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم، وما تحتاجون إليه، ليكون عونًا لكم على طاعته وعبادته35.

وقال تعالى في بيان ما أنعمه على عباده من موارد الأرض الباطنة كالمعادن وغيرها: ( ) [الحديد:٢٥].

أي: خلق الله تعالى الحديد وأوجده لعباده، «لتكون منه السيوف والرماح والدروع والسفن البحرية وما أشبه ذلك، وفيها القوة التي ترغم أنف الظالم، وتحمي المظلوم»36، وفيه منافع للناس «وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف، والأواني وآلات الحرث، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد»37.

وقد ذكر الفخر الرازي كلامًا نفيسًا في منافع الحديد وفوائده.

قال رحمه الله: «وأما الحديد ففيه البأس الشديد فإن آلات الحروب متخذة منه، وفيه أيضًا منافع كثيرة، منها قوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٨٠].

ومنها أن مصالح العالم، إما أصول، وإما فروع، أما الأصول فأربعة: الزراعة، والحياكة، وبناء البيوت، والسلطنة، وذلك لأن الإنسان مضطر إلى طعام يأكله، وثوب يلبسه، وبناء يجلس فيه، والإنسان مدني بالطبع، فلا تتم مصلحته إلا عند اجتماع جمع من أبناء جنسه يشتغل كل واحد منهم بمهم خاص، فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل، وذلك الانتظام لا بد وأن يفضي إلى المزاحمة، ولا بد من شخص يدفع ضرر البعض عن البعض، وذلك هو السلطان، فثبت أنه لا تنتظم مصلحة العالم إلا بهذه الحروف الأربعة، أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد، وذلك في كرب الأراضي وحفرها، ثم عند تكوُن هذه الحبوب وتولدها لا بد من خبزها وتنقيتها، وذلك لا يتم إلا بالحديد،...

وأما الحياكة فمعلوم أنه يحتاج في آلات الحياكة إلى الحديد، ثم يحتاج في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد، وأما البناء فمعلوم أن كمال الحال فيه لا يحصل إلا بالحديد، وأما أسباب السلطنة فمعلوم أنها لا تتم ولا تكمل إلا بالحديد، وعند هذا يظهر أن أكثر مصالح العالم لا تتم إلا بالحديد، ويظهر أيضًا أن الذهب لا يقوم مقام الحديد في شيء من هذه المصالح فلو لم يوجد الذهب في الدنيا ما كان يختل شيء من مصالح الدنيا، ولو لم يوجد الحديد لاختل جميع مصالح الدنيا.

ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة، جعله سهل الوجدان، كثير الوجود، والذهب لما قلَت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود، وعند هذا يظهر أثر وجود الله تعالى ورحمته على عبيده»38.

قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحجر:٢١].

فبين تعالى أنه مالك كل شيء، وأن جميع خزائن الأشياء بمختلف أجناسها وأنواعها عنده، «أي: في أمره وحكمه وتدبيره»39.

( ) أي: «حسب ما تقضى حكمته، مما يصلح به أمر الناس وتعمر الأرض»40.

فالله تعالى ينزل لعباده ما يحتاجون إليه في هذه الحياة بالقدر الذي يحتاجونه، فإذا زادت حاجاتهم من ذلك فتح الله تعالى لهم من خزائنه ويسر أبوابًا جديدة في العلم والإنتاج ما يكفل لهم ذلك الاحتياج، فمثلًا في الوقود، كان الناس قديمًا يستعملون الحطب وخشب الشجر في تحصيله.

قال سبحانه وتعالى: ( ) [الواقعة:٧١-٧٢].

ثم لما اتسعت حاجات البشرية منه، فتح الله تعالى لهم بابًا جديدًا في إيجاده وتحصيله، فاكتشفوا الفحم الذي كان أصله نباتًا مطمورًا أو حيوانًا مطمورًا في الأرض؛ ثم اكتشف البترول والغاز.

وقد أعد سبحانه وتعالى كل شيء في الأرض، وقدر فيها الأقوات من قبل أن ينزل آدم عليه السلام إلى الأرض ليعمرها، ويكون خليفة فيها، هو وذريته إلى أن تقوم الساعة، فإذا اشتكى العالم من نقص في احتياجاته، فإنما مرجعه إلى التكاسل وعدم حسن استثمار ما خلقه الله وقدره من أرزاق في الأرض.

ونرى التعاسة في كوكب الأرض رغم التقدم العلمي والتقني؛ ذلك أننا نستخدم ما كنزه الحق سبحانه ليكون مجال سعادة لنا في الحروب والتنافر. ولو أن ما يصرف على الحروب؛ تم توجيهه إلى تنمية المجتمعات المختلفة لعاش الجميع في وفرة حقيقية.

ولكن سوء التنظيم وسوء التوزيع الذي نقوم به نحن البشر هو المسبب الأول لتعاسة الإنسان في الأرض41.

وهكذا يبين الله تعالى لعباده ما أنعمه عليهم من موارد اقتصادية ومستلزمات الحياة، دون سؤال منهم أو طلب، بل إنعام منه وكرم، ( ) [إبراهيم:٣٤].

فهذه الآية وغيرها من الآيات التي بينت تلك الموارد والثروات دليل على تحقق كفاية حاجة الإنسان من تلك الموارد.

فالمشكلات الاقتصادية التي تحدث أحيانًا ليس سببها ندرة الموارد، وبخل الطبيعة، كما تصوره المذاهب الاقتصادية المنحرفة الأخرى؛ كالرأسمالية والشيوعية وغيرها.

وإنما سبب ذلك هو الإنسان نفسه، كما تقرره هذه الآية، في قوله تعالى: ( ) فظلم الإنسان في توزيع الثروات، وكفرانه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه الاستغلال الأمثل، هما السببان المزدوجان للمشكلة التي يعيشها الإنسان.

وبمجرد تفسير المشكلة على هذا الأساس الذي دل عليه القرآن، يصبح بالإمكان التغلب عليها، والقضاء على الظلم وكفران النعمة بإيجاد علاقات توزيع عادلة، وتعبئة كل القوى المادية لاستثمار الطبيعة، واستكشاف كل كنوزها42.

ثم إن ظلم الإنسان ليس مقصورًا على سوء توزيع الثروات، بل يشمل أيضًا ظلمه بترك الطاعات وارتكاب المعاصي، وإذا كانت المعاصي سببًا في احتباس الرزق، ورفع النعمة، فإن الاستغفار سبب في نزول الغيث، وحصول الأرزاق43.

إن العالم طافح بالخيرات، مشحون بالقوى بين يدي الإنسان، وتحت قدميه، غير أن سنة الله في الكون قضت أن على الإنسان السعي، فإن الأرض لا تنشق عن خيرها ولا يهبط النعيم من السماء دون سعي الإنسان. فلا حصاد دون غرس، ولا وفرة في الإنتاج دون كثرة في الجهود.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٩].

«وهذه الآية ترشد إلى أن مواطن هذا النفع ليست خاصة بظواهر هذا الكون، وإنما هي مبثوثة في ظاهره الذي نحصل عليه بمجرد النظر، وفي باطنه الذي نحتاج إلى قوة في اقتحامه، وخوض غماره، وفي هذا إيحاء بالبحث عما استقر في باطن الأرض وطبقات الجبال، وقاع البحار، وما يحمل الماء والهواء من قوى الإنتاج، ومواد الصناعة والتعمير»44.

ثانيًا: الموارد الاقتصادية:

١. الأرض.

ومن أهم الموارد الاقتصادية التي أنعم الله بها على عباده: الأرض بما تحتويه من ثروات وخيرات، كالمياه والمعادن والبترول والأحجار، وبكونها صالحة للزراعة والبناء وغير ذلك، وقد بين الله تعالى إنعامه على عباده في تسخير الأرض وتذليلها لهم، وما أودعه فيها من خيرات عظيمة في مواضع كثيرة من كتابه العزيز.

قال تعالى: ( ) [الملك:١٥].

فأخبر تعالى أنه جعل الأرض ذلولًا، أي: سهلة، من الذل وهو اللين وسهولة الانقياد.

أي: سهل تعالى الأرض وسخرها وذللها لما يراد منها من مشى عليها، أو غرس فيها، أو بناء فوقها، أو غير ذلك من وجوه الانتفاع بها45.

وذلك من رحمته تعالى بخلقه أن ذلل لهم هذه الأرض الكبيرة الواسعة لتتمشى مع حياة الإنسان وسعيه فيها.

ولذلك قال سبحانه: ( ) أي: «فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات»46.

وقد بين تعالى بعض أنواع هذا التذليل والتسخير للأرض، كتثبيتها بالجبال لتستقر وتثبت بمن عليها، وإلا لكثرت فيها الزلازل والاضطرابات.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٣١].

وكبسط الأرض ومدها.

قال تعالى: ( ) [الرعد:٣].

وقال تعالى: ( ) [نوح:٢٠].

وقال تعالى: ( ) [البقرة:٢٢].

فبين تعالى أنه أنعم على عباده بجعله الأرض مبسوطة لهم كالفراش والبساط، تسهيلًا لحياتهم فيها وتيسيرًا لانتقالهم في طرقها الواسعة للوصول إلى أغراضهم وحاجاتهم، وقال تعالى: ( ) [الرحمن:١٠].

فالأرض كل الأرض موضوعة للأنام كل الأنام، لكي يستغلوها ويسعوا فيها47.

ومن تذليل الله تعالى للأرض وتسخيرها لعباده جعلها صالحة للزراعة بما جعله فيها من مقومات الزراعة والإنبات، كالتربة الخصبة الغنية بالأملاح والمواد العضوية التي يتغذى النبات عليها وغير ذلك من المقومات، «ولو شاء الله تعالى لجعلها حديدًا، ونحاسًا فلا يستطيع الإنسان أن يحرث فيها، ولا يحفر ولا يبني، وإذا مات لا يجد مدفنًا فيها»48.

قال تعالى: ( ) [الرعد:٣].

وقال: ( ) [عبس:٢٧].

ومن تسخير الله تعالى الأرض لعباده: أن جعلها أجزاء وبقاع مختلفة.

قال تعالى: ( ) [الرعد:٤].

فمنها أرض طيبة منبتة، وأخرى سبخة لا تنبت، ومنها أرض رخوة وأخرى صلبة، ومنها أرض صالحة للزرع لا للشجر، وأخرى صالحة للشجر لا للزرع إلى غير ذلك49، ( ) أي: «بقاع متقاربات مختلفة الطبائع»50، وهو قول يدل على الإعجاز؛ فعلى الرغم من أنها متجاورات إلا أن كلًا منها تناسب الطقس الذي توجد فيه؛ فزراعة الذرة مثلًا تحتاج مناخًا معينًا؛ وكذلك زراعة الموز، وهكذا كل منطقة هي مناسبة لما تنتجه، فالأرض ليست عجينة واحدة، بل هي تربة مناسبة للجو الذي توجد به51.

وهكذا يذلل الله تعالى الأرض لخدمة الإنسان ومصالحه، فبـاختلاف الأرض في أجزائها وبقاعها تتنوع الأشجار والنباتات، فمنها قوت للبشر، ومنها قوت للبهائم، ومنها الدواء، ومنها الفاكهة، ومنها الأنواع المختلفة في الحلاوة والحموضة.

ومن تسخير الله تعالى الأرض لعباده أنه جعل لهم التمكين فيها.

قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٠].

فبين تعالى أنه مكن عباده في الأرض، أي: أقدرهم على التصرف فيها52، ومنحهم القوة على استغلالها والانتفاع بمواردها، وذلك بما هيأه لهم فيها من الأسباب؛ كتذليل الأرض وتهيئتها للزراعة والبناء، وما جعل لهم فيها مما يعيشون به «مما يخرج من الأشجار والنبات، ومعادن الأرض، وأنواع الصنائع والتجارات»53، وبما وهبهم من العقل والعلم والقوة.

وكل ذلك من تمكينه سبحانه لعباده وإنعامه عليهم ( ) أي: أن أكثرهم مع هذا الإنعام لا يشكرونه عليه، كما قال تعالى: ( ) [سبأ:١٣].

وقد بين تعالى احتواء الأرض على الثروات والخيرات العظيمة في قوله: ( ) [فصلت:٩-١٠].

فأخبر تعالى عن مدة خلقه الأرض وتهيئتها لعباده، وهي أربعة أيام، يومان للأرض، ويومان للبركة وتقدير الأقوات فيها54.

و«هذا الزمن إنما هو منظور فيه إلى طبيعة المخلوق لا إلى قدرة الخالق، وإلى أن هذا الزمن هو الذي قدره الخالق سبحانه وتعالى لينضج فيه المخلوق، ويستوفى فيه تمام خلقه، كالجنين في الرحم، حيث يتم تكوينه في تسعة أشهر، في عالم الإنسان، وفى زمن أقل أو أكثر في العوالم الأخرى من الأحياء، فالزمن جزء من وجود كل موجود، وفى تطوره من حال إلى حال، سواء في هذا، الحيوان، والنبات، والجماد، فقوله تعالى: ( )إشارة إلى الزمن الذي نضجت فيه الأرض، وتم تكوينها، وتهيأت لاستقبال الحياة فيها»55.

وقد أخبر الله تعالى أنه بارك فيها أي: جعلها مباركة، بأن أكثر فيها خيرها، فجعلها زاخرة بأنواع الخيرات والمنافع، من الزروع والثمار المبثوثة فوقها، والمياه التي تخرج من جوفها. والكنوز التي تحصل من باطنها. ( )، أي: أرزاق ساكنيها ومعايشهم.

وقال قتادة: «خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها، وساكنها من الدواب كلها»56.

وقيل: «خصائصها التي قسمها في البلاد مما خص به كل إقليم، فيحتاج بعضها إلى بعض في التقوت من الملابس والمطاعم والنبات»57.

وبذلك يتبادل الناس المنافع فيما بينهم، فيعمر الكون، ويزيد الاتصال والتعارف فيما بينهم.

والآية عامة فهي تعم جميع ما ذكر مما يقتاته أهل الأرض ويحتاجونه في معاشهم58، ولذلك قال تعالى: ( ) أي: على وفق مراد من له حاجة، فإن الله قدر له ما هو محتاج إليه، كما قال تعالى: ( ) [إبراهيم:٣٤]59.

وهكذا يبين الله تعالى نعمته على عباده في تسخير الأرض وتذليلها، وجعلها موردًا من أهم موارد حياتهم ومقوماتها، وقد عد علماء الاقتصاد الأرض من أهم عوامل الإنتاج والموارد الاقتصادية.

٢. الإنسان.

ومن أهم الموارد الاقتصادية التي نوه إليها القرآن الكريم هو الإنسان بما آتاه الله تعالى من علم وعقل وقوة، وبما منحه من طاقة جبارة تمكنه من عمارة الأرض واستثمار خيراتها.

قال تعالى: ( ﯿ ) [هود:٦١].

فأخبر الله تعالى أنه خلق عباده من الأرض، ومكنهم من عمارتها، واستثمار ما فيها والانتفاع بخيرها60.

قال أبو بكر الجصاص: «وقوله: (ﯿ ) يعني: أمركم من عمارتها بما تحتاجون إليه، وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية»61، وقال ابن كثير: (ﯿ ) أي: «جعلكم فيها عمارًا تعمرونها وتستغلونها»62.

كما وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى عمارة الأرض وإصلاحها في أكثر من حديث، كما جاء عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا أرضًا ميتةً فهي له)63.

والأرض الميتة أي: «التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة، وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن، وهذا قول الجمهور»64.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)65، وغير ذلك من الأحاديث وهي كثيرة.

«إن الله سبحانه استخلف البشر في الأرض بقصد عمارة الكون وإنمائه واستغلال كنوزه وثرواته، والناس في ذلك شركاء، والمسلمون ينفذون أمر الله ومقاصده.

قال الله تعالى: ( ﯿ ) [هود:٦١].

والاستعمار: معناه التمكين والتسلط، كما هو واضح من قوله سبحانه: ( ) [الأعراف:١٠].

وقوله عز شأنه: ( ) [البقرة:٢٩].

وقوله تعالى: ( ) [الجاثية:١٣].

واللام في (لكم) تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، أي أن ذلك مختص بكم، مما يدل على أن الانتفاع بجميع مخلوقات الأرض وما فيها من خيرات مأذون فيه، بل مطلوب شرعًا، واعتبر الفقهاء تعلم أصول الحراثة والزراعة ونحوها مما تتم به المعايش التي بها قوام الدين والدنيا من فروض الكفاية»66.

وقال تعالى: ( ) [البقرة:٣٠].

فالله تعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض ليصلحها ويعمرها، ولذلك اختاره على الملائكة في ذلك الاستخلاف.

قال المراغي: «وفي استخلاف آدم عليه السلام في الأرض معنى سام من الحكمة الإلهية خفى على الملائكة، فإنه لو استخلفهم فيها لما عرفوا أسرار هذا الكون وما أودع فيه من الخواص، فإنهم ليسوا بحاجة إلى شيء مما في الأرض، إذ هم على حال يخالف حال الإنسان، فما كانت الأرض لتزرع بمختلف الزروع، ولا تستخرج المعادن من باطنها، ولا تعرف خواصها الكيمائية والطبيعية، ولا تعرف الأجرام الفلكية ولا المستحدثات الطبية، ولا شيء من العلوم التي تفنى السنون ولا يدرك الإنسان لها غاية»67.

٣. العمل.

ومن أهم الموارد الاقتصادية التي نوه القرآن الكريم إليها هو العمل والجد فيه، فقد حث القرآن الكريم على العمل، ودعا إليه في آيات عديدة.

قال تعالى: ( ) [الملك:١٥].

وقال: ( ) [الجمعة:١٠].

فقوله تعالى: ( ) هو دعوة من الله تعالى لعباده إلى العمل في هذه الحياة، وإلى السعي في الأرض، والضرب في وجوهها المختلفة، فالله سبحانه قد سخر للناس خيرات كثيرة في هذه الأرض، وعليهم أن يتحركوا في كل وجه على هذا البساط، وأن يمدوا أيديهم إلى كل شيء يقدرون عليه من هذا الخير.

فإن هم لم يفعلوا، فقد بخسوا أنفسهم حقها من الحياة الكريمة على هذه الأرض، ومناكب الأرض، هي أجزاؤها العليا فيها، أشبه بمنكبي الإنسان، وهما جانبا الكتفين، وهذا يعنى أن يستدعي الإنسان قواه كلها حتى يأخذ مكانًا متمكنًا من الأرض، يستطيع به أن يستثمر قوى الطبيعة فيها.

فهذا هو مكان الإنسان الذي يعرف قدر إنسانيته، إنه الخليفة على هذه الأرض، ومقام الخلافة يقتضيه أن يأخذ مكان الصدارة فيها، وأن يجلس مجلس السلطان من رعيته، وفى تعدية الفعل (امشوا) بحرف الجر (في) بدلًا من (على) إشارة إلى أن ينفذ الإنسان في أعماق هذه المناكب، وإلى أن يعمل على كشف أسرارها، لا مجرد اتخاذها طريقًا يمشى عليه68.

ورغم كثرة الأدلة التي تحث المسلمين على أن يكونوا منتجين لا مستهلكين، إلا أن العديد من الأقطار الإسلامية أصبحت أسواقًا لمنتجات غير المسلمين، وهذا ما يحرص عليه أعداء الإسلام حتى يبقى العالم الإسلامي سوقًا لمنتجاتهم، ويسهل عليهم التدخل في الشؤون الداخلية للأقطاره، ولذلك ينبغي على المسلمين أن يستغنوا عن غيرهم، وأن يكونوا منتجين لا مستهلكين، فإن من لا يملك قوته لا يملك قراره.

إنه لمن الواجب على الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجياتها؛ لتستغني عن غيرها، فهي تحتاج إلى غيرها بقدر ما تقصر في الإنتاج، إذ القدرة الإنتاجية هي المتحكمة وذات السيادة الدولية. وقد أعطى الله المؤمنين ما يؤهلهم للصدارة واحتلال مكانهم، والمحافظة على مكانتهم، وإشادة كيانهم بالدين والدنيا معًا69.

قال تعالى: ( ﮇﮈ ) [الإسراء:١٢].

وقال: (M ﭿ ) [القصص:٧٣].

وقال: ( ) [النبأ:١١].

فبين تعالى أنه خلق الكون على هذه الكيفية من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما لتنتظم أوقات عباده وأعمالهم، فيعملون ويكدون في النهار، ويرتاحون في الليل، وفي ذلك بيان لمشروعية العمل وأن الله أراده من عباده.

والعمل المطلوب من الأمة أفرادًا وجماعات هو العمل الجاد والنشاط.

قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المزمل:٢٠].

فسمى الله تعالى السعي على الرزق ضربًا في الأرض، وفي ذلك إعلام منه تعالى لعباده أن العمل والكفاح في هذه الحياة يجب أن يكون في منتهى القوة والجد70.

قال الشعراوي: «والضرب -كما نعرف- هو انفعال الجارحة على شيء آخر بعنف وقوة. وقوله: ( ﯿ ) [النساء:١٠١]. معناها أن الحياة كلها حركة وانفعال، ولماذا الضرب في الأرض؟ لأن الله أودع فيها كل أقوات الخلق، فحين يحبون أن يخرجوا خيراتها؛ يقومون بحرثها حتى يهيجوها، ويرموا البذور، وبعد ذلك الري، ومن بعد ذلك تخرج الثمار، وهذه هي عملية إثارة الأرض. إذن كل حركة تحتاج إلى شدة ومكافحة، والحق سبحانه يقول: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المزمل:٢٠].

وما دامت المسألة ضربًا في الأرض فهي تحتاج إلى عزم من الإنسان وإلى قوة»71.

الإنتاج

من رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان أنه لما قضى باستخلافه في الأرض، هيأه لهذه المهمة، وسخر له كل ما في الكون، وعلمه أصول الإنتاج، ودله على العديد من مجالاته، وسوف نبين ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: تعليم الله للإنسان أصول الإنتاج:

من نعم الله على عباده أن علمهم كيف يعملون؟، وكيف ينتجون؟، حتى يقوموا بما أراده منهم من عمارة الأرض وإصلاحها، وحتى يوفروا حاجاتهم وضرورياتهم مما يحتاجونه في هذه الحياة.

قال تعالى: ( ) [إبراهيم:٣٤].

فالله تعالى أنعم على الإنسان بأن أوجد له كل ما يحتاجه من الأشياء ويسأل عنه في حياته، وأنعم عليه بتعليمه كيف يستخدم وينتج من تلك الأشياء أشياء أخرى يحتاجها، فقوله: ( ) أي: بإيجادها لكم مادة خامة، أو بهدايتكم إلى إنتاجها، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( ) [العلق:٣-٥].

فمن كرمه تعالى على الإنسان أنه علمه العلوم المختلفة بالقلم آلة الكتابة الذي به تحفظ العلوم وتضبط الحقوق، بعد أن كان لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم72.

قال تعالى: ( ) [النحل:٧٨].

وقال تعالى في بيان امتنانه على خلقه بإيجاده ما يركبونه ويتنقلون عليه من الدواب: ( ) [النحل:٨].

«أي: وخلق الخيل والبغال والحمير للحمل والركوب، وهي كذلك زينة وجمال، ( ) أي: ويخلق في المستقبل ما لا تعلمونه الآن كوسائل النقل الحديث: القاطرات، والسيارات، والطائرات النفاثة وغيرها مما يجد به الزمان وهو من تعليم الله للإنسان»73وهدايته إلى ما يسد به حاجته، وييسر حياته، وهكذا كلما اتسعت حاجة الإنسان فتح الله له بابًا جديدًا من الرزق والعمل والاكتشاف والاختراع.

قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحجر:٢١].

وقال تعالى وهو يعدد نعمه على عبده ونبيه داود عليه السلام: ( ) [الأنبياء:٨٠].

أي: «علم الله داود عليه السلام، صنعة الدروع، فهو أول من صنعها وعلمها، وسرت صناعته إلى من بعده، فألان الله له الحديد، وعلمه كيف يسردها، والفائدة فيها كبيرة، ( ) أي: هي وقاية لكم، وحفظ عند الحرب، واشتداد البأس»74 .

فعلم الله تعالى نبيه داود عليه السلام تلك الصنعة في عمل الدروع لينتفع بها ومن جاء بعده في مهمتهم في خلافة الأرض وإصلاحها، وهكذا الإنسان عمومًا في حاجة دائمة إلى المعرفة والتعلم؛ لأنه الخليفة في الأرض، ولن يؤدي هذه المهمة إلا بحركة واسعة بين الناس، هذه الحركة تحتاج إلى فهم ومعرفة وتفاعل وتبادل معارف وثقافات75.

وفي قوله تعالى: ( ) إشارة إلى الأمة المسلمة في كل زمان ومكان، أن ترفع من دفاعاتها، وتتعلم أمور حربها، وصناعة سلاحها، حتى لا يطمع أعداؤها فيها وفي خيراتها.

فقد أوجب الله تعالى على الأمة الإسلامية أن تأخذ بأسباب القوة، من تدريب للطاقات البشرية، وتخطيط، وإدارة، وتصنيع.

قال تعالى: ( ) [الأنفال:٦٠].

وبذلك تحفظ الأمة الإسلامية لنفسها كرامتها وعزتها.

وقال تعالى في آية الدين: ( ) [البقرة:٢٨٢].

فقوله: ( ) أي: إذا طلب ممن علمه الله الكتابة أن يكتب بين متداينين كتاب الدين، فلا يمتنع من كتابة ذلك.

قال ابن كثير: «ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس، ولا ضرورة عليه في ذلك، فكما علمه الله ما لم يكن يعلم، فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب»76.

وفي الآية إشارة إلى «أن الإنسان لا يستقل بالعلم؛ لقوله تعالى: ( ) ؛ حتى في الأمور الحسية التي تدرك عن طريق النظر، أو السمع، أو الشم، لا يستطيع الإنسان أن يعلمها إلا بتعليم الله عز وجل»77.

وهكذا يعلم الله تعالى عباده أصول الصناعات والحرف، تفضلًا منه تعالى عليهم، وكلما زادت احتياجاتهم فتح لهم آفاقًا جديدة في العلم والمعرفة، كما هو مشاهد في واقعنا اليوم، كلما زادت البشرية في عددها واحتياجاتها، تقدم العلم والتكنولوجيا تقدمًا عظيمًا يسد تلك الحاجات.

ثانيًا: الأصل الإباحة في النشاط الإنتاجي:

الأصل في النشاط الإنتاجي هو الإباحة، وأما التحريم فيتوقف على نص شرعيٍ يبينه ويخصصه.

قال تعالى: ( ﯿ) [البقرة:٢٩].

وقال: ( ) [الجاثية:١٣].

فبين تعالى نعمته على خلقه بأن خلق لهم جميع ما في الأرض، وسخره وهيأه وأباح الانتفاع به.

قال رضا: «إن هذه الجملة هي نص الدليل القطعي على القاعدة المعروفة عند الفقهاء (إن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة) والمراد إباحة الانتفاع بها أكلًا وشربًا ولباسًا وتداويًا وركوبًا وزينة، وبهذا التفصيل تدخل الأشياء التي يضر استعمالها في بعض الأشياء وينفع في بعض، كالسموم التي يضر أكلها وشربها وينفع التداوي بها، وليس لمخلوق حق في تحريم شيء أباحه الرب لعباده تدينًا به إلا بوحيه وإذنه

( ) [يونس:٥٩]»78.

فأخبر تعالى أنه خلق لعباده جميع ما في الأرض برها وبحرها وجوها، ظاهرها وباطنها، وسخرها له، وأمره بإعمارها وإصلاحها، والقيام بأمر الله فيها وشرعه، ولذلك جاء بعد هذه الآية من سورة البقرة قوله تعالى: ( ) [البقرة:٣٠].

فهيأ الله تعالى الأرض، وأعدها للإنسان، ثم أوجده فيها.

كما بين تعالى أن الأرض بما فيها مسخرة للإنسان، لا العكس، فالأرض مخلوقة للإنسان ولمصلحته ودوره في الخلافة فيها، والإنسان «سيد الأرض وسيد الآلة! إنه ليس عبدًا للآلة كما هو في العالم المادي اليوم. وليس تابعًا للتطورات التي تحدثها الآلة في علاقات البشر وأوضاعهم كما يدعي أنصار المادية المطموسون، الذين يحقرون دور الإنسان ووضعه، فيجعلونه تابعًا للآلة الصماء وهو السيد الكريم!

وكل قيمة من القيم المادية لا يجوز أن تطغى على قيمة الإنسان، ولا أن تستذله أو تخضعه أو تستعلي عليه وكل هدف ينطوي على تصغير قيمة الإنسان، مهما يحقق من مزايا مادية، هو هدف مخالف لغاية الوجود الإنساني. فكرامة الإنسان أولًا، واستعلاء الإنسان أولًا، ثم تجيء القيم المادية تابعة مسخرة»79.

وقد ذم الله تعالى أهل الكفر في تحريمهم على أنفسهم بعض الأشياء التي أباحها لهم.

قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف:٣٢].

قال صاحب المنار: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ) أي: قل أيها الرسول لأمتك: هي -أي: الزينة والطيبات من الرزق- ثابتة للذين آمنوا بالأصالة والاستحقاق في الحياة الدنيا، ولكن يشاركهم غيرهم فيها بالتبع لهم، وإن لم يستحقها مثلهم. وهي خالصة لهم يوم القيامة ...كما تدل عليه الآيات الناطقة بأن دين الله الحق يورث أهله سعادة الدنيا والآخرة جميعًا80.

ثالثًا: مجالات الإنتاج:

بين الله تعالى في كتابه الكريم بعض مجالات الإنتاج المختلفة.

قال تعالى: ( ) [الجمعة:١٠].

أي: أمر الله تعالى عباده المؤمنين إذا فرغوا من صلاة الجمعة أن ينتشروا في الأرض، والانتشار يعني: «أن ينساح البشر لينتظموا في كل حركات الحياة، وبذلك تعمر كل حركة فيها»81.

وفي ذلك «دعوة إلى أن يملأ المسلمون وجوه الأرض سعيًا وعملًا، وأن يأخذوا بكل ما يمكن لهم منها، ويقيم لهم فيها المقام الكريم، وألا يقصروا جهدهم على جانب منها، أو في ميدان من ميادينها، بل ينبغي أن يكون لهم في كل ميدان مجال، وفي كل موقع عمل، وفي الدعوة إلى الانتشار في الأرض بعد الاجتماع بين يدى الله في الصلاة، في هذا جمع بين العبادة والعمل، وبين ذكر الله والسعي في الأرض»82.

وقد ذكر القرآن الكريم بعض مجالات الإنتاج، منها:

١. الزراعة.

التي بها حياة الأرض واستثمارها، وبها ينتج الإنسان قوته ورزقه.

قال تعالى: ( ) [عبس:٢٤-٣٢].

أي: فليتأمل الإنسان وليتدبر في أمر طعامه الذي فيه بقاؤه، كيف دبرناه له وقدرناه، ليعلم أن الكون كله مسخر له، وأننا لو لم نيسره له لهلك، فمبدأ ذلك أننا صببنا الماء من السحاب صبًا، ثم شققنا الأرض شقًا، أي: بالنبات الذي هو في غاية الضعف يشق الأرض المتماسكة بالماء ويخرج خارجها، فأنبت الله من هذا الماء الحبوب كالحنطة والشعير، والعنب.

وقوله: () وهو الرطب من البقل وغيره، والزيتون والنخل...، إلى آخر ما ذكرته الآيات من النعم83، فبين الله تعالى أن زراعة الأرض سبب من أسباب رزق الإنسان وحصوله على طعامه منها.

كما ذكر تعالى بعض تفاصيل عملية الزراعة في قصة يوسف عليه السلام، في قوله سبحانه: ( ﭿ ) [يوسف:٤٧].

أي: يطلب يوسف من أهل مصر أن يزرعوا بدأبٍ أي: بمواظبة وبدون كسل، وما حصدوه فأخبرهم أن يأكلوا القليل منه، ويتركوا بقيته محفوظًا في سنابله، والحفظ في السنابل يدل على ما آتاه الله عز وجل ليوسف عليه السلام من علم في كل نواحي الحياة، من اقتصاد ومقومات التخزين، وغير ذلك من عطاءات الله، وقد أثبت العلم الحديث أن القمح إذا خزن في سنابله؛ فتلك حماية ووقاية له من السوس84.

٢. التجارة.

ومن مجالات الإنتاج التي بينها القرآن الكريم، التجارة، وفيها يتحصل الإنسان على المال والبضائع المختلفة.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٥].

وقال: ( ﭧﭨ ) [الجمعة:٩-١٠].

أي: «إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم. ( ) أي من رزقه»85.

٣. الصناعة.

ومن مجالات الإنتاج التي بينها القرآن الكريم: الصناعة، وبها يوجد الإنسان ما يحتاجه من أمور حياته.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٨٠].

وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز كثيرًا من أصول الصنائع، وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها، فمن الصنائع:

المبادئ الاقتصادية

  1. () أي: الذين لا شيء لهم أو لهم شيء لا يقع موقعًا من كفايتهم.
  2. () أي: الذين لا يجدون ما يكفيهم.
  3. () أي: المؤتمنين في السعاية والولاية على جمعها.
  4. ( ) ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين.
  5. () فك () أي: المكاتبين.
  6. () أهل الديون.
  7. ( ) أي: المجاهدين.
  8. ( ) أي: المنقطع في سفره118.

    فبين تعالى مصارف الزكاة، وهي عماد مبدأ التكافل الاجتماعي، وبها ينصلح حال المجتمع ويسود العدل والإخاء فيه، وبدأ تعالى بالفقراء، فهم أحق جماعة في المجتمع الإنساني بالرعاية والحماية من آفة الفقر التي تفتك بهم، وتتعبهم في حياتهم، ومحاربة هذه الآفة بالإضافة إلى كونها مساعدة للفقراء، فهي في نفس الوقت حماية للأغنياء أنفسهم، وضمانة لأمنهم وسلامتهم في أموالهم وأنفسهم من عادية الفقراء عليهم.

    ذلك أن الفقير الذي يجد الغني يعينه ويكرمه، فإنه سيتمنى له الخير ويحبه، أما إذا وجد الفقير الغني لا يعطيه شيئًا، بل ويزداد غنى، وهو يزيد فقرًا، فلربما حقد عليه وأبغضه119.

    وإذا استمر به الحال كذلك فإنه قد يفكر في السرقة أو النهب أو القتل، وهكذا يفقد المجتمع أمنه وهدوءه، بل ويفقد خيرة أبنائه ممن لجؤوا إلى عالم الجريمة والانحراف ليسدوا احتياجاتهم120.

    «ومن هنا كان من تدبير الإسلام لمحاربة الفقر، وحماية الفقراء من قسوة هذه الآفة المهلكة، أن فرض على المسلمين الزكاة، وجعلها ركنًا من أركان الدين، لمن ملك نصابًا معينًا من المال، وكان من تدبير الإسلام أيضًا أن بدأ بالفقراء، وجعل داءهم هو الداء الأول، الذي يتهدد المجتمع، بالضياع، ويؤذنه بالهلاك، إن لم تعمل الجماعة جاهدة على محاربة هذه الآفة، ورصد كل قواها للقضاء عليها، وشفاء المجتمع منها»121.

    ولقد رغب القرآن الكريم بالإنفاق عمومًا في آيات كثيرة.

    قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦١].

    فضرب تعالى مثلًا لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ( ) .

    قال ابن كثير: «وهذا المثل أبلغ في النفوس، من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل، لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة»122.

    وجعل فعل الزكاة سببًا من أسباب الفلاح في قوله تعالى: ( ) [المؤمنون:١].

    إلى قوله: ( ) [المؤمنون:٤].

    ومن صور التكافل التي بينها القرآن الكريم: الإنفاق في الجهاد في سبيل الله، حيث يتعاون الأفراد ويشتركون في الذود عن أنفسهم وديارهم، وذلك بالجهاد بالنفس والمال، والإنفاق على المجاهدين وتزويدهم بما يحتاجون إليه من مال وعتاد وغذاء.

    قال تعالى: ( ) [التوبة:٤١].

    وقال:( ) [الصف:٠١-١٣].

    فجعل تعالى الإيمان به والجهاد في سبيله بالمال والنفس تجارة رابحة تنجي صاحبها من العذاب الأليم، ويفوز بالمغفرة ودخول الجنان، والنصر على الأعداء.

    ومن صور التكافل التي بينها القرآن الكريم: الإنفاق في الكفارات، ومنها:

    • كفارة اليمين.

      قال سبحانه: ( ﯿ ) [المائدة:٨٩].

      فبين تعالى أن كفارة اليمين المنعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنث صاحبها فيها تكون بإحدى ثلاثة أمور على التخيير بينها، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم من أوسط ما يطعم الحانث في يمينه أهله، والمراد بالوسط هنا: المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، أو أن يعتق رقبة، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فليصم ثلاثة أيام123.

      ويرى بعض العلماء أن كلمة (أوسط) بمعنى الأمثل والأحسن، وهو ما يرجحه الباحث؛ لأن لفظ الأوسط كثيرًا ما يستعمل بهذا المعنى، ومنه قوله تعالى: ( ) [القلم:٢٨].

      أي: قال أحسنهم عقلًا وأمثلهم فكرًا ونظرًا124.

      فجعل تعالى في تكفير العبد عن يمينه التي حنث فيها ما يتحقق به التكافل بين أفراد المجتمع، فيطعم أو يكسو ليس مسكينًا واحدًا بل عشرة مساكين يواسيهم ويعينهم، أو أن يعتق رقبة وفي ذلك تحرير لنفس من العبودية.

    • كفارة الإفطار في رمضان في حق الشيخ الكبير أو الزمـن.

      قال تعالى: ( ) [البقرة:١٨٤].

    • كفارة الظهار.

      قال تعالى: ( ﮗﮘ ) [المجادلة:٤].

      والظهار أصله مشتق من الظهر، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقًا، فأرخص الله لهذه الأمة، وجعل فيه كفارة، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه125.

      وقوله تعالى: ( )، «أي: فيه بأن يخالفوه بإمساك المظاهر منها الذي هو خلاف مقصود الظهار من وصف المرأة بالتحريم»126.

      ثم بين تعالى الواجب على المظاهر إذا أراد أن يتدارك ويتلافى ظهاره، ويعود عنه، أن يعتق رقبة، فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا127.

      ويفعل ذلك قبل أن يجامع المظاهر زوجته التي ظاهر منها.

    حماية الاقتصاد من عوامل الفساد

    • شرع المولى سبحانه وتعالى تشريعات من شأنها أن تحمي الاقتصاد من الانهيار وعوامل الفساد، وأن تحقق أمن الإنسان واستقراره وسعادته في الدنيا والآخرة، ومن عوامل الفساد الاقتصادي التي تحدث عنها القرآن ما يأتي:

      أولًا: الربا:

      قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٦].

      فنبه تعالى بقوله: ( ) على أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا، ولذلك قال: ( ) [الروم:٣٩].

      فأضاف المضاعفة إلى الزكاة128.

      والربا في الشرع هو: «فضل خالٍ عن عوض شرط لأحد العاقدين»129.

      أو هو: «فضل أحد المتجانسين على الآخر من مال بلا عوض»130.

      وعرفه الشافعية بأنه: «عقدٌ على عوضٍ مخصوصٍ غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخيرٍ في البدلين أو أحدهما»131.

      وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا حماية للاقتصاد من عوامل الفساد، وذلك لما فيه من أضرار وخيمة عليه.

      فالفائدة الربوية التي يحصل عليها المرابي لا تأتي نتيجة عمل إنتاجي، بل استقطاع من مال الفرد أو مال الأمة دون مقابل، كما أن فيه دفعًا للمرابي إلى الكسل والبطالة لتمكنه من زيادة ثروته بدون جهد أو عناء، كما أن الربا يؤدي إلى ظاهرة التضخم في المجتمع، وينمي الضغائن والأحقاد بين أفراده بسبب استغلال بعضهم البعض في حاجاتهم، وعدم مراعاة أوضاعهم ومشاكلهم132.

      وقد توعد القرآن الكريم المرابين بحرب من الله تعالى.

      قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٥٧٢-٢٧٦].

      إلى قوله: ( ) [البقرة:٢٧٩].

      وأخبر تعالى أن آكلي الربا: ( ) أي: من قبورهم، ( )، وتوعدهم بمحق رباهم، أي: إذهاب بركته، وبأشد من ذلك وهو حرب منه تعالى، وبهذا التحذير القرآني من الربا وتعاطيه حماية للاقتصاد.

      ثانيًا: الاحتكار:

      قال تعالى: ( ) [الحشر:٧].

      فبين تعالى أنه لا يريد أن يجعل المال دولة بين الأغنياء فحسب، أي: يتداولونه دون غيرهم، بل يريد أن يجعل المال دولة بين الناس133، والاحتكار من أعظم الأسباب التي تجعل المال دولة بين الأغنياء، يتحكمون به في قوتهم، ويحددون سعر بيعه لهم.

      قال الفخر الرازي: «معنى الآية كي لا يكون الفيء - الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها - واقعًا في يد الأغنياء ودولة لهم»134.

      وقد حرم الإسلام الاحتكار؛ لأنه أكل لأموال الناس بالباطل: ( ) [البقرة:١٨٨].

      ولما فيه من ظلم وتسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع135.

      وفي الحديث عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئٌ)136.

      قال النووي: «قال أهل اللغة: الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم، وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار... والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعًا للضرر عن الناس»137.

      ثالثًا: السفه:

      ومن حماية القرآن الكريم للاقتصاد من عوامل إفساده: حمايته من تصرفات السفهاء.

      «السفه: السرف والتبذير... السفيه: من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير، ولا يمكن إصلاحه بالتمييز والتصرف فيه بالتدبير»138.

      وقد حمى القرآن الكريم الاقتصاد من السفه بالحجر على السفيه، رعاية لمصلحته، ومحافظة على ماله، وحتى لا يكون عالة على غيره.

      قال تعالى: ( ) [النساء:٥].

      قال السعدي: «السفهاء: جمع «سفيه» وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها؛ لأن الله جعل الأموال قيامًا لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها.

      فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم، ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية، وأن يقولوا لهم قولًا معروفًا، بأن يعدوهم -إذا طلبوها- أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم، ونحو ذلك، ويلطفوا لهم في الأقوال جبرًا لخواطرهم.

      وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم، من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للأخطار»139.

      وفي سياق حماية الاقتصاد من السفه، أمر الله تعالى بحفظ مال اليتيم.

      قال تعالى: ( ) [النساء:٦].

      أي: اختبروا اليتامى المقاربين للرشد، فإن تبين رشدهم وصلاحهم في أموالهم، وبلغوا النكاح، فادفعوا إليهم أموالهم كاملة.

      ( ) أي: مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم.

      ( ) أي: ولا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها140.

      فحمى القرآن الكريم مال اليتيم من تصرف اليتيم نفسه حال سفهه، ومن ولي اليتيم في رعايته لذلك المال.

      رابعًا: الإسراف:

      ومن حماية القرآن الكريم للاقتصاد من عوامل إفساده: حمايته من الإسراف.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء:٢٩].

      قال ابن كثير: «يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامًا للبخل ناهيًا عن السرف: ( ) أي: لا تكن بخيلًا منوعًا...

      وقوله: ( )أي: ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا، وهذا من باب اللف والنشر أي: فتقعد إن بخلت ملومًا، يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك...

      ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو: الدابة التي قد عجزت عن السير، فوقفت ضعفًا وعجزًا»141.

      وقال تعالى في النهي عن الإسراف في أموال اليتامى: ( ) [النساء:٦].

      أي: ينهى تعالى أولياء اليتيم عن أكل ماله من غير حاجة ضرورية.

      () أي: مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم من أموالكم، إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم من أموالهم.

      () أي: أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة ( ) رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم، أي: لا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها142.

      وقال تعالى: ( ) [الأعراف:٣١].

      «فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما»143.

      قال ابن عاشور: «فوجه عدم محبة الله إياهم أن الإفراط في تناول اللذات والطيبات، والإكثار من بذل المال في تحصيلها، يفضي غالبًا إلى استنزاف الأموال، والشره إلى الاستكثار منها، فإذا ضاقت على المسرف أمواله، تطلب تحصيل المال من وجوه فاسدة، ليخمد بذلك نهمته إلى اللذات، فيكون ذلك دأبه، فربما ضاق عليه ماله، فشق عليه الإقلاع عن معتاده، فعاش في كرب وضيق، وربما تطلب المال من وجوه غير مشروعه، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدنيا أو في الآخرة، ثم إن ذلك قد يعقب عياله خصاصة وضنك معيشة. وينشأ عن ذلك ملام وتوبيخ وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة»144.

      والإسراف سبب من أسباب الفقر وإضاعة المال، فالمسرف يتبع شهوته ويجاريها، حتى إنه ربما افتقر وتعرض لسؤال الناس والتذلل لهم، أو ربما لجأ إلى الطرق المحرمة في سد شهواته، ثم إن الإسراف فيه استنزاف للموارد الموجودة دون مراعاة لقدرة الدخل الشرائية، مما يؤدي للعجز في تحقيق الموازنة في العملية الاقتصادية.

      خامسًا: التعامل في المحرمات:

      ومن حماية القرآن الكريم للاقتصاد من عوامل الفساد، حمايته من التعامل في المحرمات، كالخمر والميسر والقمار والمخدرات وغيرها، لما فيها من مفاسد عظيمة عليه وعلى المجتمع، فالتعامل في القمار مثلًا وصرف الأموال فيه يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على الحظ والأماني الفارغة، لا العمل والجد، كما أنه أداة لهدم البيوت العامرة، وتفريغ الجيوب من المال، وافتقار العوائل الغنية، وهو يورث العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع مما يهدد السلم المجتمعي، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

      وهكذا الحال في الخمر والمخدرات وغيرها من الأمور المحرمة التي تعود على الخمول والكسل، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج145، وتدفع بالمجتمع إلى الجريمة.

      وقد نهى القرآن الكريم عن الخمر والميسر في قوله تعالى: ( ﭠﭡ ) [المائدة:٩٠-٩١].

      أي: ينهى الله عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار، والأنصاب وهي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها، والأزلام وهي قداح كانوا يستقسمون بها، فإنها شر من عمل الشيطان146.

      ثم بين تعالى المفاسد المتعلقة بالخمر والميسر، فمنها ما يتعلق بالدنيا من إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، مما يفضي بهم إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن، وكل ذلك فيه إضاعة لمصالحهم وتشويش لحياتهم، ومنها ما يتعلق بالدين وهو الصد عن ذكر الله والصلاة147.

      سادسًا: كنز المال:

      ومن حماية القرآن الكريم للاقتصاد من عوامل الفساد، حمايته من كنز المال وعدم أداء حقوقه، فالمال المكنوز لا ينتفع به، ولا يساهم في إنعاش الاقتصاد وتحسينه، ويحرم من المشاركة في العملية الإنتاجية بسبب طمع صاحبه وحرصه.

      وقد حرم القرآن الكريم كنز المال قال تعالى: ( ﮎﮏ ) [التوبة:٣٤-٣٥].

      فتوعد الله تعالى من يكنزون أموالهم، أي: يمسكونها، ولا ينفقونها في سبيل الله، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت.

      قال: ( ) ثم فسر العذاب بقوله: ( ) أي: على أموالهم، في نار جهنم فيحمى كل دينار أو درهم على حدته، ( ) في يوم القيامة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

      ويقال لهم توبيخًا ولومًا: ( ) فما ظلمكم الله ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز148.

    الاقتصاد والأخلاق

    • الإسلام دين الأخلاق في جميع تشريعاته، دين الأخلاق في تشريعاته في العبادات وأحكام المعاملات، ودين الأخلاق في تشريعاته في الجهاد والحرب والسلم، ودين الأخلاق في تشريعاته في الاقتصاد وغيره من مناحي الحياة.

      قال تعالى في وصف خلق النبي عليه السلام: ( ) [القلم:٤].

      وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)149.

      وقد ربط القرآن الكريم بين الاقتصاد والأخلاق ربطًا وثيقًا، وذلك في آيات كثيرة منه، من ذلك أنه جعل الإيمان والتقوى والعمل الصالح سببًا لنمو الاقتصاد وزيادة الإنتاج.

      قال تعالى: ( ) [الأعراف:٩٦].

      فبالإيمان والتقوى يبارك الله في أرزاق العباد وحياتهم، وقال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: ( ﯿ ) [نوح:١٠-١٢].

      فالاستغفار وترك المعاصي سبب من أسباب زيادة الإنتاج ونمو الاقتصاد.

      وقال تعالى: ( ) [التوبة:٢٨].

      فنهى الله تعالى عباده المؤمنين عن تمكين المشركين من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة، ثم أخبر تعالى: ( )، أي: «وإن خفتم فقرًا لانقطاع غارتهم عنكم، فإن الله سيعوضكم عنها، ويكفيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بحالكم، حكيم في تدبير شؤونكم»150.

      ففي هذه الآية يبين القرآن أنه لا يجوز أبدًا تقديم المصلحة والغرض الاقتصادي على رعاية الفضائل التي يدعو إليها الدين، كما يبين أن اعتبار تلك الأخلاق في الاقتصاد هو أمر واجب، حتى ولو أدى ذلك إلى نقصان أو خسارة فيه، فلا شك أنه في منع حج الألوف وعشرات الألوف من الحجاج خسارة اقتصادية كبيرة على المسلمين. ولكن عليهم أن يتحملوا ذلك في سبيل إيمانهم.

      وقال تعالى: ( ) [الجمعة:٩].

      «ولا شك أن استمرار الناس يبيعون ويشترون في كل وقت فيه كسب خاص لهم، وإنعاش للحركة الاقتصادية على العموم، لكن القرآن يأمر المؤمنين في يوم الجمعة، إذا سمعوا النداء أن يوقفوا دولاب العمل، ويعطلوا كل بيع وشراء ليسعوا إلى ذكر الله، وأداء فرضه الأسبوعي»151.

      فالقرآن لا يجيز لنا في سبيل تنمية اقتصادنا أن ننسى أوامر ربنا وطاعته.

      قال تعالى في وصفه عباده المؤمنين: ( ) [النور:٣٧].

      وقال تعالى حاكيًا عن نبيه سليمان عليه السلام لما أرسلت إليه ملكة سبأ هدية ترشيه بها وتختبره: ( ) [النمل:٣٦].

      ومع أن الهدية المالية فيها قيمة اقتصادية إلا أن سليمان عليه السلام رد هذه الهدية؛ لأنها كانت عوضًا عن سكوته عن الحق والدعوة إلى الإسلام والإيمان، فالهدية إن كانت على حساب العقيدة والقيم الأخلاقية، فهي مرفوضة مردودة. وقال تعالى: ( )[البقرة:١٨٨].

      أي: أن أكل المال يجب أن يكون بالحق والعدل، لا بالباطل والجور، وبهذا النهي الواضح الصريح عن أكل المال بالباطل يوضح القرآن العلاقة بين الاقتصاد والأخلاق ومدى ارتباطهما الوثيق.

      قال السعدي: «أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم؛ لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة»152.

      ويدخل في أكل الحرام للمال: السرقة والغش والغصب والربا ونحو ذلك مما حرمه الشرع الحكيم ونهى عنه.

      كما بين القرآن بعض الأخلاق الفاضلة التي يلتزم بها المسلم في الاقتصاد، كالصدق والعدل، وعدم الكذب والغش والخداع.

      قال تعالى: ( ) [التوبة:١١٩].

      أي: «الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم، وأحوالهم، لا تكون إلا صدقًا»153، وقال تعالى: ( ) [الأعراف:٨٥].

      وقال تعالى: ( ﯘﯙ ) [المطففين:١-٣].

      فتوعد الله تعالى المطفف الذي يبخس الناس حقهم، ونهى عن ذلك.

      قال ابن كثير: «المراد بالتطفيف هاهنا: البخس في المكيال والميزان، إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم؛ ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك وهو الويل، بقوله: ( )، أي: من الناس، () أي: يأخذون حقهم بالوافي والزائد، ( ) أي: ينقصون»154.

      فأمرت هذه الآيات بالعدل وعدم الجور والغش في التعامل الاقتصادي مع الآخرين.

      قال تعالى: ( ) [الأعراف:٢٩].

      ومن أخلاق الاقتصاد التي بينها القرآن الكريم الوفاء بالعهد.

      قال تعالى: ( ) [المائدة:١].

      وقال: ( ) [الإسراء:٣٤].

      فبين تعالى أنه سيسألنا عن عهودنا وهل التزمنا بها أم لا؟.

      كما أشار القرآن الكريم إلى قضية الإتقان في العمل، كما في قوله تعالى لنبيه دواد عليه السلام: ( ) [سبأ:١١].

      فقوله: () بتقدير دقيق، أي: يجب عليك يا داود عند صناعتك للدروع ونسجها أن تقدر ذلك تقديرًا دقيقًا، وفي ذلك دعوة قرآنية لأهل الصنائع والحرف أن يتقنوا أعمالهم وصناعاتهم، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جل وعز يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه)155.

      موضوعات ذات صلة:

      الإسراف، الإنفاق، الربا، الزكاة، المال


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٩٥،٩٦.

2 المفردات، الأصفهاني ص ٦٧٢.

3 انظر: مجمع بحار الأنوار، الفتني ٤/٢٧٧.

4 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٣٨.

5 المعجم الاقتصادي الإسلامي، الشرباصي ص ٣٦.

6 الأصول العامة للاقتصاد الإسلامي، غازي عناية ص ٣٥.

7 الصحاح، الجوهري ٣/١٢٧٣.

8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٨٥.

9 التوقيف، المناوي ص ٢٧٥.

10 مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/١٨٧.

11 مقاليد العلوم، السيوطي ص ٢٠٥.

12 الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٣٠.

13 مقاييس اللغة، ٦/١٠٨.

14 لسان العرب، ابن منظور ٧/٤٢٦.

15 التوقيف ص ٣٣٧.

16 الكليات، الكفوي ص ٩٣٨.

17 إرشاد العقل السليم ٣/٧٤.

18 مقاييس اللغة، ٣/١٥٣.

19 المفردات، ص٤٠٧.

20 التحرير والتنوير، ١١/١١٢.

21 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٤/٥٠.

22 الجامع لأحكام القرآن، ١٠/٢٤٧.

23 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٢٠٧.

24 تاج العروس، ٢٨/ ٦٢، ٦٣.

25 انظر: مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/ ٢٤٥.

26 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٧٨.

27 لسان العرب، ٢/ ٤٩٥.

28 التوقيف، ص ٢٠٢.

29 التعريفات، ص ٤٢.

30 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩.

31 انظر: تفسير الشعراوي، ١٤/٨٨٣٠.

32 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٤٦.

33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٩٩.

34 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١١.

35 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٢٧٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٩١.

36 تفسير المراغي ٢٧/١٨٣.

37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٤٢.

38 مفاتيح الغيب، ٢٩/٤٧١، بتصرف.

39 البسيط، الواحدي ١٢/٥٧٤.

40 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٧/٢٢٧.

41 انظر: تفسير الشعراوي، ١٢/٧٦٧١.

42 انظر: اقتصادنا، محمد باقر الصدر ٢/٧٤٨.

43 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٥١.

44 من توجيهات الإسلام، شلتوت، ص ١٣٦.

45 انظر: البسيط، الواحدي ٢٢/٥٣، الوسيط، سيد طنطاوي ٨/١٨٣،

46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١١.

47 انظر: تفسير الشعراوي، ٢/١١٨٧.

48 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٢٣٨.

49 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٣٣٧، روح المعاني، الألوسي ٧/٩٧.

50 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٢٥٨.

51 انظر: تفسير الشعراوي، ١٢/٧١٩٩.

52 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٣٣.

53 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٨٤.

54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٦٦.

55 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٢/١٢٩٠.

56 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٣٥.

57 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٢٨٧.

58 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٤٣٧.

59 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٦٦.

60 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ٣١٨.

61 أحكام القرآن، الجصاص ٣/٣١٢.

62 تفسير القرآن العظيم، ٤/٣٣١.

63 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في القيامة، رقم ١٣٧٨، ٣/٦٥٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٩٧٦، ٢/١٠٣٦.

64 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٥/١٨.

65 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، رقم ٢٣٢٠، ٣/١٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع، رقم ١٥٥٣، ٣/١١٨٩.

66 الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٨/٦٣٨٧.

67 تفسير المراغي ١/٨٥.

68 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٥/١٠٦١.

69 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٢٣٩.

70 انظر: تفسير الشعراوي، ٢/١١٧٩.

71 انظر: تفسير الشعراوي، ٤/٢٥٥٥.

72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٣٠.

73 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/١١١.

74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٨.

75 انظر: تفسير الشعراوي ١٥/٩٦٠٩.

76 تفسير القرآن العظيم، ١/٧٢٤.

77 تفسير الفاتحة والبقرة، ابن العثيمين ٣/٤١٤.

78 المنار، محمد رشيد رضا ١/٢٠٦.

79 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٤.

80 المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٤٧.

81 تفسير الشعراوي، ٣/١٤٨٧.

82 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٤/٩٥٢.

83 انظر: نظم الدرر، البقاعي٢١/٢٦٤، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٧٩٢.

84 انظر: تفسير الشعراوي، ١١/٦٩٧٦.

85 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٠٨.

86 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٤٣٢.

87 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٨، التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١١/٧٨٥.

88 الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١١/٢٧٤.

89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم ٢٠٧٢، ٣/٥٧.

90 الجامع لأحكام القرآن، ١٤/٢٦٧.

91 انظر: المذاهب الفكرية المعاصرة، غالب عواجي ٢/ ١١٩٣.

92 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٣٠١، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٨١٨.

93 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٤٦، الوسيط، سيد طنطاوي ١٣/٧٧.

94 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١١٤.

95 الملكية الفردية في النظام الاقتصادي الإسلامي، محمد بلتاجي ص ٣٠.

96 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٤١١.

97 انظر: الاقتصاد الإسلامي، محمود الوادي ص ١٠٣.

98 انظر: الخراج، أبو يوسف ص٣٤، الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٧/٥٠١٥.

99 الملكية الفردية في النظام الاقتصادي الإسلامي، محمد بلتاجي ص ٣٠.

100 المستصفى، ص ١٧٤.

101 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢١٤.

102 مفاتيح الغيب، ٩/٤٩٦.

103 انظر: الاقتصاد الإسلامي، محمود الوادي وآخرون ص ٩٧.

104 انظر: الاقتصاد الإسلامي أسس ومبادئ وأهداف، عبدالله الطريقي ص ٣٥.

105 التعريفات الفقهية، البركتي ص ١٦٨.

106 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٤.

107 التفسير الواضح، حجازي ٣/٦٤٦.

108 الجامع لأحكام القرآن ١٨/١٢.

109 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٢.

110 التعريفات الفقهية، البركتي ص ١٥٩.

111 الجامع لأحكام القرآن، ٤/٢٥٦.

112 قال النووي: «والرغاء بالمد: صوت البعير، وكذا المذكورات بعد وصف كل شيء بصوته، والصامت: الذهب والفضة».

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ١٢/٢١٧.

113 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغلول، رقم ١٨٣١، ٣/١٤٦١.

114 مفاتيح الغيب، ٥/٢٥٢.

115 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٦٣.

116 مفاتيح الغيب، ٧/٩٢.

117 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٤.

118 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٨/٥٠٤.

119 انظر: تفسير الشعراوي ١/٤٣١.

120 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٥/٨٠٨.

121 المصدر السابق ٥/٨٠٩.

122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٩١.

123 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٨٢-٨٣.

124 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ٤/ ٢٦٦.

125 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٧.

126 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٧٢٥.

127 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢١٦.

128 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٣٤٠.

129 التعريفات، الجرجاني ص١٠٩.

130 أنيس الفقهاء، القونوي ص٧٧.

131 مغني المحتاج، الشربيني ٢/٣٦٣، التوقيف، المناوي ص١٧٣.

132 انظر: الاقتصاد الإسلامي أسس ومبادئ وأهداف، عبدالله الطريقي ص ٨٧.

133 انظر: تفسير الشعراوي ٦/٣٣٨١.

134 مفاتيح الغيب، ٢٩/٥٠٧.

135 تاريخ ابن خلدون ١/٣٥٧.

136 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، رقم ١٦٠٥، ٣/١٢٢٨.

137 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١١/٤٣.

138 الكليات، الكفوي ص ٥١٠.

139 تيسير الكريم الرحمن، ص ١٦٤.

140 انظر: المصدر السابق.

141 تفسير القرآن العظيم، ٥/٧٠.

142 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٩٩.

143 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٨٧.

144 التحرير والتنوير، ٨/١٢٤.

145 انظر: الاقتصاد الإسلامي أسس ومبادئ وأهداف، عبدالله الطريقي ص ٩٦.

146 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٧٨.

147 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٤.

148 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٥.

149 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٨٩٥٢، ١٤/٥١٣، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٣٤٩.

150 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ١٩١.

151 المصدر السابق ص ٥٩.

152 تيسير الكريم الرحمن، ص ٨٨.

153 المصدر السابق ص ٣٥٥.

154 تفسير القرآن العظيم، ٨/٣٤٦.

155 أخرجه أبو يعلى في مسنده، رقم ٤٣٨٦، ٧/٣٤٩، والطبراني في المعجم الأوسط، رقم ٨٩٧، ١/٢٧٥، والبيهقي في الشعب، رقم ٤٩٣١، ٧/٢٣٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٨٨٠، ١/٣٨٣.