عناصر الموضوع

مفهوم الإسراف

الإسراف في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مجالات الإسراف

المؤمنون والإسراف

المسرفون والتوبة

عاقبة المسرفين

الإسراف

مفهوم الإسراف

أولًا: المعنى اللغوي:

إن المتتبع للمعاجم اللغوية يجد أن مادة (س ر ف) تدور في اللغة على معانٍ متعددة، تقارب السبعة معانٍ مذمومة، منها: تجاوز الحد والقصد، ووضع الشيء في غير موضوعه، والخطأ، والولوع بالشيء والجهل، والغفلة، والقلة، والإفساد.

السرف والإسراف مجاوزة القصد، أسرف في ماله عجل من غير قصد، والسرف: الخطأ، وأخطأ الشيء وضعه في غير حقه، والإسراف الإكثار من الذنوب، ورجل سرف العقل: أي قليله، وقيل: فاسده والمسرف الكافر، وسرف الماء ما ذهب منه في غير سقيٍ ولا نفعٍ، والسرف: الإغفال، وسرف القوم جاوزهم، والسرف الجاهل، وأسرف الرجل إذا جاز الحد، وأسرف إذا أخطأ أو غفل أو جهل1.

وقال ابن فارس: «السين والراء والفاء أصل واحد يدل على تعدي الحد، والإغفال أيضًا للشيء، تقول: في الأمر سرف، أي: مجاوزة القدر»2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الراغب الأصفهاني: «السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان»3.

وعرفه الطاهر ابن عاشور بقوله: «الإسراف: الإفراط والإكثار في شيءٍ غير محمودٍ»4.

وعرفه الجرجاني فقال: «الإسراف هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس»5.

أما الإمام الطبري فقد عرفه بقوله: «أصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الإفراط وربما كان في التقصير»6.

الإسراف في الاستعمال القرآني

وردت مادة (سرف) في القرآن (٢٣) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢

( ) [الزمر:٥٣]

الفعل المضارع

٤

( ﯿ ) [الفرقان:٦٧]

المصدر

٢

( ) [النساء:٦]

اسم الفاعل

١٥

( ) [غافر:٢٨]

وجاء الإسراف في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: تجاوز الحد في سائر الأفعال8، ومنه قوله تعالى: ( ﯿ ) [الفرقان: ٦٧]. يعني: لم يجاوزوا الحد في الإنفاق بالإنفاق في الحرام أو في ما لا ينبغي.

الألفاظ ذات الصلة

التبذير:

التبذير لغة:

بذر: أي أفسد وأنفق في السرف، وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والتبذير: إفساد المال وإنفاقه في السرف9.

التبذير اصطلاحًا:

حكى الإمام القرطبي عن الإمام الشافعي بأن التبذير هو: «إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير».

قال القرطبي تعليقًا على قول الإمام الشافعي: «وهذا قول الجمهور»، وحكى القرطبي أيضًا عن أشهب، عن الإمام مالكٍ: «أن التبذير هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه»10.

الصلة بين الإسراف والتبذير:

أن التبذير أخص من الإسراف؛ لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في المعاصي أو في غير حق، وأما الإسراف فهو أعم من ذلك؛ لأنه مجاوزة الحد، سواء أكان في أمر محمود أو مذموم، ولا يختص بالأموال، فهو في الأموال وغيرها، وقد فرق ابن عابدين بين الإسراف والتبذير من جهة أخرى، فقال: «التبذير يستعمل في المشهور بمعنى الإسراف، والتحقيق أن بينهما فرقًا، وهو أن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي»11.

السفه:

السفه لغة:

أصله الخفة والحركة، فقد ذكر أهل اللغة أن الأصل في السفه هو خفة في البدن ثم استعمل في خفة النفس لنقصان العقل12، ويكون السفه في أمور الدين والدنيا.

السفه اصطلاحًا:

هو عبارة عن التصرف في المال بخلاف مقتضى الشرع والعقل بالتبذير فيه والإسراف- مع قيام خفة العقل، والسفيه: هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير، ولا يمكنه إصلاحه بالتمييز والتصرف فيه بالتدبير13.

الصلة بين الإسراف والسفه:

هناك فرق بينهما، فالإسراف في النفقة سببه هو السفه والخفة الموجودة عند الشخص، فالسفه سبب للإسراف.

التقتير:

التقتير لغة:

قَتَرَ فلان: ضاق عيشه، وضيق على عياله في النفقة14.

التقتير اصطلاحًا:

عرفه المناوي بقوله: هو «تقليل النفقة، ويقابله الإسراف، وهما مذمومان»15.

الصلة بين الإسراف والتقتير:

هما ضدان، ومذمومان.

القصد:

القصد لغة:

استقامة الطريق، والقصد في المعيشة: أن لا يسرف ولا يقتر، وقصد في الأمر لم: يتجاوز فيه الحد، ورضي بالتوسط، يقال: فلانٌ مقتصدٌ في المعيشة وفي النفقة، وقد اقتصد16.

القصد اصطلاحًا:

«استقامة الطريق، ومنه الاقتصاد وهو فيما له طرفان: إفراط وتفريط»17.

الصلة بين الإسراف والقصد:

الإسراف: مجاوزة الحد في الشيء، والقصد: الاعتدال، فهو ترك الإسراف والتقتير جميعًا؛ وذلك أن نقيض الاقتصاد الإسراف، فالقصد فيما له طرفان إفراط وتفريط محمود على الإطلاق18.

مجالات الإسراف

للإسراف مجالات تتناولها المطالب الآتية:

أولًا: الإسراف في الكفر والتكذيب:

لقد كثر في القرآن الكريم إطلاق المسرفين على الكفار في أكثر من موضع، وفي موضع واحد أطلق سبحانه على المسرف بأنه «كذاب»، وفي موضع آخر أطلق عليه اسم «مرتاب».

«وفُسِرَ المسرفون بالكافرين والكافر مسرفٌ؛ لتضييعه السعادة الأبدية بالشهوة الخسيسة المنقضية، كما يضيع المنفق ماله متجاوزًا فيه الحد ما كانوا يعملون من الإعراض عن جناب الله، وعن اتباع الشهوات»19.

وهما قوله تعالى: ( ) [غافر: ٣٤].

أي: مشرك مرتاب في وحدانية الله تعالى يجادل في آيات الله بغير علم متكبر جبار، ونحوه قوله تعالى: ( ) [غافر: ٢٨].

أي: مسرف في عناده، كذاب في ادعائه، وهاتان الآيتان تتحدثان عن فرعون وجبروته وطغيانه 20.

وأما إطلاق الكفر على المسرف فلقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه أصنافًا شتى من المسرفين من الأمم الكافرة؛ ولذلك قال أهل العلم: سمي الكافر مسرفًا؛ لأنه أنفق ماله من الاستعداد الشريف من القوى البدنية والأموال النفيسة في الأمور الخسيسة الزائلة من الأصنام التي هي أحقر من لا شيء، ومن الشهوات الفانية التي لا أصل لها ولا دوام؛ فالأصل أن كل كافر مسرف؛ لأنه تجاوز حدود الله تعالى 21.

ولو تأملنا الآيات التي ذكر فيها وصف الكفر والكذب والارتياب على المسرفين نجدها تتحدث عن أصناف مختلفة من المسرفين من الكفار عمومًا، أو من أقوام معينة.

فالآيات التي وصف فيها الله تعالى فيها أهل الكفر عمومًا بالإسراف كما في قوله تعالى: ( ﭢﭣ ) [طه: ١٢٧].

فهذا إسراف في الكفر والطغيان والتكذيب بآيات الله تعالى ، لقد أسرف من أعرض عن ذكر ربه، وقال سفيان: أسرف هنا بمعنى: أشرك، فالإسراف هنا هو: الاعتقاد الضال وعدم الإيمان بالآيات ومكابرتها وتكذيبها، وأسرف بالانهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات، وإنما سمي الكافر مسرفًا؛ لأنه أتلف نفسه وضيعها في عبادة الأصنام، وأتلف ماله وضيعه في البحائر والسوائب، وما كانوا ينفقون على الأصنام وخدامها22.

وقال سبحانه وتعالى: ( ) [غافر: ٢٨].

وقال: ( ) [غافر: ٣٤].

أي: مشرك شاك في التوحيد وصدق الرسل، واستمرار العناد في مواجهة الرسل، والكفر برسالاتهم.

فمن كان في مثل هذه الحال من الإسراف في الكفر والشرك، فإن الله يضله؛ ويزيده إسرافًا في المعاصي والاستكثار منها، وارتيابًا في دين الله، ووحدانيته ووعده ووعيده 23.

فهذه الآيات تبين أن الكافر والمشرك كلاهما مسرفٌ؛ لتجاوزهما حدود الله تعالى ، وكل من لم يؤمن بالله ويتبع رسله فهو مسرفٌ، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال، وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله، وكذبوا رسوله.

فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير؛ لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه، فجزاؤه أن يعاقبه الله، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: ( ﯭﯮ ) [الصف: ٥].

( ) [الأنعام: ١١٠].

وقال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥٨]24.

وقال تعالى: ( ) [يونس: ١٢].

فالمجاوزون الحد في الكفر والمعصية زين لهم ما كانوا يعملون من الانهماك في الشهوات والإعراض عن العبادات، وإسرافهم لما أن الله تعالى إنما أعطاهم القوى والمشاعر؛ من أجل أن يصرفوها إلى مصارفها ويستعملوها فيما خلقت له من الأعمال الصالحة؛ فلما صرفوها إلى ما لا ينبغي وهي رأس مالهم فقد أتلفوها وأسرفوا إسرافًا ظاهرًا، والتزيين إما من جهة الله سبحانه على طريقه التخلية والخذلان أو من الشيطان بالوسوسة والتسويل، ( ) من الإعراض عن الذكر والدعاء والانهماك في الشهوات25.

أحد النماذج التي ذكرها القرآن في الإسراف في الكفر والتكذيب:

كفار قريش:

وقد نص القرآن على إسرافهم في قوله تعالى: ( ) [الزخرف: ٥].

«أي: لأن كنتم منهمكين في الإسراف مصرين عليه، على معنى إن حالكم وإن اقتضى تخليتكم وشأنكم حتى تموتوا على الكفر والضلالة وتبقوا في العذاب الخالد، لكنا لسعة رحمتنا لا نفعل ذلك، بل نهديكم إلى الحق بإرسال الرسول الأمين وإنزال الكتاب، فالاستفهام في الآية إنكاري، أي: لا يجوز أن نضرب عنكم الذكر صفحًا من جراء إسرافكم، والذكر: التذكير، والمراد به القرآن. والصفح: الإعراض بصفح الوجه وهو جانبه وهو أشد الإعراض عن الكلام؛ لأنه يجمع ترك استماعه وترك النظر إلى المتكلم»، وعن قتادة قال: «والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه». والمقام دال على أنهم أسرفوا في الإعراض عن القرآن، وقرأ نافعٌ وحمزة والكسائي وأبو جعفرٍ وخلفٌ ( ) بكسر همزة إن فتكون«إن شرطيةً»، ولما كان الغالب في استعمال إن الشرطية أن تقع في الشرط الذي ليس متوقعًا وقوعه بخلاف (إذا) التي هي للشرط المتيقن وقوعه، فالإتيان بإن في قوله: ( ) لقصد تنزيل المخاطبين المعلوم إسرافهم منزلة من يشك في إسرافه؛ لأن توفر الأدلة على صدق القرآن من شأنه أن يزيل إسرافهم، وفي هذا ثقةٌ بحقية القرآن وضربٌ من التوبيخ على إمعانهم في الإعراض عنه، وقرأه ابن كثيرٍ وابن عامرٍ وعاصمٌ وأبو عمرٍو ويعقوب بفتح الهمزة على جعل إن مصدريةً وتقدير لام التعليل محذوفًا، أي: لأجل إسرافكم، أي: لا نترك تذكيركم بسبب كونكم مسرفين، بل لا نزال نعيد التذكير رحمةً بكم.

وإقحام () قبل () للدلالة على أن هذا الإسراف صار طبعًا لهم، وبه قوام قوميتهم26.

وتقرير هذه الحقيقة كفيل بأن يشعر القوم الذين جعل القرآن بلسانهم بقيمة الهبة الضخمة التي وهبها الله إياهم، وقيمة النعمة التي أنعم الله ٍعليهم، ويكشف لهم عن مدى الإسراف القبيح في إعراضهم عنها واستخفافهم بها، ومدى استحقاقهم هم للإهمال والإعراض ومن ثم يعرض بهم وبإسرافهم، ويهددهم بالترك والإهمال جزاء هذا الإسراف27.

ثانيًا: الإسراف في الفواحش:

ومن النماذج الذين أسرفوا على أنفسهم بفعل الفاحشة:

قوم لوط عليه السلام:

إن قوم نبي الله لوط عليه السلام «كانوا مصابين بفساد العقل والنفس، وقد وصفهم الله تعالى في كتابه على لسان رسوله لوط عليه السلام، هذا وقد وصفهم الله تعالى بالإسراف بطريق الجملة الاسمية الدالة على الثبات قال تعالى: ( ﯩﯪ ) [الأعراف: ٨٠ - ٨١].

أي: أنتم قومٌ تمكن منهم الإسراف في الشهوات؛ فلذلك اشتهوا شهوةً غريبةً لما سئموا الشهوات المعتادة.

وهذه شنشنة الاسترسال في الشهوات حتى يصبح المرء لا يشفي شهوته شيءٌ، ونحوه قوله عنهم في آيةٍ أخرى: ( ) [الشعراء: ١٦٦].

ووجه تسمية هذا الفعل الشنيع فاحشةً وإسرافًا أنه يشتمل على مفاسد كثيرةٍ: منها استعمال الشهوة الحيوانية المغروزة في غير ما غرزت عليه؛ لأن الله خلق في الإنسان الشهوة الحيوانية لإرادة بقاء النوع بقانون التناسل، حتى يكون الداعي إليه قهري ينساق إليه الإنسان بطبعه، فقضاء تلك الشهوة في غير الغرض الذي وضعها الله لأجله اعتداءٌ على الفطرة وعلى النوع28.

وقال تعالى في وصفهم أيضًا : ( ﯬﯭ ) [النمل: ٥٥].

وفي آية أخرى: ( ) [الشعراء: ١٦٦].

وهذه الألفاظ من معاني الإسراف، ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل والنفس، بجمعهم بين الإسراف، والعدوان والجهل، فلا هم يعقلون ضرر هذه الفاحشة في الجناية على النسل وعلى الصحة وعلى الفضيلة والآداب العامة، ولا غيرها من منكراتهم فيجتنبونها ويجتنبون الإسراف فيها، ولا هم على شيء من الحياء وحسن الخلق يصرفهم عن ذلك29.

ثم كانت نهاية القوم الذين أسرفوا في الكفر والكذب واتباع الشهوات المحرمة المخالفة للفطرة أن قال تعالى فيهم: ( ﭭﭮ ) [النمل: ٥٨].

أي: ثم أهلكنا القوم الذين انغمسوا في المنكرات، وكفروا بالله الذي خلقهم، ولم يؤمنوا برسله، وأنزلنا عليهم العذاب الذي عم جميعهم.

قال تعالى: ( ﭪﭫ ) [الأعراف: ٨٤].

وبين الله تعالى في مواضع أخر أنه مطر حجارةٍ أهلكهم الله بها، كقوله تعالى: ( ) [الحجر: ٧٤].

وأشار إلى أن السجيل الطين بقوله تعالى: ( ) [الذاريات: ٣٣].

وبين أن هذا المطر مطر سوءٍ لا رحمةٍ بقوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٤٠].

فهذه العقوبة من الله تعالى لهؤلاء القوم الذين أسرفوا على أنفسهم بفعل الفاحشة؛ يبين خطورة هذه الفاحشة الشاذة التي قد أسرف فيها قوم لوط عليه السلام.

ثالثًا:الإسراف في الأموال:

١. المسرفون في أموال اليتامى.

فالإسراف في أموال اليتامى من أقبح صور الإسراف؛ لأنها من خيانة الأمانة، التي أذن الله لهم في الأكل والأخذ منها.

قال الله تعالى: ( ) [النساء: ٦].

فالمسرفون في أموال اليتامى هم الذين يأكلون أموال اليتامى متجاوزين الحد الذي أحله الله لهم يقول الله: ( ﯽﯾ ﯿ ) [النساء: ٦].

وظاهر هذه الآية يدل على أنه تقسيمٌ لحال الوصي على اليتيم، فأمره تعالى بالاستعفاف عن ماله إن كان غنيًا، واقتناعه بما رزقه الله تعالى من الغنى، وأباح له الأكل بالمعروف من مال اليتيم إن كان فقيرًا، بحيث يأخذ قوتًا محتاطًا في تقديره.

فقوله تعالى: ( )، أي: مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها، وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. والجملة تأكيدٌ للأمر بالدفع وتقريرٌ لها، وتمهيدٌ لما بعدها من قوله تعالى: ( ) فمن كان من الأولياء والأوصياء غنيًا فليتنزه عن أكلها، وليقنع بما آتاه الله تعالى من الغنى والرزق إشفاقًا على اليتيم، وإبقاءً على ماله، ( ) من الأولياء والأوصياء ( ) بقدر حاجته الضرورية، وأجرة سعيه وخدمته. وقد نص الفقهاء على أن من ولي مال اليتيم واستحق أجرًا، فله الأقل من أحد أمرين: إما نفقته في نفسه، وإما أجرته على عمله، أي: إن كان العمل يستحق أجرة ألف ريالٍ، ونفقته يكفي لها خمسمائةٍ أخذ نفقته فقط، وإن كان العمل يكفيه أجرة مائة ريالٍ، ونفقته خمسمائةٍ أخذ أجرته مائةً فقط؛ حفظًا لماله»30.

فإذا أكل الغني و تجاوز الحد فهو مسرف في فعله هذا، إذا أكل الفقير بغير المعروف فقد تجاوز الحد فهو مسرف أيضًا .

ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإسراف في الأمانات لا يختص بأموال اليتامى، بل من باب أولى أن يدخل فيه القائمون على أموال المسلمين؛ فإنهم بمثابة الأولياء على اليتامى في حفظ الأموال العامة، لكننا نجد اليوم أن أكثرهم مسرفون إلا من رحم الله.

وفي هذا التنبيه يقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: «فإذا جرى لنا نحن المسلمين بعد هذه الوصايا، والحكم حتى صرنا أشد الأمم إسرافًا، وتبذيرًا، وإضاعةً للأموال، وجهلًا بطرق الاقتصاد فيها، وتثميرها، وإقامة مصالح الأمة بها في هذا الزمن الذي لم يسبق له نظيرٌ في أزمنة التاريخ من حيث توقف قيام مصالح الأمم، ومرافقها، وعظمة شأنها على المال، حتى إن الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد، التي ليس في أيديها مالٌ كثيرٌ قد صارت مستذلةً، ومستعبدةً للأمم الغنية بالبراعة في الكسب، والإحسان في الاقتصاد»31.

٢. المسرفون في النفقات.

الإسراف من أهم عوامل الفساد في الأرض، فبه يقع التبديد والتبذير للأموال في غير محلها، وفي غير حقها، وهو يعد من أحد صور عدم شكر نعمة الله تعالى على العباد، وأضف إلى ذلك ما يتسببه الإسراف من قسوة وفساد للقلب؛ فمن أجل ذلك قد نهى القرآن عن الإسراف، وقد ورد النهى في القرآن عن الإسراف عمومًا، وعن الإسراف في النفقة خصوصًا.

ومع أن الله تعالى قد أخرج الله لعباده الطيبات من الرزق وأباح لهم سبحانه أن يتمتعوا بها، وقد أنكر القرآن الكريم على من يحرم الانتفاع بالمباحات زهدًا وترفعًا، فهذا خطأ، فإن الطيبات من الرزق حلال للناس جميعًا في الدنيا، وخالصة خاصة للمؤمنين يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحد من الكفار، فإن الجنة محرمة على الكافرين، ولكن أمرهم سبحانه وتعالى أن يأكلوا منها غير مسرفين، وبين سبحانه وتعالى أنه لا يحب المسرفين.

قال تعالى: ( ﭜﭝ ) [الأعراف: ٣١].

ففي هذه الآيه قد وجه القرآن الكريم إلى قاعدة أساسية في الطب وتناول المباحات النافعة، وهي: الأكل والشرب من غير إسراف ولا تقتير.

قال ابن عباسٍ: «أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلةً»32. فالإسراف مذموم لتجاوزه حدود الحاجة والاعتدال، والتقتير مذموم؛ لأنه بخل وشح، وكفى بالبخل داء، والمطلوب هو الاعتدال في المأكل والمشرب من غير تجاوز الحلال إلى الحرام، ولا الحاجة إلى التخمة، ولا التقصير في الإنفاق لأنه مضرة وبخل.

فعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلةٍ ولا سرفٍ، فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عباده)33.

وعن المقدام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ آدميٌ وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه، فإن كان لابد فثلثٌ طعامٌ، وثلثٌ شرابٌ، وثلثٌ نفسٌ)34.

«فالإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذماتٍ كثيرةً، وينتقل من ملذةٍ إلى ملذةٍ فلا يقف عند حدٍ، وليس أضر على الإنسان والأمة من الإسراف، فإنه ضرر وخطر بل وحرام وبطر، كما أنه ليس من الحكمة والخير تحريم الزينة والطيبات من الرزق التي خلق الله موادها لعباده، وعلمهم كيفية الانتفاع بها، فهي مستحقة مخلوقة لعباد الله من المؤمنين وغيرهم عدلًا من الله وفضلًا ونعمةً»35.

رابعًا: الإسراف في السلوك:

١. نموذج ممن أسرفوا بالعلو والتكبر.

فرعون وملؤه:

فهذا النوع الأول من المسرفين وهو أشد المسرفين قبحًا وتجبرًا؛ حيث قد تجاوز كل الحدود فقد تجبر وادعى الإلهية وأمر الناس بعبادته، واستخف بعقولهم فأطاعوه؛ فأسرف في الكفر والعلو والكبر، وطغى وتجبر وتكبر، وهذا قد صور لنا القرآن إسرافه وتكذيبه، فقال عنه سبحانه وتعالى: (ﭿ ﮌﮍ ) [يونس: ٨٣].

فهذه الآية تصف فرعون بالإسراف، وأنه قاهرٌ وغالبٌ لمن تحته بكثرة القتل والتعذيب لمن يخالفه، فكان بهذا من المجاوزين للحد في الكفر، والتكذيب؛ بسبب ما يفعله من القتل والصلب، وبتنويع العقوبات لمن خالفه. ( ) وإنه لمن المسرفين في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء، وفي قوله سبحانه: ( ) إشارة أخرى إلى إسرافه لنفسه، ومجاوزة الحد بها في الظلم والجبروت، فهو من المجاوزين الحد في الكفر؛ لأنه كان عبدًا ادعى الربوبية36.

ثم ازداد إسرافًا فادعى الربوبية: ( ) [النازعات: ٢٤].

وقال: ( ﭿ ) [القصص: ٣٨].

هذا وقد تعدد وصف القرآن لفرعون، فجاء وصف فرعون وملئه به نصًا قال تعالى: (ﭿ ) [القصص: ٨].

أي: آثمين بكفرهم، قاصدين للذنب، مسرفين فيه، (ﭿ ) .

فهذه الجملة لتعليل ما قبلها، أو للاعتراض لقصد التأكيد؛ فهم عاصون آثمون في كل أفعالهم، وأقوالهم، وهو مأخوذٌ من الخطأ المقابل للصواب، وقرأ أبو جعفر المدني: (خاطين) بياءٍ من دون همزةٍ، فيحتمل أن يكون معنى هذه القراءة معنى قراءة الجمهور، ولكنها خففت بحذف الهمزة، ويحتمل أن تكون من خطا يخطو، أي: تجاوز الصواب، وأما جمهور المفسرين فقالوا: معناه: كانوا خاطئين فيما كانوا عليه من الكفر والظلم، فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم37.

«وازداد فرعون إسرافًا وكفرًا وتكذيبًا وطغيانًا وفسادًا في الأرض، فاستكبر هو وقومه عن الإيمان بالله وتصديق رسله، بل علا في الأرض.

قال تعالى: ( ﯝﯞ ) [القصص: ٤].

ويذكر لنا الله تبارك وتعالى عن فرعون وهو يصف نفسه، وتباهيه بما له من ملك ومن سلطان، وتساؤله في فخر وخيلاء فيقول: ( ﭿ ﮂﮃ ) [الزخرف: ٥١].

ومقصود فرعون بذلك كله تعظيم أمر نفسه وتحقير أمر موسى، وأنه لا يمكن أن يتبع الفاضل المفضول. وكانت هذه الحال التي وصل إليها فرعون وتجهرم بذلك وأظهرها لقومه سببًا في هلاك قومه، واستخفافه بعقولهم، ثم يبين سبحانه وتعالى كيف استجابت لفرعون الجماهير المستخفة المخدوعة على الرغم من الخوارق التي عرضها عليهم موسى عليه السلام وعلى الرغم مما أصابهم من ابتلاءات، واستغاثتهم بموسى ليدعو ربه فيكشف عنهم البلاء: ( ﮡﮢ ) [الزخرف: ٥٤].

وحق لموسى بعد هذا كله أن يسميهم قومًا مجرمين، وأن يدعوا عليهم بالهلاك؛ ليريح الأرض من شرهم: ( ) [الدخان: ٢٢].

أي: فكفروا فدعا ربه بأن هؤلاء( ) أي: مشركون، قد امتنعوا من إطلاق بني إسرائيل ومن الإيمان، قد أجرموا جرمًا يوجب تعجيل العقوبة؛ فاستجاب الله له فأهلكهم بالغرق: ( ) [المؤمنون: ٢٧]38.

٢. نموذج ممن أسرفوا بالفساد في الأرض.

بنو إسرائيل وإسرافهم بالفساد في الأرض:

ومع الصنف الذين أسرفوا بعمل جميع المفاسد كلها من أصناف المسرفين الذين ذكرهم الله تعالى وهم «بنو إسرائيل»، وقد ذكر الله تعالى هذا الصنف من المسرفين في قوله تعالى: ( ﭫﭬ ) [المائدة: ٣٢].

فنصت الآية في أولها على ذكر بني إسرائيل، وفي آخرها جاء الضمير عائدًا عليهم أيضًا، فالإسراف والفساد فيهم مع ما جاءتهم الرسل بالبينات من الله، ويدل على ذلك وجود () في الآية، وهي تدل على التراخي في الرتبة؛ ولأن مجيء الرسل بالبينات شأنٌ عجيبٌ، والإسراف في الأرض بعد تلك البينات أعجب.

وكان مقتضى مجيء رسل الله بالحجج الواضحة أن لا يقع منهم إسرافٌ وهو المجاوزة في الحد، فخالفوا هذا المقتضى، ( ).

فهم حيثما حلوا أسرفوا، وظاهر الإسراف في هذه الآية أنه لا يتقيد.

وقيل: () أي: قاتلون بغير حقٍ؛ كقوله: ( ) [الإسراء: ٣٣].

وقيل: هو طلبهم الكفاءة في الحسب حتى يقتل بواحدٍ عدةٌ من قتلتهم39، فهم مسرفون بسفك الدماء وكثرة المعاصي.

ولعل الأقرب والراجح وهو اختيار ابن عاشور حيث قال: «.. والمراد مسرفون في المفاسد كلها التي منها قتل الأنفس بقرينة قوله: ( )؛ ويؤيد ذلك أنه كثيرًا ما استعمل القرآن ذكر الأرض مع ذكر الإفساد، كما في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١١ - ١٢].

وقوله: ( ﯗﯘ ) [البقرة: ٢٧].

وقد ذكر الله تعالى ( ) من أجل تصوير هذا الإسراف عند السامع وتفظيعه، كما في قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٥٦].

وتقديم ( ) للاهتمام، وهو يفيد زيادة تفظيع الإسراف فيها مع أهمية شأنها»40.

٣. نموذج ممن أسرفوا وتشاءموا برسلهم.

أصحاب القرية المذكورون في سورة يس:

فقال تعالى: ( ﮐﮑ ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٨-١٩].

وقرأ الجمهور: () بتشديد الكاف، وأبو جعفرٍ، وخالد بن إلياس، وطلحة، والحسن، وقتادة، وأبو حيوة، والأعمش من طريق زائدة، والأصمعي عن نافعٍ: بتخفيفها41.

فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه أرسل إلى أهل هذه القرية أولًا رسولين فكذبوهما.

قال تعالى: ( ) [يس: ١٣-١٤].

وقرأ شعبة بالتخفيف، من: عزه: غلبه، أي: فغلبنا وقهرنا بثالثٍ، وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه؛ ولأن المقصود ذكر المعزز به.

( ) أي: قويناهما وشددنا قاله مجاهدٌ، وابن قتيبة، برسول ثالث على قراءة الجمهور؛ وذلك لكي يدعوهم إلى عبادة الله وحده فصاروا ثلاثة رسل، اعتناء من الله بهم، وإقامة للحجة بتوالي الرسل إليهم42.

فكان موقف أصحاب القرية أن قالوا لرسلهم: ( ) [يس: ١٨].

فكذبوهم وتطيروا وتشاءموا منهم، «فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية، والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم. إنما هو معهم. مرتبط بنواياهم وأعمالهم... هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح. أما التشاؤم بالوجوه، أو التشاؤم بالأمكنة، أو التشاؤم بالكلمات، فهو خرافة لا تستقيم على أصل مفهوم»43.

فالسبب الحقيقي لتشاؤمكم هو تكذيبكم وكفركم، لا نحن، أمن أجل تذكيركم وأمرنا إياكم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، ادعيتم أن فينا الشؤم عليكم، وتوعدتمونا وهددتمونا؟ بل الحق أنكم قوم جاوزتم الحد في مخالفة الحق، وأسرفتم في الضلال، وتماديتم في الغي والعناد.

قالوا: ( ﮓﮔ ﮖﮗ ).

فمن الملاحظ أن قول أصحاب القرية لرسلهم: ( ) هو: بطريقة الاستفهام الإنكاري الداخل على إن الشرطية، فهو استفهامٌ على محذوفٍ دل عليه الكلام السابق، والتقدير: أتتشاءمون بالتذكير إن ذكرتم، لما يدل عليه قول أهل القرية: ( ) [يس: ١٨].

أي: بكلامكم.

وأبطلوا أن يكون الشؤم من تذكيرهم بقولهم: ( )، أي: لا طيرة فيما زعمتم، ولكنكم قومٌ كافرون، غشيت عقولكم الأوهام فظننتم ما فيه نفعكم ضرًا لكم، ونطتم الأشياء بغير أسبابها من إغراقكم في الجهالة والكفر وفساد الاعتقاد، ومن إسرافكم اعتقادكم بالشؤم والبخت.

وقوله: ( ) استفهامٌ تقريريٌ، أي: ألأجل أن ذكرنا أسماءكم حين دعوناكم حل الشؤم بينكم، كناية عن كونهم أهلًا لأن تكون أسماؤهم شؤمًا.

وفي ذكر كلمة () إيذانٌ بأن الإسراف متمكنٌ منهم، وبه قوام قوميتهم، فذكر لفظ ( )؛ لأن إجراء الوصف على لفظ قومٍ يومئ إلى أن ذلك الوصف سجيةٌ فيهم، ومن مكملات قوميتهم، فإن للقبائل والأمم خصائص تميزها وتشتهر بها، كما قال تعالى: ( ) [التوبة: ٥٦].

وقد تكرر هذا في مواضع كثيرةٍ من القرآن كما في قوله: ( ) [البقرة: ١٦٤]44.

وهذا الموقف مشابه لموقف قوم فرعون: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ) [الأعراف: ١٣١].

ومماثل لموقف قوم صالح: قالوا: ( ﭱﭲ ) [النمل: ٤٧].

هكذا الحال إذا فسدت الفطرة، وارتكست الأفهام يصبح التطير عند الفساق والمجرمين من رسل الله الذين اختارهم الله لحمل رسالته وتبليغها، وهم الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه: ( ) [الأنعام: ١٢٤].

وقوله: ( ﭿ ) [الحج: ٧٥].

خامسًا: الإسراف في القتل:

حذر الله تعالى من الإسراف في القتل فقال: ( ﮧﮨ ) [الإسراء: ٣٣].

ومعلومةٌ حالة العرب في الجاهلية من التسرع إلى قتل النفوس، فكان حفظ النفوس من أعظم القواعد الكلية للشريعة الإسلامية. ولذلك كان النهي عن قتل النفس من أهم الوصايا التي أوصى بها الإسلام أتباعه في هذه الآيات الجامعة.

قال: ( )، أي: قد جعل لولي المقتول تصرفًا في القاتل بالقود أو الدية، فنهى الله المسلمين عن أن يكونوا مثالًا سيئًا يقابلوا الظلم بالظلم كعادة الجاهلية، بل عليهم أن يتبعوا سبيل الإنصاف فيقبلوا القود، ولذلك قال: ( ﮧﮨ).

والسرف: الزيادة على ما يقتضيه الحق، وليس خاصًا بالمال، بل هو كما مر مجاوزة كل أمر سواء أكان محمودًا أو مذمومًا.

والسرف في القتل هو أن يقتل غير القاتل، أما مع القاتل وهو واضحٌ كما قال المهلهل في الأخذ بثأر أخيه كليبٍ45:

كل قتيلٍ في كليبٍ غرةٌ

حتى يعم القتل آل مرة

وأما قتل غير القاتل عند العجز عن قتل القاتل فقد كانوا يقتنعون عن العجز عن القاتل بقتل رجلٍ من قبيلة القاتل. وكانوا يتكايلون الدماء، أي: يجعلون كليها متفاوتًا بحسب شرف القتيل، كما قالت كبشة بنت معديكرب46:

فيقتل جبرًا بامرىء لم يكن له

بواءً ولكن لا تكايل بالد

البواء: الكفء في الدم.

تريد فيقتل القاتل وهو المسمى جبرًا، وإن لم يكن كفؤًا لعبد الله أخيها، ولكن الإسلام أبطل التكايل بالدم47.

هذا وقد اختلف المفسرون في تفسير «الإسراف» في قوله تعالى: ( ﮧﮨ) على ثلاثة أقوالٍ:

الأول: لا يقتل غير قاتله.

قاله الحسن والضحاك ومجاهد وسعيد بن جبيرٍ.

الثاني: لا يقتل بدل وليه اثنين كما كانت العرب تفعله.

الثالث: لا يمثل بالقاتل.

قاله طلق بن حبيبٍ.

ولعل الراجح أن جميع المعاني مرادة كما قال القرطبي: «وكله مرادٌ؛ لأنه إسرافٌ منهيٌ عنه».

ويؤيد ذلك أن الخطاب في قوله: ( ) هو للولي، والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل، أو يقتله بغير ما قتل به، أو يقتل غير القاتل؛ فتكون جميع المعاني مرادة48.

وبناء على ذلك يكون النهي عن الإسراف في القتل هنا شاملًا لثلاث صورٍ:

الأولى: أن يقتل اثنين أو أكثر بواحدٍ، كما كانت العرب تفعله في الجاهلية.

الثانية: أن يقتل بالقتيل واحدًا فقط ولكنه غير القاتل؛ لأن قتل البريء بذنب غيره إسرافٌ في القتل، منهيٌ عنه في الآية أيضًا .

الثالثة: أن يقتل نفس القاتل ويمثل به، فإن زيادة المثلة إسرافٌ في القتل أيضًا49.

وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي، فلا يقتص إلا بإذنه، وإن عفا سقط القصاص.

وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله.

فائدة: قرأ الجمهور () بالياء، فيكون المراد بذلك الخطاب هو الولي، وقرأ ابن عامرٍ وحمزة والكسائي«تسرف» بالتاء من فوقٍ، وهي قراءة حذيفة. وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهدٍ قال: «هو للقاتل الأول، والمعنى عندنا: فلا تسرف أيها القاتل». وقال الطبري: «هو على معنى الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده. أي: لا تقتلوا غير القاتل. وفي حرف أبيٍ: فلا تسرفوا في القتل»50.

وقتل النفس البريئة يعد من أكبر الكبائر، بل هي بعد الشرك بالله في الجرم والإثم، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من أمر الدماء: (لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه، ما لم يصب دمًا حرامًا)51.

المعنى أنه في أي ذنب وقع من العبد كان له في الدين والشرع مخرج إلا القتل، فإن أمره صعب، ويوضح هذا ما في تمام الحديث عن ابن عمر أنه قال: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله»52.

فقتل النفس البريئة حرام، لا تقتل إلا بالحق، وهذا الحق هو الذي حدده الشرع وليس لأحد من البشر، وليس هذا الحق متروكًا للرأي والهوى، فعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)53.

سادسًا: الإسراف في المعاصي والذنوب:

«فالإسراف يطلق على الإفراط في الذنوب والمعاصي والكبائر، ومنه قوله تعالى: ( ) [الزمر:٥٣].

والإسراف أيضًا الإكثار من الذنوب والخطايا واحتقار الأوزار والآثام»54، أي: «() يا محمد: ( ) أي: أفرطوا في الجناية عليها، بالإسراف في المعاصي، والغلو فيها، ( ): لا تيأسوا من مغفرته أولًا، وتفضله بالرحمة ثانيًا، ( )، بالعفو عنها، لمن تاب ولجأ إلى جنابه وإن كثرت، وكانت كزبد البحر إلا الشرك»55.

ومن إطلاق الإسراف على الذنوب قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٤٧].

قال ابن عباس: «إسرافنا: خطايانا»، وعن الضحاك: «الخطايا: الكبائر»، وعن مجاهد: «خطايانا وظلمنا أنفسنا»56.

قال الشوكاني: «والظاهر: أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبًا من صغيرةٍ أو كبيرةٍ. والإسراف: ما فيه مجاوزةٌ للحد، فهو من عطف الخاص على العام.

قالوا ذلك مع كونهم ربانيين: هضمًا لأنفسهم ( ) في مواطن القتال، فآتاهم الله بسبب ذلك ثواب الدنيا من النصر والغنيمة والعزة ونحوها، وحسن ثواب الآخرة من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: ثواب الآخرة الحسن»57.

ويؤيد ذلك ما رواه أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو بهذا الدعاء (رب اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي، وعمدي، وجهلي، وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شىءٍ قديرٌ)58.

قال ابن حجر: «وقوله: (إسرافي في أمري) الإسراف: مجاوزة الحد في كل شيء»59.

المؤمنون والإسراف

أثنى الله تعالى في كتابه على المؤمنين بتوسطهم في الإنفاق، وسوف نتناول ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: التوسط في الإنفاق:

ذكر لنا سبحانه وتعالى صفات المؤمنين الذين هم عباد الرحمن، وجعل من صفاتهم الحميدة التي يتصفون بها هي: عدم الإسراف في الإنفاق، وعدم الإقتار فيه.

قال تعالى: ( ﯿ ) [الفرقان: ٦٧].

وفي قراءة نافعٍ وابن عامرٍ: (ولم يُقْتِرُوا) بضم الياء المثناة التحتية وكسر التاء، مضارع أقتر الرباعي، وقرأه ابن كثيرٍ وأبو عمرٍو: (ولم يَقْتِرُوا) بفتح المثناة التحتية، وكسر المثناة الفوقية، مضارع قتر الثلاثي كضرب، وقرأه عاصمٌ وحمزة، والكسائي: ( ) بفتح المثناة التحتية، وضم المثناة الفوقية، مضارع قتر الثلاثي كنصر، والإقتار على قراءة نافعٍ وابن عامرٍ، والقتر على قراءة الباقين معناهما واحدٌ، وهو التضييق المخل بسد الخلة اللازم60.

هذا وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية. فقال النحاس: «ومن أحسن ما قيل في معناه: أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله تعالى فهو القوام»، وقال ابن عباسٍ: «من أنفق مائة ألفٍ في حقٍ فليس بسرفٍ، ومن أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرفٌ، ومن منع من حقٍ عليه فقد قتر». وقاله مجاهدٌ وابن زيدٍ وغيرهما. وقال عون بن عبد الله: «الإسراف أن تنفق مال غيرك»61.

ولكن هذه التأويلات ونحوها غير مرتبطٍ بالآية؛ وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والتقتير فيه نظر؛ ولأن الإسراف هو مجاوزة كل أمر سواء أكان محمودًا أو مذمومًا؛ ولأن النفقة في معصية أمرٍ قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، ولكن أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة أن الله يمدح عباده الصالحين بتوسطهم في الإنفاق، فلا يجاوزن الحد بالإسراف في الإنفاق ولا يقترون، أي: ولا يضيقون فيخلون بإنفاق القدر اللازم، والإسراف وضده الإقتار مذمومان، والاستواء هو التوسط؛ ولذلك قيل: دين الله بين القصور والغلو.

قال ابن عطية: «والوجه أن يقال: إن النفقة في معصية أمرٍ قد حظرت الشريعة قليله وكثيره وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقًا آخر أو عيالًا ونحو هذا، وألا يضيق أيضًا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي: العدل، والقوام في كل واحدٍ بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب»62.

قال ابن كثيرٍ رحمه الله: «( ) الآية، أي: ليسوا مبذرين في إنفاقهم، فيصرفوا فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصروا في حقهم فلا يكفوهم بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا»63.

وكأن المعنى: من أراد أن يكون في وصف هؤلاء المؤمنين الموصوفين بعبوديتهم للرحمن فعليه أن لا يسرف في الإنفاق ولا يقتر، بل عليه بالقوام وهو الوسط بين الإسراف والإقتار.

ويؤيد صحة هذا التفسير قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٢٩].

فنهاه عن البخل بقوله: ( ) ونهاه عن الإسراف بقوله: ( )، فيتعين الوسط بين الأمرين، كما بينه سبحانه وتعالى بقوله: ( ﯿ ) [الفرقان: ٦٧].

فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير، وبين البخل والاقتصاد. فالجود غير التبذير، والاقتصاد غير البخل. فالمنع في محل الإعطاء مذمومٌ. وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ( )، والإعطاء في محل المنع مذمومٌ أيضًا وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ). كما قال الأديب أبو بكر الخوارزمي في الوزير الصاحب بن عباد64:

لا تمدحن ابن عبادٍ وإن هطلت

يداه كالمزن حتى تخجل الديما

فإنها فلتاتٌ من وساوسه

يعطي ويمنع لا بخلًا ولا كرم

وقد بين تعالى في مواضع أخر: أن الإنفاق المحمود لا يكون كذلك، إلا إذا كان مصرفه الذي صرف فيه مما يرضي الله. كقوله تعالى: ( ﯿ) [البقرة: ٢١٥].

وصرح بأن الإنفاق فيما لا يرضي الله حسرةٌ على صاحبه في قوله: ( ) [الأنفال: ٣٦]65.

فالتوازن هو القاعدة الكبرى في المنهج الإسلامي، والغلو كالتفريط يخل بالتوازن، وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات ويتجه إليها في التربية والتشريع، يقيم بناءه كله على التوازن والاعتدال، والإسراف والتقتير يحدثان اختلالًا في المحيط الاجتماعي، والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال يحدث أزمات ومثله إطلاقها بغير حساب، ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق، والإسراف مفسدة للنفس، والمال والمجتمع، والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به، وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية؛ من أجل تحقيق خدمات اجتماعية66.

ثانيًا: الدعاء بطلب المغفرة لما بدر منهم:

فالمؤمن يعيش دائمًا بين الخوف والرجاء، يخشى عذاب الله تعالى ويرجو رحمته، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، لايستطيع أن يطير في الهواء بدونهما، وكذلك المؤمن لايستطيع العيش إلا بهما.

وقد ضرب الله لنا مثلًا لحال أوليائه المؤمنين الذين يطلبون من الله تعالى أن يغفر لهم إسرافهم من أمرهم وزلاتهم.

فيقص القرآن علينا خبر قوم من الربانيين المجاهدين الصابرين يلجأون إلى الله، ويدعونه أن يغفر لهم ذنوبهم، وإسرافهم في أمرهم.

قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯿﰀ ) [آل عمران: ١٤٦-١٤٨].

طلبهم التثبيت بتقديم الاستغفار حريًا بالإجابة، وذنوبنا وإسرافنا متقاربان من حيث المعنى، فجاء ذلك على سبيل التأكيد. وقيل: الذنوب ما دون الكبائر، والإسراف الكبائر. وقال أبو عبيدة: «الذنوب هي الخطايا، وإسرافنا أي: تفريطنا». وقال الضحاك: «الذنوب عامٌ، والإسراف في الأمر الكبائر خاصةً»67.

وقال ابن عاشور: «ويجوز عندي أن يكون المراد بالإسراف في الأمر التقصير في شأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال، والاستعداد له، أو الحذر من العدو، وهذا الظاهر من كلمة أمرٍ، بأن يكونوا شكوا أن يكون ما أصابهم من هزيمتهم في الحرب مع عدوهم ناشئًا عن سببين: باطنٍ وظاهرٍ، فالباطن هو غضب الله عليهم من جهة الذنوب، والظاهر هو تقصيرهم في الاستعداد والحذر، وهذا أولى من الوجه الأول»68.

فالذنوب والإسراف في الأمور من أسباب البلاء والخذلان، وأن الطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح؛ ولذلك سألوا الله أن يمحو من نفوسهم أثر كل ذنبٍ وإسرافٍ، وأن يوفقهم إلى دوام الثبات69.

«فهذا هو حال أهل الإيمان يضيفون الذنب لأنفسهم هضمًا لها؛ خشية أن يصيبهم العجب بحالهم؛ فهم قالوا ذلك القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين، هضمًا لها واستقصارًا. والدعاء بالاستغفار منها مقدمًا على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو؛ ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاء وطهارة وخضوع، وأقرب إلى الاستجابة فآتاهم الله ثواب الدنيا من النصرة والغنيمة والعز، وطيب الذكر»70.

ثالثًا: عدم طاعة المسرفين:

يذكر لنا الله تعالى في كتابه موقفًا آخر لمواقف المؤمنين من أهل الإسراف، وهو التحذير من أهل الإسراف وعدم طاعتهم فيما يأمرون به، وكان ذلك الموقف من نبي الله صالح عليه السلام لقومه في تحذيره لقومه أن لايطيعوا أمر المسرفين.

فقد جاء في معرض حديث القرآن عن قوم صالح في قوله تعالى: ( ) [الشعراء: ١٥١-١٥٢].

أي: ولا تطيعوا أمر المسرفين الكافرين المجاوزين الحد في الكفر والطغيان، ولا تنقادوا لأمرهم، ولا تتبعوا رأيهم، وهم الذين يفسدون في الأرض بالإسراف فى الكفر والمعاصي، ولا يصلحون بالإيمان والطاعة. فهولاء القوم فسادهم خالص، لا يشوبه شيء من الصلاح، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح. فالدعوة إلى الكفر والشرك ومخالفة الحق من أعظم الفساد في الأرض، وفسادهم هذا فسادٌ مصمتٌ ليس معه شيء من الإصلاح، وجعل عملهم كله الإفساد في الأرض71.

والمراد بالمسرفين أئمة القوم وكبراؤهم الذين يغرونهم بعبادة الأصنام ويبقونهم في الضلالة استغلالًا لجهلهم وليسخروهم لفائدتهم. والإسراف: الإفراط في شيءٍ، والمراد به هنا: الإسراف المذموم كله في المال وفي الكفر، ووصفهم بأنهم يفسدون في الأرض، فالإسراف منوطٌ بالفساد. وعطف ( ) على جملة: ( ) تأكيدٌ لوقوع الشيء بنفي ضده، مثل قوله تعالى: ( ) [طه: ٧٩].

ولأن نفي الإصلاح عنهم يؤكد إثبات الإفساد لهم، فيتقرر ذلك في الذهن، ويتأكد معنى إفسادهم بنفي ضده72.

فهذا هو حال الأنبياء وأهل الإيمان يحذرون قومهم من طاعة أهل الإسراف والكفر والمعاصي، الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها إفسادًا لا إصلاح فيه، وهذا أضر ما يكون؛ لأنه شر محض، وكأن أناسًا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم موضعون في الدعوة لسبيل الغي فنهاهم صالح عليه السلام عن الاغترار بهم، وطاعة أمرهم73.

المسرفون والتوبة

الأصل في الإنسان عدم العصمة، ولا تكون العصمة إلا لمن عصمه الله من جنس الذنوب، وليس جميع الذنوب؛ ولذلك قد يخطئ الإنسان ويقع في أخطاء تتطلب اللجأ إلى الله لطلب التوبة والمغفرة، روى مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم)74.

وقد نادى الله تعالى في كتابه هذا الصنف من الناس بقوله تعالى: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ) [الزمر: ٥٣].

وكان سبب نزول هذه الآية ما جاء عن سعيد جبير، عن ابن عباس: «أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزلت: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ) [الزمر: ٥٣]»75.

فسبب نزول هذه الآية يوضح لنا سعة رحمة الله تعالى وعظيم هذا النداء من الله تعالى لكل من أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي وغيرهما؛ فنزلت في أناس من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا.

ففي هذه الآية نداءٌ من الله لكل مسرفٍ أن يرجع عن غيه ومعصيته، ويتوب إلى الله وينيب إليه قبل أن يصيبه الله بالعذاب، ويا له من نداءٍ عظيم لو سمعه العصاة المصرون على معاصيهم، ورجعوا إلى الله، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية»76.

( ﮮﮯ ﯕﯖ )، أي: قل أيها الرسول: يا عباد الله الذين أفرطوا في المعاصي واستكثروا منها، لا تيأسوا من مغفرة الله تعالى، فإن الله يغفر كل ذنب إلا الشرك الذي لم يتب منه صاحبه، لقوله تعالى: ( ) [النساء: ٤٨].

إن الله كثير المغفرة والرحمة، فلا يعاقب بعد التوبة. وقال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة دعوةٌ لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبارٌ بأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه الآية على غير توبةٍ؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه»77.

وقال الشوكاني: «واعلم أن هذه الآية أرجى آيةٍ في كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارةٍ، فإنه أولًا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم، ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى، وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقي بعده شكٌ ولا يتخالج القلب عند سماعه ظنٌ، فقال: إن الله يغفر الذنوب فالألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده»78.

وقوله: ( )، القنوط هو: اليأس، كما في قوله تعالى: ( ) [الحجر: ٥٥].

وجملة ( ﯕﯖ) هي تعلليل للنهي عن اليأس من رحمة الله79.

«وقرأ الجمهور ( ) بفتح ياء المتكلم، وقرأه أبو عمرٍو وحمزة والكسائي ويعقوب بإسكان الياء»80. ولعل وجه ثبوت الياء في هذه الآية دون نظيرها وهو قوله تعالى: ( ) [الزمر: ١٠].

«فالخطاب هنا للذين أسرفوا، وفي مقدمتهم المشركون، وكلهم مظنة تطرق اليأس من رحمة الله إلى نفوسهم، فكان إثبات (يا) المتكلم في خطابهم زيادة تصريحٍ بعلامة التكلم تقويةً لنسبة عبوديتهم إلى الله تعالى إيماءً إلى أن شأن الرب الرحمة بعباده، والإسراف: الإكثار. والمراد به هنا: الإسراف في الذنوب والمعاصي»81.

عاقبة المسرفين

للمسرفين عاقبة وخيمة في الدنيا والآخرة نتناولها فيا يلي:

أولًا: عاقبة المسرفين في الدنيا:

فلقد ذكر الله تعالى لنا في القرآن الكريم عن أنواع العذاب الذي يلحق أهل الإسراف، وهذا العذاب في الدنيا والآخرة.

١. حرمان الهداية للحق والصواب.

«إن إضلال أهل الإسراف وحرمانهم الهداية للحق والصواب، من أحد العقوبات التي يعاقب الله تعالى بها أهل الإسراف، وفي هذا النوع من العقاب يخبرنا الله سبحانه وتعالى فيقول: ( ) [غافر: ٢٨].

أي: إن الله لا يوفق للحق من هو متعدٍ إلى فعل ما ليس له فعله، كذابٌ عليه يكذب، ويقول عليه الباطل وغير الحق. () بنسبته ما أسرف فيه إلى الله، فهذا لا يهديه الله إلى طريق الصواب، لا في مدلوله ولا في دليله، ولا يوفق للصراط المستقيم، أي: وقد رأيتم ما دعا موسى إليه من الحق، وما هداه الله إلى بيانه من البراهين العقلية والخوارق السماوية، فالذي اهتدى هذا الهدى لا يمكن أن يكون مسرفًا ولا كاذبًا»82.

«وقد اختلف المفسرون في معنى الإسراف الذي ذكره الله تعالى في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به الشرك، وأراد: إن الله لا يهدي من هو مشركٌ به مفترٍ عليه. فعن قتادة: ( ): مشرك أسرف على نفسه بالشرك. وقال السدي: ( ) قال: المسرف: هو صاحب الدم، ويقال: هم المشركون. والصواب من القول في ذلك، وهو اختيار ابن جرير الطبري أن يقال: إن الله أخبر عن هذا النوع من الإسراف أنه عم جميع أهل الإسراف بقوله: ( ) فالشرك من الإسراف، وسفك الدم بغير حق من الإسراف، وقد اجتمعا في فرعون الأمران كلاهما، فالحق أن يعم»83.

فهذه هي سنة الله تعالى قد اقتضت أنه سبحانه لا يهدي إلى الحق والصواب من كان مسرفًا في أموره، متجاوزًا الحدود التي شرعها الله تعالى، ومن كان مسرفًا أو كذابًا لايهديه الله تعالى للحق والصواب.

٢. تزيين الباطل.

قال الله تعالى: ( ) [يونس: ١٢].

أي: زين للمسرفين ما كانوا يعملون من الانهماك في الشهوات والإعراض عن العبادات، فهم قد نسوا حال خلقهم وتكوينهم والإيمان بربهم، وزين لهم الغرور والإسراف فيه ما كانوا يعملونه من شرور وآثام وظلم للعباد وطغيان في أنفسهم، وإسرافهم في الشر يجترعونه اجتراعًا، وعبر الله عنهم بالمسرفين لأنهم أسرفوا على أنفسهم فاعتقدوا الباطل، واعتقدوا أن الحياة الدنيا هي الوجود كله، وأسرفوا على الناس فطغوا، وبغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وهكذا التزيين الشيطاني زين لهم ما كانوا يعملون من أعمالهم في ماضي أزمانهم في الدعاء وغيره من ضلالاتهم84.

قال الشوكاني: «والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم، أو من طريق الشيطان بالوسوسة، أو من طريق النفس الأمارة بالسوء. والمعنى: أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء، والغفلة عن الشكر، والاشتغال بالشهوات»85.

٣. الهلاك.

هذا وقد حكم الله على أهل الإسراف بالهلاك.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٩].

«والمراد بالمسرفين: المجاوزون للحد المفرطون في التكذيب والكفر والمعاصي، وبالإصرار والاستمرار على إسرافهم؛ حتى حل بهم العذاب، ولذلك يكثر في القرآن إطلاق المسرفين على الكفار والمشركين»86.

«فإن الله تعالى أرسل رسله من البشر وصدقهم وعده فنصرهم على المكذبين، وأنجاهم ومن آمن معهم، وأهلك الذين أسرفوا على أنفسهم بتكذيب رسل الله»87؛ ولهذا جاء بعد هذه الآية خبر إهلاك الكفار المسرفين في كفرهم وعصيانهم، فقال تعالى: ( ) [الأنبياء: ١١].

فبين جل وعلا أنه أرسل الرسل إلى الأمم فكذبوهم، وأنه وعد الرسل بأن لهم النصر، وأهلك المسرفين وهم الكفار المكذبون للرسل.

«فهذه هي سنة الله تعالى في إهلاك أهل الإسراف الذين كانوا يسرفون عليهم، ويتجاوزون الحد معهم، فهذه السنة يخوف الله بها المشركين الذين كانوا يواجهون الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسراف عليه، وتكذيبه، وإيذائه والمؤمنين معه»88.

هذا وقد بين الله تعالى في كتابه في موضع آخر الطريقة التي قد أهلك الله تعالى بها المسرفين، وكان ذلك الموضع مختصًا بالمسرفين من قوم لوط عليه السلام ، فقال تعالى: ( ) [الذاريات: ٣٢-٣٤].

والحجارة: اسم جمعٍ للحجر، ومعنى كون الحجارة من طينٍ: أن أصلها طينٌ، وهي في غاية الشدة والقوة. والمسومة: التي عليها السومة، أي: العلامة، كما قال ابن عباس في قوله: () قال: «المسومة: الحجارة المختومة، يكون الحجر أبيض فيه نقطةٌ سوداء، أو يكون الحجر أسود فيه نقطةٌ بيضاء»89. أي: عليها علاماتٌ من ألوانٍ تدل على أنها ليست من الحجارة المتعارفة. والدليل على قوتها وشدتها: أن الله ما عذبهم بها في حالة غضبه عليهم إلا لأن النكال بها بالغٌ شديدٌ 90.

فهذه هي نهاية الذين أسرفوا على أنفسهم بفعل الفاحشة؛ فأهلكهم الله تعالى واستأصلهم في الدنيا؛ من أجل ما ارتكبوه من فعل الفواحش.

ثانيًا: عذاب أهل الإسراف في الآخرة:

١. المسرفون يعذبون في قبورهم ويحشرون عميًا.


1 انظر: الصحاح، الجوهري، ٤/١٣٤٢، لسان العرب، ابن منظور، ٩/١٤٨، المصباح المنير، الفيومي، ١/٢٧٤، تاج العروس، الزبيدي، ٢٤/٤٣٣.

2 مقاييس اللغة، ٣/١٥٣.

3 المفردات، ص٤٠٧.

4 التحرير والتنوير، ١١/١١٢.

5 التعريفات، ص٢٤.

6 جامع البيان، ٧/٥٧٩.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٤٩،٣٥٠، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب السين ص٦٢٤.

8 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/١٩٣-١٩٤، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١٠٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٣٦٣-٣٦٤.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٤/٥٠.

10 الجامع لأحكام القرآن، ١٠/٢٤٧.

11 انظر: حاشية رد المحتار،٦/٧٥٩.

12 انظر: الصحاح، الجوهري، ٦/٢٢٣، تاج العروس، الزبيدي، ٣٦/ ٣٩٧.

13 انظر: الكليات، الكفوي، ص ٣٤٩، النظم المستعذب على المهذب، ابن بطال الركبي، ١/٣٣٨.

14 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/٧١٤.

15 التوقيف، ١/١٠٥.

16 انظر: تاج العروس، الزبيدي، ٩/٣٥.

17 التوقيف، المناوي، ١/٢٧٢.

18 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ١/٢١٢.

19 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢١.

20 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٥٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٠٨.

21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٢٢، غرائب القرآن، النيسابوري ٣/٥٦٨، لباب التأويل، الخازن ٢/٤٣١.

22 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٤٨، والسراج المنير، الشربيني ٢/٨ .

23 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، معالم التنزيل، البغوي ٧/١٤٨.

24 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٣٧.

25 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٠٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/١٢٦ .

26 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٦٢-٦٣.

27 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٧٧.

28 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٣٢ .

29 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤٥٥.

30 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٣/٥٢١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٤٠ .

31 انظر: المنار، ٨/٤٥٥.

32 أخرجه الطبري في تفسيره ٥/٤٧٢.

33 أخرجه أحمد في مسنده ٢/١٨٢، رقم ٦٧٠٨، والحاكم في المستدرك، ٤/١٥٠، رقم ٧١٨٨.

قال الحاكم: صحيح الإسناد.

34 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٤٢، رقم ١٧١٨٦، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، ٤/٥٩٠، رقم ٢٣٨٠.

قال الترمذي: «حسن صحيح».

وصححه الشيخ الألباني. في الإرواء، رقم ١٩٨٣.

35 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٢٣.

36 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٢١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣٧٠ .

37 انظر: غرائب التفسير، الكرماني ٢/٨٦٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٨٠.

38 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٣٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٧٣.

39 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٣٩.

40 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٣٩، البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٣٤.

41 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٩/٥٥.

42 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٦٤، البحر المحيط، أبو حيان ٩/٥٣.

43 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٦٢.

44 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٨٩.

45 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٣٤٧، الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني ٥/٥٢.

46 انظر: الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني ١٠/٢٤٨، شرح ديوان الحماسة، المرزوقي ص١٥٦.

47 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٩١، ٩٤.

48 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٤٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٥٥.

49 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٣/٨٨ .

50 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٤٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٥٥.

51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا، رقم ٦٤٦٩.

52 انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٢/٥٩٠.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم)، رقم ٦٨٦٣.

53 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أن النفس بالنفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.

54 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٣٦٤.

55 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٩١.

56 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٧٢، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٣/٧٨٣ .

57 انظر: فتح القدير ١/٤٤٣.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، رقم ٦٠٣٥.

59 انظر: فتح الباري، ١١/١٩٨.

60 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٤٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٧٢، وأضواء البيان، الشنقيطي ٦/٧٥.

61 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٧٢-٧٣.

62 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٢٠.

63 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٢٣-١٢٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ٧٥.

64 انظر: غرر الخصائص الواضحة، الوطواط ص ٣٥١، زهر الأكم في الأمثال والحكم، نور الدين اليوسي ٢/٨٧.

65 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٧٥-٧٦.

66 في ظلال القرآن: ٥/٢٥٧٩.

67 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٣/٣٧٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٣١.

68 انظر: التحرير والتنوير ٤/١٢٠.

69 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/١٢٤.

70 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٤٢٥.

71 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٤/١٥٥.

72 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٧٦.

73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٩٦.

74 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب سقوط الذنب بالاستغفار، رقم ٢٧٤٩.

75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الزمر، رقم ٤٨١٠.

76 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٦.

77 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٧/١٠٦.

78 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٣٨ .

79 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٤١ .

80 انظر: العنوان في القراءات السبع، السرقسطي ص ١٦٥، إتحاف فضلاء البشر، البنا ص ٤٨٢ .

81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٤١.

82 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٧٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٦ .

83 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٧٧.

84 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٠٧، البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٤٥٥.

85 انظر: فتح القدير، ٢/٤٨٨.

86 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٧٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٤٧ .

87 انظر: تفسير المراغي ١٧/١٠ .

88 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٦٩.

89 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٢٩.

90 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٩٢.

91 أخرجه الحاكم في مستدركه ٢/٣٨١.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

ولم يتعقبه الذهبي.

92 انظر: جامع البيان، ١٦/٢٢٨.

93 انظر: تفسير القرآن العظيم، ١٦/٣٢٢- ٣٢٣.

94 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٢٨- ٢٢٩.

95 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٤/١٢٧-١٢٨.

96 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١١/٢٥٩ .