عناصر الموضوع

مفهوم الاستعانة

الاستعانة في الاستعمال في القرآن

الألفاظ ذات الصلة

اقتران الاستعانة بالعبادة

الله سبحانه وتعالى هو المستعان

أنواع الاستعانة

أقسام الناس في الاستعانة

مجالات التعاون بين الخلق

أثر الاستعانة على الفرد والمجتمع

الاستعانة

مفهوم الاستعانة

أولًا: المعنى اللغوي:

مصدر استعان، وهو من العون بمعنى المعاونة والمظاهرة على الشيء، يقال: فلان عوني، أي: معيني وقد أعنته، والاستعانة: طلب العون.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ٤٥].

والعون: الظهير على الأمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أعوان، والمعونة: الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للناس. وكل شيء أعانك فهو عون لك، كالصوم عون على العبادة1.

وبذلك نجد أن الاستعانة في لغة العرب بمعنى طلب العون.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لم تخرج الاستعانة في معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي لها، فالاستعانة في الاصطلاح: طلب الإعانة من الغير2.

والأصل أن تكون هذه الاستعانة بالله، فهي طلب العون من الله، وتكون الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه.

قال ابن تيمية رحمه الله : «الاستعانة: طلب العون من الله، ويطلب من المخلوق ما يقدر عليه من الأمور»3.

وبذلك نستطيع أن نقول: إن الاستعانة هي طلب العون؛ لإزالة العجز.

الاستعانة في الاستعمال في القرآن

وردت مادة (عون) في القرآن (١٠) مرات4.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [الفرقان:٤]

الفعل المضارع

١

( ) [الفاتحة:٥]

فعل الأمر

٦

( ) [البقرة:٤٥]

الاسم المفعول

٢

( ) [يوسف:١٨]

وجاءت الاستعانة في القرآن بمعناها اللغوي: طلب العون .

الألفاظ ذات الصلة

الدعاء:

الدعاء لغة:

مأخوذ من مادة (د ع و) التي تدل في الأصل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل: الدعاء في معنى الرغبة إلى الله عز وجل ، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدعاء والدعوى5.

الدعاء اصطلاحًا:

هو سؤال العبد ربه حاجته.

الصلة بين الاستعاذة والدعاء:

بالتأمل نجد أن الاستعانة أعم من الدعاء، فالدعاء صورة من صور الاستعانة، والاستعانة تكون بالدعاء وبغيره. فكل دعاء استعانة، وليس العكس.

الاستعاذة:

الاستعاذة لغة:

مصدر استعاذ، وهي من مادة (ع وذ) التي تدل على الالتجاء إلى الشيء، ثم يحمل على ذلك كل شيء لصق بشيء أو لازمه6.

الاستعاذة اصطلاحًا:

هي اللجوء والاعتصام، وطلب كف الشر7.

الصلة بين الاستعانة والاستعاذة:

الاستعانة أعم من الاستعاذة، فإنهما يجتمعان في طلب كف الشر، وبذلك فالاستعاذة صورة من صور الاستعانة، وتزيد الاستعانة بأنها تكون في تحصيل الخير. فكل استعاذة استعانة، وليس كل استعانة استعاذة.

الاستغاثة:

الاستغاثة لغة:

مصدر استغاث، وهو مأخوذ من الغوث بمعنى: الإغاثة والنصرة عند الشدة8.

الاستغاثة اصطلاحًا:

طلب الغوث في الشدائد والأزمات9.

الصلة بين الاستعاذة والاستغاثة:

بينهما عموم وخصوص من وجه؛ فكل استغاثة استعانة، وليست كل استعانة استغاثة، فالاستغاثة خاصة بالشدائد والمكروبات، والاستعانة عامة فيها وفي غيرها.

التوكل:

التوكل لغة:

مصدر توكل يتوكل، وهو مأخوذ من مادة (و ك ل) التي تدل على اعتماد على الغير في أمر ما، ومن ذلك التوكل وهو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك10.

التوكل اصطلاحًا:

صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار11.

الصلة بين الاستعانة والتوكل:

التوكل: هو تفويض الأمر، والاستعانة لا يلزم منها هذا التفويض، وبذلك تكون الاستعانة أعم من التوكل.

اقتران الاستعانة بالعبادة

المتمعن في نصوص القرآن يرى اقتران الصلاة بالصبر في عدة مواضع منه؛ كما يلحظ اقتران العبادة بالاستعانة؛ للإشارة إلى الصلة الوثيقة بين هذه الأمور.

وفيما يلي بيان لبعض الحكم من اقتران هذه الأمور ببعضها:

أولًا: اقتران الصبر والصلاة بالاستعانة:

قرن الله بين الصبر والصلاة في موضوع الاستعانة في بعض الآيات.

قال تعالى: ( ﯓﯔ ) [البقرة: ٤٥].

وقال سبحانه: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

والمتأمل في اقتران الصبر والصلاة في موضوع الاستعانة، يجد حكمًا كثيرة12، منها:

  1. الصبر والصلاة يمدان المؤمن بالقوة التي تعينه على احتمال تكاليف العبادة، ومشقة الجهاد، ومدافعة شهوات النفس وأهوائها.

    أما الصبر فهو قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى ، وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع، ومن حمل نفسه وقلبه على هذا التذليل سهل عليه فعل الطاعات، وتحمل مشاق العبادات، وتجنب المحظورات.

    والصلاة صلة بين العبد وربه، وهي من أكبر العون على الثبات في الأمر، وأما الاستعانة بها فلأنه يجب أن تؤدى على طريق الخضوع والتذلل للمعبود والإخلاص له، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها، وعلى ما يأتي فيها من قراءة، فيتدبر الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة فقد ذلل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات؛ ولذلك قال الله سبحانه: ( ) [العنكبوت: ٤٥].

  2. الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن.

    إذ فيه ضبط النفس، وسيطرة الإرادة على الهوى، وسيطرة العقل على الشهوة، والصلاة أشد الأعمال الظاهرة على البدن؛ إذ فيها خضوع واستسلام لله، وتوجه بالقلب إليه، واستشعار لعظمة الخالق، فجمع بينهما في الاستعانة تنبيهًا على أن الإنسان إذا أتى بهما على وجههما كان متمًا لما عداهما من التكاليف.

  3. الاستعانة بالصبر والصلاة طريق تحقيق الإيمان والذكر والشكر.

    قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١٥٢- ١٥٣].

    فلما أمر بالذكر والشكر حث على الاستعانة بالصبر والصلاة؛ تنبيهًا على أنه بهما يتوصل إلى الإيمان، فإن الصبر مبدأ الإيمان، والشكر منتهاه.

  4. الطاعات والاستقامة عليها، لها أعباؤها التي تحتاج إلى قوة احتمال ومجاهدة.

    ولكى يقوى الإنسان على حمل هذه الأعباء، كان لا بد له من زاد يعينه، ويمسك عليه عزمه ومضاءه.

    والصبر والصلاة هما خير ما يتزود الإنسان به؛ لكى يجد من نفسه القدرة على الوفاء ببعض حق الله عليه.

    وإذا استعان المؤمن بالصبر والصلاة التي تملأ القلب خشية وخشوعا لله، وتبعد النفس عن الفواحش والمنكرات، هانت عليه المصاعب، وتحمل كل شدة ومشقة، وقاوم كل عناء وكرب.

  5. إطاعة الأوامر الإلهية وعدم مخالفتها تتطلب الصبر.

    ومن صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة، ومن أخص حالات الصبر: الصلاة، فالصلاة فيها سجن النفوس، وجوارح الإنسان فيها مقيدة بها عن جميع الشهوات، فكانت الصلاة أصعب على النفس، وكانت مكابدتها أشق.

  6. الاستعانة بالصبر والصلاة الطريق الأمثل لمواجهة محن الدعوة، من شبهات الأعداء، والصبر على الاستشهاد في الجهاد.

    قال تعالى: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

    والملاحظ أن هذه الآيات وردت في سياق الحديث عن تحويل القبلة، والاستشهاد في الجهاد، فبعد أن ذكر سبحانه افتتان الناس بتحويل القبلة، وأقام الحجة على المشاغبين.

    وبين فوائد التحويل للمؤمنين، ومن أهمها: البشارة، وكون ذلك طريقا للهداية، لما في الفتن من تمييز الخبيث من الطيب، والمسلم من المنافق، ثم قفى على ذلك بالأمر بذكره وشكره على هذه النعم، ليستبين للناس أن تحويل القبلة الذي صوره السفهاء بصورة النقمة هو نعمة كبرى، ومنة عظمى.

    بين في هذه الآيات أن هذه النعم التي يجب ذكرها وشكرها تقرن بضروب من البلاء وألوان من المصائب، من أعظمها ما يلاقيه أهل الحق من مقارعة أشياع الباطل، ومفارقة الحياة استشهادًا في سبيل الله؛ لهذا كله أمر عباده أن يستعينوا على مقاومة ذلك كله بالصبر والصلاة، فبهما يستسهل العبد في سبيل الله كل صعب، ويستخف بكل كرب، ويحتمل كل بلاء، ويقاوم كل عناء.

    ثانيًا: اقتران العبادة بالاستعانة:

    قرن سبحانه بين العبادة والاستعانة في قوله: ( ) [الفاتحة: ٥].

    واقتران العبادة بالاستعانة وراءه حكم كثيرة13، منها:

  1. الجمع بين الوسيلة والغاية.

    فالعبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، فجمع سبحانه بين أشرف غاية ووسيلتها.

  2. الإشارة إلى كمال التوحيد المطلوب من العباد.

    فقوله: ( ) تبرؤ من الشرك، وقوله: ( ) فيه تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل، فجمع بينهما سبحانه تنبيهًا لعباده إلى كمال التوحيد المطلوب منهم.

  3. بيان أن الاستعانة هي ثمرة التوحيد، واختصاص الله تعالى بالعبادة.
  4. الإشارة إلى أن لزوم الاستعانة في العبادة سبيل السعادة الأبدية.

    فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة هي: الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.

    والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.

  5. بيان احتياج العباد الدائم إلى الاستعانة بالله في العبادة.

    فالله ذكر الاستعانة بعد العبادة، مع دخولها فيها؛ لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى ؛ فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي.

    فالاستعانة هي نوع من استصغار العبد حاله بجوار عظمة الله تعالى ، وافتقاره إليه تعالى، وأنه محتاج إليه دائمًا، ولا يركبه غرور الحياة والضلال في أن يقر بنفسه الغرور، وهو استجابة وفهم لقوله تعالى: ( ﮪﮫ ) [فاطر: ١٥].

  6. الإشارة إلى أن الاستعانة لا تكون إلا بمن يستحق العبادة.

    فقوله: ( ) بعد قوله: ( ) فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة؛ لأن غيره ليس بيده الأمر.

  7. الجمع بين شكر الألوهية والربوبية.

    فعبادة الله تعالى هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لألوهيته، واستعانته هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لربوبيته، أما الأول فظاهر؛ لأنه هو الإله الحق فلا يعبد بحق سواه، وأما الثاني: فلأنه هو المربي للعباد، الذي وهب لهم جميع ما تكمل به تربيتهم.

  8. القضاء على الكبر والعجب عند الإنسان.

    فإن قوله: ( ) يقتضي حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب، فأردف بقوله: ( ) ليدل ذلك على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، إنما حصلت بإعانة الله.

    فالمقصود من ذكر قوله: ( ) إزالة العجب، وإفناء الكبر.

الله سبحانه وتعالى هو المستعان

  1. إن المؤمن الذي يريد أن يرتقي في أشرف منازل الآخرة، لا يستطيع أن يرتقي إلا بعد عون الله وتوفيقه له؛ لذلك فالله هو المستعان على الحقيقة دون غيره من الخلق؛ لأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل.

    وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله تعالى لا تعدلها حاجة، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته، فهو محتاج في كل أحواله إلى الهداية والإعانة عليها، ومحتاج إلى تثبيت قلبه على الحق، ومغفرة ذنبه، وستر عيبه وحفظه من الشرور والآفات وقيام مصالحه، وغير ذلك من الحاجات التي لا تنفك عنها لحظة من لحظات حياته، وغيرها كثير مما يكثر احتياجه إليه وافتقاره إلى الإعانة عليه.

    والعبد يجد في قلبه كل وقت مطلوبًا من المطلوبات يحتاج إلى الإعانة على تحقيقه.

    والله تعالى هو المستعان الذي بيده تحقيق النفع ودفع الضر، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو سبحانه.

    وهذا أمر تكرر تأكيده في القرآن العظيم في مواضع كثيرة:

    قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ) [الأنعام: ١٧].

    وقال تعالى: ( ﮫﮬ ﯣﯤ ﯧﯨ ) [الزمر: ٣٨].

    وقال سبحانه: ( ﯓﯔ ﯡﯢ ) [الملك: ٢٠- ٢١].

    والمقصود: أنه لا يحصل لعبد نفع في أمر من أمور دينه ودنياه إلا بالله، فهو المستعان وحده على كل ذلك.

    وكل سبب من الأسباب التي يبذلها العبد لتحقيق النفع أو دفع الضر لا يستقل بالمطلوب، فلا يوجد سبب مستقل بالمطلوب، بل لا بد أن يكون معه سبب مساعد، ولا بد معه أيضًا من انتفاء المانع، ولا يكون كل ذلك إلا بإذن الله.

    فالاستعانة بالله تعالى من أجل العبادات وأفضلها، والتي أمر الله بها عباده للحصول على عطائه وكرمه، لذلك كان من أعظم الكلمات التي أمرنا الله بها إذا وقفنا بين يديه في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن نقول مخاطبين إياه تبارك وتعالى: ( ) [الفاتحة: ٥].

    ما أجمل هذا الدرس العظيم الذي تلقيه علينا الآية الكريمة التي ترشدنا إلى أنه لا يليق بالمسلم أن يغفل عن بارئه طرفة عين في كل شؤونه الدينية والدنيوية.

    فالله تبارك وتعالى هو المستعان، الغني عن الظهير والمعين، والشريك والوزير، فلا يحتاج إلى أحد.

    وهو سبحانه المستعان الذي لا يطلب العون من أحد، بل كل عبد يطلب منه العون على فعل الطاعات واجتناب المحرمات، وجلب المنافع، ودفع المضار. وهو سبحانه الغني المستعان، والخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.

    وهو الملك القادر على كل شيء، الذي ليس له شريك في الملك، ولا في الخلق، ولا في الأمر، ولا في الأسماء، ولا في الصفات.

    وهو سبحانه الحي القيوم المستعان، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه، بل الخلائق كلها بحاجة إلى الاستعانة به، بل لا قيام ولا حياة ولا وجود لهم إلا به، وبقدرته وقوته وإعانته وحده لا شريك له.

    وقد أرشدتنا الآية إلى أن الله هو المستعان في كل الأمور الدينية والدنيوية، فقد «حذف متعلق () الذي حقه أن يذكر مجرورًا بعلى، وقد أفاد هذا الحذف الهام عموم الاستعانة المقصورة على الطلب من الله؛ تأدبًا معه تعالى»14.

    فلم يذكر المستعان عليه من الأعمال، ليشمل الطلب كل ما تتجه إليه نفس الإنسان من الأعمال الدينية والدنيوية.

    وفي اقتران العبادة بالاستعانة في الآية دليل على أن الإنسان لا يقوى على أن يعبد الله إلا إذا أعانه الله تبارك وتعالى.

    والملاحظ في آية الفاتحة أنه «قدم المفعول وهو ()، وكرر؛ للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة. والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين»15.

    وتكرير الضمير المنصوب للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة، ولإبراز الاستلذاذ بالمناجاة والخطاب.

    وقد ذكر الله الاستعانة في الآية بعد العبادة مع دخولها فيها «لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي»16.

    وقد بين لنا ربنا في كتابه أن أنبياءه ورسله كانوا على يقين بأن الله هو المستعان لا غيره، فقد أخبر عن نبيه يعقوب عليه السلام، لما أتاه بنوه يخبرونه أن يوسف قد مات عليه السلام، فقال: ( ﮈﮉ ﮋﮌ ) [يوسف: ١٨].

    فأخبرهم أنه لا يستطيع ولا يطيق أن يتحمل وقع هذه الكلمات، أو يتحمل أثر هذه الكلمات، أو يتحمل فقدان هذا الوليد الحبيب إلى قلبه عليه السلام إلا بأن ينزل عليه العون والتأييد والتثبيت من الله تبارك وتعالى، فكان من يعقوب عليه السلام التسليم لأمر الله تعالى وتوكلٌ عليه.

    وقد جمع يعقوب عليه السلام بين الصبر والاستعانة، وهذا «دال على أن إقدامه على الصبر لا يمكن إلا بمعونة الله تعالى؛ للتغلب على الجزع أو الحزن بسبب الدواعي القوية إليه»17.

    وأخبر الله سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه: ( ﯨﯩ ) [الأنبياء: ١١٢].

    وقبل هذه الآية بيان لسبب هذه المقولة، فقال الله: ( ﮝﮞ ﮨﮩ ﯨﯩ ) [الأنبياء: ١٠٨- ١١٢].

    فهذه الأوصاف التي يطلقونها على الله تبارك وتعالى انتقاصًا لحقه، والتي يطلقونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبًا له ورميًا له بالجنون، ورميًا له بالكهانة والشعر والسحر، لا يستطيع قلبه الطاهر صلى الله عليه وسلم أن يتحملها إلا إذا تغمده الله عز وجل بعونه وتأييده وتوفيقه، فقال: ( ﯨﯩ ) أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به.

    «وتعريف () لإفادة القصر، أي: لا أستعين بغيره على ما تصفون، إذ لا ينصرنا غير ربنا»18.

    وكما كانت هذه عقيدة الأنبياء في ربهم، فقد حرصوا على إرسائها في قلوب أقوامهم، فها هو موسى عليه السلام يخاطب بني إسرائيل قائلًا: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

    فأمرهم بالاستعانة بالله في رد عدوان فرعون وملئه.

    وفي ديننا نبدأ كل سور القرآن بالبسملة، وهذا بمثابة الدرس التطبيقي للمسلمين أن يربطوا كل أمورهم بالله، فمنه يستمدون العون، ويستلهمون السداد في القول، والإصابة في العمل، وعليه يتوكلون في كل ما يأتون من أعمال، فلا حول ولا قوة لهم إلا بالله.

    فالله سبحانه وتعالى هو المستعان على كل أمرٍ من أمور الخير يجلبها، وعلى كل أمرٍ من أمور الشر يدفعها، على كل أمرٍ من أمور الطاعة يوفق لها، وعلى كل أمرٍ من أمور المعصية يدرأها ويباعد عنها.

    قال ابن تيمية رحمه الله : «إن العبد محتاج في كل وقت إلى الاستعانة باللـه على طاعته وتثبيت قلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله»19.

    وقال ابن رجب رحمه الله : «العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا، وعند الموت، وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل.

    فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولا، وهو كذلك في أمور الدنيا؛ لأنه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعا إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول»20.

أنواع الاستعانة

  1. أولًا: الاستعانة المشروعة

    الاستعانة منها ما هو مشروع، وما هو ممنوع، والاستعانة المشروعة منها استعانة بالله، واستعانة بالأعمال الصالحة التي شرعها الله، والتي أمر الله عباده بالاستعانة بها، والحديث هنا عن صور الاستعانة المشروعة:

    ١. الاستعانة بالله.

    الاستعانة بالله واجبة في كل وقت وحين، وليس لصورها حصر ولا عدد، والحديث هنا عن أهم صور الاستعانة بالله:

    • الاستعانة بالله على الطاعة.

      إن من أعلى أبواب الاستعانة، الاستعانة بالله تعالى على طاعته، من أداء الواجبات والقيام بفروض الله تعالى.

      ولو نظر كل منا في حاله في أمور دينه لوجد أنه يحتاج إلى عون الله تعالى، فلا يستطيع أحد القيام بحق الله تعالى إلا بالاستعانة به على ذلك. قال شيخ الإسلام: «وكل عملٍ لا يعين الله العبد عليه فإنه لا يكون ولا يقع، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا يدوم ولا ينفع، فلذلك أمر العبد أن يقول ( ) [الفاتحة: ٥]، في كل صلاة»21.

      فكل الطاعات التي يقوم بها المسلم هي محض الفضل الإلهي الذي من الله به عليه.

      قال تعالى: ( ﭲﭳ ) [النور: ٢١].

      فكل صلاة نصليها هي بمدد منه، وكذلك كل ذكر نذكره، وكل صالح نقوله، وكل خير نفعله، ( ﭿ ﮊﮋ ) [الحجرات: ٧]

      فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها، في الدنيا وعند الموت وبعده، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه.

      وقد أرشد الله عباده إلى الاستعانة به في كل أمورهم، ومنها الطاعات، فقال سبحانه: ( ) [الفاتحة: ٥].

      وإطلاق الاستعانة من غير متعلق بذكر المستعان عليه من الأمور دال على أنه يستعين الله تعالى في كل أمور حياته، فلم يذكر المستعان عليه من الأعمال؛ ليشمل الطلب كل ما تتجه إليه نفس الإنسان من الأعمال الدينية والدنيوية.

      فـ«بعد تقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة، يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله.

      وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الواصل، ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته.. فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته. والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين. وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه. فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين»22.

      وقد حقق الأنبياء والرسل درجة الاستعانة بالله في أمور دينهم على أفضل صورة وأحسن مثال، فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يقول: ( ) [إبراهيم: ٣٥].

      إنه يعلن أن الذي يعصم من عبادة الأوثان هو الله، فيلجأ إليه طالبًا منه المعونة على اجتنابها وعدم عبادتها.

      وها هو يوسف عليه السلام يستعين بربه على كيد النسوة فيقول: ( ) [يوسف: ٣٣].

      فقد استجار بربه واستعان به ليصرف عنه السوء.

      ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل المستعينين، وسيد المتوكلين على ربه، كانت حياته كلها استعانة بالله في طاعاته وشؤون دنياه، يرشد صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه فيقول له: «يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعنَ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»23.

      إن هذا التعليم النبوي كما أنه يشي بحاجة العبادة والطاعة إلى العون والمدد الإلهي، فهو يحمل في ثناياه الإعلان عن العجز والضعف البشري أمام القيام بشيء من حق الله تعالى. إن العبد مهما بلغ من قوة، ومهما اجتمع له من نشاط فهو عاجز عن مواصلة الطريق إلى الله إلا بالعون الذي يتنزل عليه من ربه، فلا يغتر بجهده، ولا يدلي بعمله.

      إن أعظم الكرامة أن يأتيك مدد ربك، الذي يدفعك لمزيد القرب منه، فتدخل في عبادته -ليس نشيطًا فحسب- بل مشتاقًا لها تجد أنسك فيها.

      أما حين لا يكون عون الله، وإنما يوكل العبد إلى نفسه، فإنه يوكل إلى ضعف وعجز وخور ومهانة.

      حين لا يعان العبد فإنه يقعد به العجز والكسل عن الكمالات، وتتطامن نفسه إلى الدون، ولا يكون منه شيء نافع، بل تذهب أيامه ولياليه دون شيء يذكر.

      نحتاج العون من الله على الذكر وإلا أصاب الألسن خرس عما ينفع، نحتاج العون من الله على الشكر وإلا بطرت النعم ثم محقت، نحتاج العون من الله على حسن العبادة وإلا تحولت عبادتنا إلى صورة لا معنى لها، وإلى مظهر بلا مخبر، فصارت وبالًا على العبد لا له.

      إن العبد حين لا يعان على الذكر تغلفه الغفلة، فيترك القرآن أيامًا لا يتلوه، وربما أتى إلى المسجد مبكرًا- لحاجة- فعجزت يده أن تمتد للمصحف الذي لا يبعد عنه غير متر واحد، ويعجز لسانه أو يغفل عن تسبيحٍ هو من أخف الأعمال وأيسرها على اللسان وأثقلها في الميزان، في حين لا يعجز عن ترديد الأغاني، ولا ينقطع صوته عن الحديث في المجالس بما لا فائدة منه!.

      وحين لا يعان العبد على الشكر فإنه لا يرى النعم، ولا يحس بقيمتها؛ فلذلك يبطرها، فلا عين تحفظ عن حرام، ولا لسان يحفظ عن رديء الكلام، ولا رجل تمشي إلى صلاة، ولا يدٌ تمتد بالصدقة أو ترفع للدعاء.

      وحين لا يعان على حسن العبادة فإنه يأتيه ما يشغله عن تحسينها والعناية بها، فينشغل ذهنه بما يوهنه، فإن قام إلى الصلاة نقرها نقر الغراب، والتفت فيها التفات الثعلب، وانتهى منها لا يدري ما قرأ، فخرج من صلاته لم يكتب له منها إلا ما عقل، واقتصرت نفسه على الفريضة- على ضعف فيها- فإن صلى نافلة لعظيم الفضل واجتماع الناس عليها- كالتراويح- فإنه يعجز عن الاستمرار إلى آخر الشهر، أو يطلب من يأتي بها على عجل.

      فالعبد يحتاج إلى عون الله وفضله؛ لأداء حقه على الوجه الذي يرضيه، ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد على الله في جميع طاعاته، والشعور بالحاجة والفقر له، وأن الأمر منوط بتوفيق الله أو الخذلان، والشعور بالضعف والحاجة والفقر ( ﮪﮫ ) [فاطر: ١٥].

      قال ابن القيم: «( ﭿ ) [الحجر: ٢١]، متضمن لكنز من الكنوز؛ وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه، ومفاتيح تلك الخزائن بيديه، وأن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده ولا يقدر عليه»24.

      والخلاصة: أن أعلى الناس قدرًا في أمر الاستعانة هو من يستعين بالله على عبادته، على طاعته؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر على الطاعة إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى.

    • الاستعانة بالله على الأمور الدنيوية.

      جميع العباد فقراء إلى الله الغني الحميد، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وخزائن العالم بأسرها بيديه، والعبد لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولو ترك لنفسه لحظة ضاع وهلك؛ ولهذا فالعبد في كل لحظة بحاجة إلى ربه ومولاه.

      في حاجة إلى الاعتماد على الله في جميع شؤون الحياة، فالله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم، وتولى سبحانه وتعالى نشأتنا والقيام على شؤوننا، وأعطانا ما أعطانا من الأسباب التي تمكننا من العيش في الحياة.

      هذه الأسباب من سمع، وبصر، وعقل، وأجهزة وأعضاء، لا يوجد لديها قدرة ذاتية للقيام بوظائفها، فالله عز وجل هو الذي يمدها بهذه القدرة لحظة بلحظة ( ) [يونس: ٢٢].

      وقال سبحانه: ( ) [النجم: ٤٣].

      وهذه هي الحقيقة، فهو سبحانه الذي أضحك وأبكى، وأقام وأقعد، وهو الذي حرك وسكن، ولا غنى لأحد عن الله طرفة عين.

      فالحقيقة التي لا مراء فيها أننا جميعًا من الله خلقًا وإيجادًا، وبالله رعاية وإعدادًا وإمدادًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه ( ﯿ) [النحل: ٥٣].

      وتأسيسًا على ما سبق فالعباد في حاجة إلى عون ربهم على كل شؤون حياتهم الدنيوية، وقد أمر الله عباده بالتوجه إليه، والاستعانة به في أمورهم الحياتية، مبينًا أن ذلك بيده، وليس بيد غيره، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم)25.

      ويظهر من الحديث ضرورة افتقار العبد إلى ربه ومولاه، ووجوب استعانته به في جميع شؤونه الحياتية، وأنه لولا الله لهلك جميع العباد، كما يدل الحديث على أن الله يحب من العباد أن يسألوه مصالح دينهم ودنياهم.

      وفي سورة الفاتحة إرشاد إلى استعانة العباد بربهم في جميع شؤونهم، حيث قال سبحانه: ( ) [الفاتحة: ٥].

      والمعنى: لك يا ربنا وحدك نخشع ونذل ونستكين، فقد توليتنا برعايتك وغمرتنا برحمتك، فنحن نخصك بطلب الإعانة على طاعتك وعلى أمورنا كلها الدينية والدنيوية، ولا نتوجه بهذا الطلب إلى أحد سواك، فأنت المستحق للعبادة، وأنت القدير على كل شيء، والعليم ببواطن الأمور وظواهرها، لا تخفى عليك طوية، ولا تتوارى عنك نية.

      فآية الفاتحة أرشدت إلى الاستعانة بالله في جميع الأمور الدينية والدنيوية، ويظهر ذلك من إعادة الضمير () مع الفعل الثاني () يفيد أن كلا من العبادة والاستعانة مقصود بالذات، فلا يستلزم كل منهما الآخر؛ ذلك بأن الاستعانة بالله تعالى يجب أن تكون عامة في كل شيء.

      والخلاصة: أن «التوكل على الله والاستعانة به خلق جليل يضطر إليه العبد في أموره كلها، دينيها ودنيويها؛ لأنه وإن كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة وإرادة تقع بها أفعاله الاختيارية، ولم يجبره على شيء منها، فإنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، فإذا اعتمد بقلبه اعتمادًا كليًا قويًا على ربه في تحصيل وتكميل ما يريد فعله من أمور دينه ودنياه، ووثق به أعانه وقوى إرادته وقدرته، ويسر له الأمر الذي قصده، وصرف عنه الموانع أو خففها، وتضاعفت قوة العبد وازدادت قدرته؛ لأنه استمد من قوة الله التي لا تنفد ولا تبيد»26.

    • الاستعانة بالله على مواجهة الظالمين.

      من الأمور المسلمة أن النصر بيد الله.

      قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٢٦].

      والإنسان المسلم في مواجهته مع الظالمين في حاجة إلى عون الله على هؤلاء الطغاة، بأن ينصره ويسدده ويثبته على عقيدته.

      وقد اشتمل القرآن على نماذج من الاستعانة بالله على مواجهة الظالمين، منها:

      ما أرشد إليه موسى عليه السلام قومه في مواجهتهم مع فرعون وقومه: فلما قال الملأ من قوم فرعون: ( ﮝﮞ ) [الأعراف: ١٢٧].

      وأرشدهم موسى عليه السلام فقال: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

      فههنا أمرهم موسى بشيئين وبشرهم بشيئين: أما اللذان أمر موسى عليه السلام بهما، فالأول: الاستعانة بالله تعالى. والثاني: الصبر على بلاء الله.

      وإنما أمرهم أولًا بالاستعانة بالله لأن من عرف أنه لا مدبر في العالم إلا الله تعالى، انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى، وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنه إنما حصل بقضاء تعالى وتقديره، واستعداده بمشاهدة قضاء الله خفف عليه أنواع البلاء.

      وأما اللذان بشر بهما:

      فالأول: قوله: ( ﯗﯘ) وهذا إطماع من موسى عليه السلام قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه.

      والثاني: قوله: ( ) فقيل: المراد أمر الآخرة فقط، وقيل: المراد أمر الدنيا فقط، وهو: الفتح والظفر والنصر على الأعداء، وقيل: المراد مجموع الأمرين.

      وقوله: () إشارة إلى أن كل من اتقى الله تعالى وخافه فالله يعينه في الدنيا والآخرة27.

      فالآيات ترشد إلى أنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين، وإلا ولي واحد، وهو الولي القوي المتين. وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه.

      ومن نماذج الاستعانة أيضًا: قصة مؤمن آل فرعون، فقد ذكر الله سبحانه قوله لقومه: ( ﮆﮇ ﮋﮌ ) [غافر: ٤٤].

      فبعد أن نصحهم بطاعة الله، والإيمان به والدار الآخرة، وخوفهم وحذرهم، لم يطيعوه، فقال لهم: «فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم، وسوف تندمون حيث لا ينفع الندم، وألجأ إلى الله، وأعتصم به، وأتوكل عليه. إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد، وما يستحقونه من جزاء، لا يخفى عليه شيء منها»28.

      وكانت نتيجة استعانته بالله، ما ذكره ربنا سبحانه في قوله: ( ﮖﮗ ) [غافر: ٤٥].

      فهذا بيان للعاقبة الطيبة التي أكرمه الله سبحانه بها، بعد صدوعه بكلمة الحق أمام فرعون وجنده. أي: فكانت نتيجة إيمان هذا الرجل، وجهره بكلمة الحق، ونصحه لقومه، واستعانته بالله؛ أن وقاه الله تعالى ما أراده الظالمون به من أذى وعدوان ومن مكر سيئ، ونزل وأحاط بفرعون وقومه سوء العذاب؛ بأن أغرقهم الله تعالى في اليم، وجعلهم عبرة لمن يعتبر.

      ومن نماذج الاستعانة بالله في مواجهة الظالمين، ما ذكره ربنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في دعوته قريشًا، فالله أمره أن يبلغهم: ( ﮝﮞ ﮨﮩ ) [الأنبياء: ١٠٨- ١١١].

      فبعد أن أورد سبحانه الحجج والبراهين، لإقناع الكافرين بأن رسالة الرسول حق، حتى لم يبق فى القوس منزع، وبلغ الغاية التي ليس بعدها غاية، وبين أن هذا الرسول رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، وأن من اتبعه سلك سبيل الرشاد، ومن نأى عنه ضل وسار فى طريق الغواية والعناد- أردف ذلك ما يكون إعذارا وإنذارا، فى مجاهدتهم والإقدام على مناوأتهم، بعد أن أعيته الحيل، وضاقت به السبل، ولم تغنهم الآيات والنذر، فتمادوا في غوايتهم، ولجوا في عنادهم، وأصبح من العسير إقناعهم وهدايتهم.

      وبعد هذا البلاغ والبيان أرشده بقوله: ( ﯨﯩ ) [الأنبياء: ١١٢].

      أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به.

      «وتعريف() لإفادة القصر، أي لا أستعين بغيره على ما تصفون، إذ لا ينصرنا غير ربنا»29.

      وإنما ختم الله هذه السورة بقوله: ( ﯨﯩ) لأنه عليه السلام كان قد بلغ في البيان الغاية لهم، وبلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه، فكان قصارى أمره تعالى بذلك تسلية له وتعريفًا أن المقصود مصلحتهم، فإذا أبوا إلا التمادي في كفرهم، فعليك بالانقطاع إلى ربك ليحكم بينك وبينهم بالحق، إما بتعجيل العقاب بالجهاد أو بغيره، وإما بتأخير ذلك، فإن أمرهم -وإن تأخر- قريب30.

      والخلاصة: أن عقيدة المؤمن الصادق الإيمان لها محوران في مواجهة الأزمات مع الكفار:

      المحور الأول: هو تفويض الأمر إلى الله وتوقع الفرج من عنده، وهذا ما أمر به الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ) أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين وانصرني عليهم.

      المحور الثاني: هو الاستعانة بالله القوي الغالب، وهذا ما ختمت به السورة: ( ) أي ما تصفونه من الكفر والتكذيب، والطمع في الغلبة على أهل الإيمان.

      ٢. الاستعانة بالأعمال الصالحة.

      من صور الاستعانة المشروعة، الاستعانة بالأعمال الصالحة التي شرعها الله، وإذا تأملنا القرآن وجدنا أن الله أمر عباده بالاستعانة ببعض الأعمال الصالحة، ومنها الصبر والصلاة، فقال: ( ﯓﯔ ) [البقرة: ٤٥].

      وقال: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

      فالصبر والصلاة هما الزاد الذي يمد المؤمن بالقوة التي تعينه على احتمال تكاليف العبادة، ومشقة الجهاد ومدافعة شهوات النفس وأهوائها. وهناك أمور يتأكد عندها أهمية الاستعانة بالصبر والصلاة، منها:

    • حين يتعرض المؤمنون للبلاء: في دينهم وأنفسهم، في أموالهم أو أعراضهم، فحينئذ يتأكد عليهم الفرار إلى الله عز وجل والاستعانة به، وأعظم ما يتم به هذا الفرار هو الاستعانة بالصبر والصلاة.

      قال تعالى: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

      بعد هذه الآية ذكر الله أعظم شيء يستعان عليه بذلك، وهو القتل في سبيل دعوة الحق وحمايته، فقال: ( ﭘﭙ ) [البقرة: ١٥٤].

      أي: استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى سائر ما يشق عليكم من مصائب الحياة، بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره، وبالصلاة التي تكبر بها الثقة بالله عز اسمه، وتصغر بمناجاته فيها كل المشاق.

      وإنما خص الصبر والصلاة بالذكر، لأن الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن، والصلاة أشد الأعمال الظاهرة عليه، إذ فيها خضوع واستسلام لله، وتوجه بالقلب إليه، واستشعار لعظمة الخالق.

      وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الأمر الإلهي، فقد ورد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة31.

      وورد أن ابن عباس رضي الله عنهما «نعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق، فأناخ، فصلى ركعتين، أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: ( ﯓﯔ )»32

    • عند مواجهة الفتن الكثيرة: من شهوات الدنيا، وحب الرياسة والظهور.

      قال تعالى: ( ﯓﯔ ) [البقرة: ٤٥].

      والخطاب هنا لبني إسرائيل لما أعرضوا عن قبول رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشدهم الله إلى علاج ذلك بالصبر والصلاة، أي استعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإسلام، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات، وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر.

    • عند مواجهة شبهات الأعداء.

      والخلاصة: أن الله خص الاستعانة بالصبر والصلاة لما فيهما من المعونة على العبادات، وتحمل المشاق.

      ثانيًا: الاستعانة الممنوعة :

      الاستعانة هي طلب العون من الله جل وعلا في الحصول على المطلوب والنجاة من المرهوب.

      والاستعانة عبادة يجب صرفها لله حده، وهي التي يصحبها معانٍ تعبدية تقوم في قلب المستعين من المحبة والخوف والرجاء والرغب والرهب، فهذه عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ومن صرفها لغيره فهو مشرك. وقد قال الله تعالى فيما علمه عباده المؤمنين: ( ) [الفاتحة: ٥].

      وتقديم المعمول يفيد الحصر، فيستعان بالله وحده، ولا يستعان بغيره.

      فإذا استعان الإنسان بغيره بهذه المعاني المذكورة فإنه يكون قد دخل في الاستعانة الممنوعة، وهذه الاستعانة الممنوعة لها صور عديدة، وهي:

      ١. الاستعانة بالأموات والمعبودين من دون الله.

      الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ممنوعة، كإجابة الدعاء وكشف البلاء، والهداية، والإغناء، ونحو ذلك، فالله تعالى هو المتفرد بذلك، والقرآن من أوله إلى آخره مليءٌ بالنصوص الدالة على أن الله وحده هو الذي بيده الخفض والرفع، والضر والنفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال.

      قال سبحانه وتعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ) [الأنعام: ١٧].

      والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ جدًا.

      وقد أمر الله عباده أن يدعوه وحده، ولم يجعل بينه وبينهم واسطةً في الدعاء، فقال تعالى: ( ) [غافر: ٦٠].

      وبين تعالى ضلال من دعا غيره فقال: ( ) [الأحقاف: ٥- ٦].

      ونحن في كل ركعةٍ من ركعات الصلاة نفرد الله بالاستعانة به على كل أمورنا، ونخصه بذلك في قولنا ( ) وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس بوصيةٍ جامعة، وكان من بين جملها الرائعة: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»33.

      وقد بين القرآن أن المعبودات من دون الله لا تملك أي وسيلة من وسائل الإدراك أو النفع أو دفع الضر عن نفسها، فضلًا عن عابديها، فكيف يعبدونها من دون الله تعالى؟!

      فنفى القرآن العقل صراحة عن الآلهة التي عبدها المشركون من دون الله، ونفي العقل عنها هو بيت القصيد، والأصل لما بعده؛ إذ ما فائدة السمع والبصر والنطق من غير العقل؟!

      فهو وحده كافٍ في نفي ألوهية هذه الأوثان، وفي ذلك يقول الله تعالى: ( ﮉﮊ ) [الزمر: ٤٣].

      وهنا «يقول تعالى ذاما المشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد، التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان، وهي لا تملك شيئا من الأمر، بل وليس لها عقل تعقل به، ولا سمع تسمع به، ولا بصر تبصر به، بل هي جمادات أسوأ حالًا من الحيوان بكثير»34.

      ونفى القرآن عن الأوثان أيضًا السمع والبصر والنطق، ومن ثم فلم يكن لديها أي سبب من أسباب العبادة، فعلام يعكف هؤلاء الوثنيون على عبادتها ودعائها من دون الله تعالى؟!

      وأكثر القرآن الكريم من وصف المعبودات بأنها لا تملك لعابديها دفع ضر أو جلب نفع، حتى أربت مواطن الحديث عن هذا الوصف على عشرة مواطن، وتنوعت فيها الأساليب، فمنها ما ورد بصيغة الخبر، مثل قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [يونس: ١٨].

      ومنها ما ورد بصيغة النفي، مثل قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الفرقان: ٣].

      ومنها ما ورد بصيغة النهي، مثل قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس: ١٠٦].

      أما ما ورد بصيغة السؤال فكثير، ومنه قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة: ٧٦]. وغيرها من الآيات.

      ومن الصفات التي وصف بها القرآن المعبودات من دون الله: أنها لا تستطيع أن تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة لله رب العالمين، فهي لا تستطيع أن تخلق شيئًا على الإطلاق، ولا تملك مثقال ذرة من ذلك، فكيف تملكه لعابديها! وجاء هذا الرد في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٣].

      والآيات في هذا الشأن وفيرة ومتنوعة.

      ومن الأدلة الظاهرة الواضحة على أن الأموات لا يملكون نفعًا ولا ضرًا: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس عندما وقع الجدب: كنا إذا أجدبنا توسلنا بدعاء نبينا، فقم يا عباس! وادع الله لنا، فقام العباس ودعا35، ولم يذهب هو أو عمر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله! أجدبنا فاستسق لنا؛ لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك ضرًا ولا نفعًا، فهذه دلالة على أن الأموات لا يملكون شيئًا.

      وبناء على ما سبق فالاستعانة بالأموات والمعبودات من دون الله في قضاء الحوائج وسؤالهم والاستعانة بهم كما يفعله عباد القبور والأولياء شرك أكبر؛ فإنه يقوم في قلوبهم من العبوديات لمن يدعونهم ويستعينون بهم ويستعيذون بهم ويستغيثون بهم ما هو من أعظم الشرك والكفر بالله، وهذا شرك أكبر يخرج من الملة؛ لأن الاستعانة بالله تعظيم لله، فمن استعان بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد ساواه بالله تعالى في التعظيم، وهذا شرك أكبر.

      قال تعالى: ( ) [الشعراء: ٩٧- ٩٨].

      والموتى والمقبورون وإن كانوا من الأولياء الصالحين، بل من الأنبياء المقربين فإن صلاحهم لأنفسهم ونفع تقواهم لهم، أما أن يستعان بهم في كشف الكروب ودفع الخطوب، فهذا ما كان أهل الجاهلية يفعلونه حين يصرفون لهم الدعاء، بزعم أنهم يقربونهم إلى الله، وأن الله لا يرد شفاعتهم لصلاحهم.

      قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯜﯝ ) [يونس: ١٨].

      وقال تعالى: ( ) [الزمر: ٣].

      يقول ابن القيم عن هذا المظهر من مظاهر الشرك -أي طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم، والتوجه إليهم-: «وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، فضلًا عمن استعان به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. والميت محتاج إلى من يدعو له، ويترحم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين (أن نترحم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة)36. فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستعانة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد»37.

      وخلاصة القول: أن من استعان بغير الله فيما ما لا يقدر عليه إلا الله، فقد كفر بالله جل في علاه؛ لأنه أنزل المخلوق منزلة الخالق.

      ٢. الاستعانة بالمخلوق في أمور غيبية.

      المراد بالغيب: ما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه. وقد اختص الله تعالى بعلمه.

      قال تعالى: ( ) [النمل: ٦٥].

      فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وحده، فلا يعلم الغيب ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلًا عمن هو دونهما.

      وقد يطلع الله عز وجل رسله على ما شاء من غيبه لحكمة ومصلحة.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [الجن: ٢٦- ٢٧].

      أي: لا يطلع على شيء من الغيب إلا من اصطفاه لرسالته، فيظهره على ما يشاء من الغيب؛ لأنه يستدل على نبوته بالمعجزات؛ التي منها الإخبار عن الغيب الذي يطلعه الله عليه، وهذا يعم الرسول الملكي والبشري، ولا يطلع غيرهما؛ لدليل الحصر.

      وقد قسم العلماء الغيب إلى قسمين:

      الأول: الغيب المطلق أو الحقيقي: وهو أن يغيب عن الحواس والعقول معا، وهو المقصود عند الإطلاق، مثل الأمور الخمسة الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«مفاتيح الغيب خمس، لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله»38.

      الثاني: الغيب النسبي أو المقيد: وهو ما يغيب عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة عن أمر عالمهم دون البشر، وكالذي يعلمه بعض البشر دون بعض، مثل: العلم بالأقطار النائية والطبقات الأرضية، والأمور الطبية، ونحو ذلك، ومن ذلك: أن يغيب الشيء عن حس الناس جميعًا، ولكنه يكون في متناول عقولهم، إما بالتجربة أو المقايسة، كعلم ما سيقع في المستقبل من الكسوف والخسوف، والشروق والغروب، ومنازل القمر، ونحو ذلك، استنباطًا من التجارب الكونية والسنن الربانية.

      فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل غير من استثناه الله من رسله، فهو كاذب؛ سواء ادعى ذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان، أو الكهانة، أو السحر، أو التنجيم، أو غير ذلك، وهذا الذي يحصل من بعض المشعوذين والدجالين؛ من الإخبار عن مكان الأشياء المفقودة والأشياء الغائبة، وعن أسباب بعض الأمراض، فيقولون: فلان عمل لك كذا وكذا فمرضت بسببه، وإنما هذا لاستخدام الجن والشياطين.

      وقد يكون إخبارهم بذلك عن طريق التنجيم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر، وتغير الأسعار، وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها، واجتماعها وافتراقها. ويقولون: من تزوج بنجم كذا وكذا، حصل له كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا حصل له كذا؛ من السعود أو النحوس، كما يعلن في بعض المجلات الساقطة من الخزعبلات حول البروج؛ وما يجري فيها من الحظوظ39.

      وقد يذهب بعض الجهال وضعاف الإيمان إلى هؤلاء المنجمين، فيستعين بهم ويسألهم عن مستقبل حياته، وما يجري عليه فيه، وعن زواجه وغير ذلك.

      ومن ادعى علم الغيب أو صدق من يدعيه، فهو مشركٌ؛ لأنه يدعي مشاركة الله فيما هو من خصائصه، والنجوم مسخرة مخلوقة، ليس لها من الأمر شيء، ولا تدل على نحوس، ولا سعود، ولا موت، ولا حياة، وإنما هذا كله من أعمال الشياطين الذين يسترقون السمع.

      وقد ورد النهي عن ذلك في بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

      عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه، لا تقبل له صلاة أربعين يومًا»40.

      وعن عمران بن حصين مرفوعًا: «ليس منا من تَطير أو تُطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»41.

      وأما حكم هؤلاء الدجالين والمشعوذين، ومن يدعون علم الغيب، ومن يذهب إليهم، فحكمهم فيما يلي42:

      أن الذين يدعون علم الغيب: إن كانوا من أولياء الشيطان الذين تتنزل عليهم الشياطين فهم كفار.

      قال الله تعالى: ( ) [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٣].

      وقد نص القرآن على أن الذين تنزل عليهم الشياطين هم أولياء الشياطين ( ) [الأنعام: ١٢١].

      ومن كان وليًا للشيطان لا يمكن أن يكون وليًا للرحمن ( ) [النساء: ١١٩].

      وإن كان من أدعياء الغيب الذين يدجلون على الناس، ويقولون بالخرص والتخمين، ولكنهم يخدعون الناس زاعمين أن لديهم القدرة على الاطلاع على الغيب من خلال الخط بالرمل، والنظر في اليد والفنجان وما أشبه ذلك؛ فهؤلاء ضالون يستحقون التأنيب والتعزير، ولا نحكم عليهم بالكفر ما لم يعتقدوا حل ذلك.

      ومثل هذا يقال في الذين يأتون الكهان، فإن كانوا جازمين باستباحة ذلك، وصدقوهم فيما يدعون فهذا كفر؛ لأن هؤلاء كذبوا الله في خبره أنه وحده عالم الغيب ( )[النمل: ٦٥].

      وقوله: ( ﯿ ) [الجن: ٢٦- ٢٧].

      وقوله: ( ) [الأنعام: ٥٩].

      وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى عن قوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد». هل هذا الكفر ناقل عن الملة ؟ فأجاب «اختلف أهل العلم فيه، فقيل: إنه لا يخرجه من الإسلام، بل هو من العصاة من أهل الإسلام المتغلظة معاصيهم، وإلا لو كان كافرًا لما قيد الوعيد بأربعين، يعني قوله: «لم تقبل له صلاة أربعين يوما».

      وقيل: إن هذا الحديث من أحاديث الوعيد فيُمَرُ كما جاء، ولا يتعرض له بتأويل، وهذا قول أحمد وعامة السلف؛ لأن ذلك أبلغ في الردع عن الجرائم. فالأول ليس من التأويل، وهو تأدب في المعنى مع اللفظ، والثاني تأدب مع اللفظ، وكلٌ مصيب»43.

      والراجح أن أحاديث الوعيد تُمَرُ كما جاءت، ولا يتعرض لها بتأويل؛ لأن ذلك أبلغ في الردع عن الجرائم.

      وكذلك المنجم والضارب بالحصى والودع، لكن عدم كفر الواحد منهما ما لم يعتقد إباحته، فإن اعتقد إباحته فهو مرتد.

      وخلاصة القول: إن الواجب على كل مسلم أن يحذر من الدجاجلة والكذابين المدعين لعلم الغيب، المفترين على الله، الذين ضلوا في أنفسهم وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل، كالسحرة والكذابين والمنجمين، وقارئي الفناجين، وضاربي الرمل ونحو ذلك ممن يدعون قراءة الكف والأبراج وغيرهم، فلا يستعين بهم في أمر من الأمور، وخاصة الغيبية.

      ٣. الاستعانة بالجن:

      جعل الله بحكمته الباهرة بين الثقلين حواجز، ومخاوف، واختلافًا بين الطبيعتين؛ ليعبد كل منهما ربه كما شرع له، من غير استعانة بالآخر، وإذا ما استعان أحدهما بالآخر ففي حدود ضيقة بما شرع لهما، وبضوابط دقيقة لا يحسنها إلا أهل العلم الراسخون فيه حتى لا يقع منكر، إلا أن الشياطين من الجن والإنس خالفوا أمر ربهم، وقالوا وعملوا ما لم يشرعه لهم، وحرص إبليس وجنوده على هذه المسألة؛ لأنها من أعظم طرقهم في الإضلال والتلبيس.

      ولهذا التجاوز للمشروع حصل كثير من المنكرات العظيمة في هذين البابين، ووقع في الشرك والكفر بسبب هؤلاء الشياطين - وهم كفرة الجن- أو فساقهم أكثر الخلق من قديم الزمان- نسأل الله العافية-كما قال تعالى: ( ﯧﯨ ) [سبأ: ٢٠- ٢١]

      وبتأمل كلام أهل العلم في مسألة الاستعانة بالجن نجد أنها أربعة أنواع، ولكل نوع حكم خاص44:

      النوع الأول: استعانة بالجن تفضي إلى وقوع الشرك الأكبر من أحد الطرفين، وهذا كفر لا نزاع فيه، وهي مثل أن يستعين بهم الإنسي أو يستغيث فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا شرك ممنوع باتفاق المسلمين.

      وعند تفسير قوله تعالى: ( ) [الجن: ٦].

      قال أبو جعفر بن جرير: «يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم، وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا».

      ثم روى عن ابن عباس أنه قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثمًا.

      وروى عن الحسن أنه قال: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه45.

      وقد بين تعالى أن هذه الاستعانة كانت سببًا للخلود في النار، فقال تعالى: ( ﮐﮑ ﮞﮟ ﮨﮩ ) [الأنعام: ١٢٨].

      النوع الثاني: استعانة بهم هي تعاون على الإثم والعدوان لا تصل إلى الكفر، كأن يقدم أي طرف منهما للآخر أي شيء فيه معصية، فهو محرم بالاتفاق أيضًا.

      ومثال هذا النوع، أن يسرق له الجني مالًا، أو يتعاونا على أكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من أنواع الحيل أو غيرها، أو في الفواحش.

      يقول شيخ الإسلام: «وآخرون شر من هؤلاء يستخدمون الجن في أمور محرمة، من الظلم والفواحش، فيقتلون نفوسًا بغير حق، ويعينونهم على ما يطلبونه من الفاحشة، كما يحضرون لهم امرأة أو صبيًا أو يجذبونه إليه. وآخرون يستخدمونهم في الكفر، فهذه الأمور ليست من كرامات الصالحين، وأما استخدامهم في المحرمات فهو حرام»46.

      النوع الثالث: أن يستعين الإنسي بهم على مباحات وبسبب مباح، ولكن استعانة تفضي إلى محرم أو شرك، فهو حرام أيضًا أو شرك أصغر؛ لأن «الوسائل لها حكم المقاصد»، فيمنع من ذلك بناءً على القاعدة المتينة الأصيلة قاعدة «سد الذرائع»، وقواعد درء المفاسد الراجحة أو المساوية للمصلحة، فما أفضى إلى محرم فهو محرم على التحقيق، وإن كان في الأصل مباحًا.

      النوع الرابع: الاستعانة بهم على مباحات، وبأسباب مباحة، ولا يفضي ذلك إلى محرم، وليس ذريعة إليه؛ كالاستعانة بالجن في الرقية والعلاج ونحو ذلك، فهذه التي حصل فيها النزاع بين أهل العلم ما بين مجيز بضوابط47 ومانع48.

      والراجح في هذه المسألة أن الاستعانة بالجن في الرقية والعلاج ونحو ذلك محرمة ويجب المنع منها والتحذير، وعدم التهاون فيها؛ لأنها شديدة الخطورة، وإفضاؤها إلى المحرم قريب، وخاصة في هذه الأزمان، وأما في غير ذلك من المباحات فبالضوابط التي ذكرها المجيزون، ويكون الحكم: إما الكراهة الشديدة، وإما التحريم على القول الآخر.

      وأختم هذه المسألة بقول سيد قطب رحمه الله عند كلامه على قوله تعالى: ( ) [الجن: ١٢].

      فعندما أسلم نفر من الجن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ( ).

      «فهم يعرفون قدرة الله عليهم في الأرض، ويعرفون عجزهم عن الهرب من سلطانه سبحانه والإفلات من قبضته، والفكاك من قدره. فلا هم يعجزون الله وهم في الأرض، ولا هم يعجزونه بالهرب منها. وهو ضعف العبد أمام الرب، وضعف المخلوق أمام الخالق، والشعور بسلطان الله القاهر الغالب. وهؤلاء الجن هم الذين يعوذ بهم رجال من الإنس! وهم الذين يستعين بهم الإنس في الحوائج! وهم الذين جعل المشركون بين الله سبحانه وبينهم نسبًا! وهؤلاء هم يعترفون بعجزهم وقدرة الله، وضعفهم وقوة الله، وانكسارهم وقهر الله، فيصححون، لا لقومهم فحسب بل للمشركين كذلك، حقيقة القوة الإلهية الغالبة على هذا الكون ومن فيه»49.

      ثالثًا: الاستعانة المباحة:

      من الأسباب التي شرع الله الأخذ بها الاستعانة بالمخلوق الحاضر القادر على أمر يقدر عليه، وهذه على حسب المستعان عليه، فإن كانت على بر أو مباح فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين.

      وهذه الاستعانة تكون في الأمور الدينية والدنيوية، فالاستعانة الدينية: كأن يستعين بمن تقدمه في طلب العلم أن يتعلم منه، أو يستعين بالقارئ المتقن أن يضبط له الحروف ويضبط له القراءات، أو يستعين بالمفتي أن يفتي له، أو يستعين بالحاج العالم في مناسك الحج أن يبين له مناسك الحج.

      وأما الاستعانة في الأمور الدنيوية: كأن يقترض قرضًا، أو يأخذ مالًا، أو هبة من أخيه، فهذه الاستعانة تجوز، وليس فيها ثمة شيء.

      والدليل على ذلك عموم قول الله تعالى: ( ) [المائدة:٢].

      فهذه استعانة أباحها الله جل في علاه في كتابه، وأيضًا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»50. وهذه كأنها أمر من النبي صلى الله عليه وسلم.

      وقوله صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء»51. فهذه أيضًا من باب التعاون على البر والتقوى.

      ومما ذكره القرآن من أمثلة على الاستعانة في أمور البر بالحي القادر: ما جاء في قول موسى عليه السلام: ( ) [طه: ٢٩- ٣١].

      قال مقاتل بن سليمان: «( ) يقول: اشدد به ظهري، وليكون عونًا لي، وأشركه في أمري الذي أمرتني به، يتعظون لأمرنا، ونتعاون كلانا جميعًا»52.

      وقال السعدي: «علم عليه الصلاة والسلام أن مدار العبادات كلها والدين على ذكر الله، فسأل الله أن يجعل أخاه معه يتساعدان، ويتعاونان على البر والتقوى، فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل، وغيره من أنواع العبادات»53.

      وقال المراغي: «أي أحكم به قوتي، واجعله شريكي في أمر الرسالة؛ حتى نتعاون على أدائها على الوجه الذي يؤدي إلى أحسن الغايات، ويوصل إلى الغرض على أجمل السبل»54.

      وكذلك ما قصه القرآن عن ذي القرنين.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [الكهف: ٩٣- ٩٥].

      بعد أن ساهم ذو القرنين في نهوض الشعوب البدائية الفقيرة وتنويرها في أقصى الغرب والشرق، توجه بهذا الخير إلى موضعٍ عبر عنه القرآن بأنه بين السدين، منطقة يحيط بها جبلان شاهقان وعران، حيث يتسلل المفسدون من قوم يأجوج ومأجوج إلى البلاد المجاورة، ينهبون ثرواتها ويعيثون فيها فسادًا، فطلب أولئك المستضعفون المنكوبون من ذي القرنين أن يحميهم من أولئك المعتدين، واقترحوا عليه أن يبني سدًا منيعًا يحجزهم، على أن يجمعوا له ما يشاء من أموال وثروات، فقال لهم: ( ﯿ ).

      أجابهم هذا القائد الزاهد والإمام الراشد إلى مطلبهم دون مقابلٍ، فهو صاحب رسالة إصلاح يؤديها في ربوع الكون، فهل يطمح إلى أعراض الدنيا الزائلة أم يجنح إلى هممٍ قاصرة؟ وقد وهبه الله تعالى من العلم والتمكين والفهم والتوفيق ما زاده طاعة وانقيادًا، وعزمًا واجتهادًا؛ في غرس بذور الخير أينما حل.

      «قال ذو القرنين: الذي مكنني في عمل ما سألتموني من السد بينكم وبين هؤلاء القوم ربي، ووطأه لي، وقواني عليه، خيرٌ من جعلكم، وأجرتكم التي تعرضونها علي لبناء ذلك، وأكثر وأطيب، ولكن أعينوني منكم بقوة، أعينوني بفعلة وصناعٍ يحسنون العمل والبناء»55.

      «وهذا تأييد من الله تعالى لذي القرنين في هذه المحاورة؛ فإن القوم لو جمعوا له خرجًا لم يعنه أحد ولوكلوه إلى البنيان، ومعونته بأنفسهم أجمل به وأسرع في انقضاء هذا العمل، وربما أربى ما ذكروه له على الخرج»56.

      ومن صور الاستعانة المباحة في أمور البر التي وردت بها السنة: دعاء الصالح الحي، فقد ثبت في صحيح مسلم أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر، وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن رجلًا يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه، إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم»57.

      وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للعباس عندما وقع الجدب: كنا إذا أجدبنا توسلنا بدعاء نبينا، فقم يا عباس! وادع الله لنا، فقام العباس ودعا58.

      خلاصة القول: إن الاستعانة المباحة هي: استعانة بالآخرين فيما يقدرون عليه، ولابد من ثلاثة شروط فيمن يستعان بهم: أن يكون حيًا حاضرًا قادرًا، فلو تخلف واحد من الثلاثة فهي استعانة شركية محرمة.

    أقسام الناس في الاستعانة

    • الناس في الاستعانة على أقسام، وبيانها فيما يلي59:

      الأول: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها:

      أفضل أنواع الاستعانة وأكملها وأحبها إلى الله: الاستعانة بالله على طاعة الله، وكلما كان المؤمن أشد حبًا لله، ورجاء في فضله، وخوفًا من سخطه وعقابه كان على هذا الأمر أحرص، وعرف أن حاجته إليه أشد.

      والمؤمن مأمور بأن يستعين الله تعالى في جميع شؤونه، حتى في شسع نعله، فإنه إذا لم ييسره الله لم يتيسر.

      وهذا هو دأب الصالحين، ودأب خيار الناس، ودأب الصلحاء من البشر الذين استعانوا بربهم على إقامة الدين، وهؤلاء البشر هم الأنبياء والمرسلون الذين استعانوا بربهم، وأظهروا لنا هذه العبادة الجليلة.

      فهذا خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام كان يقول: ( ﯼﯽ ﯿ ) [هود: ٨٨].

      وأيضًا قال نوح عليه السلام: ( ) [يونس:٧١].

      لا يقول لهم: كفوا عنى أو ابتعدوا عنى، ولا تؤذوني، وإنما يقول لهم: اجمعوا كل ما عندكم أنتم وشركاؤكم، وكيدوني بكل ما تقدرون عليه من كيد ولا تؤخروني لحظة، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن عليكم أمركم غمة، لا تترددوا ( ) لأنه توكل على الله عز وجل ، واستعان بربه سبحانه وتعالى.

      وقال هود عليه السلام مثلها حين قال قومه له: ( ﭗﭘ ﭤﭥ ) [هود: ٥٤ - ٥٥].

      () أي اجتمعوا على كيدي ( ) أي لا تؤخروني ولا تعطوني مهلة، لماذا؟

      ( ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ) [هود: ٥٦].

      سبحان الله! هذا القدر العظيم من التوكل على الله والاستعانة بالله جعله يحثهم -استهتارًا بمكرهم واستهانة بملكهم وتخطيطهم- يحثهم على أن يكيدوا له، وأن يجتمعوا على ذلك؛ لأنه متوكل على من خلقهم ومستعين بمن نواصيهم بيده ( ).

      وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يكون في حياته اليومية أنه يستعين بالله، وكان دائمًا يقول كما في الترمذي بسند صحيح: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»60.

      لذلك فما من نبي وما من صالح إلا قد استعان بالله على طاعة الله.

      وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس هذه المعاني العظيمة في قلوب أصحابه وأمته، فقد قال في الوصية الجامعة لابن عباس: «وإذا استعنت فاستعن بالله»61.

      وقال صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز»62.

      فالحرص على ما ينفع عام في أمور الدين والدنيا.

      والاستعانة بالله تكون بطلب عونه وتأييده وتحقيق ما ينفع.

      والعجز هو ترك بذل السبب مع إمكانه؛ فنهي عنه.

      وقد رتب النبي هذه الكلمات الثلاث ترتيبًا بديعًا لتوافق الحال؛ فإن معرفة المطلوب ومعرفة نفعه والحرص عليه متقدمة على الاستعانة على تحقيقه، وبعده الاستعانة؛ فيطلب العون من ربه على تحقيق ما ينفعه، وأن يهديه لكيفية تحصيله، ثم يبذل الأسباب التي أذن الله بها.

      فالاستعانة بالله لا تعني إهمال الأخذ بالأسباب، ولا التعلق بالأسباب على أنها الفاعلة، إنما القلب يتعلق بالله، والجوارح تعمل بالأسباب التي هيأها الله في الكون.

      وخلاصة القول: إن أفضل الخلق هم الذين أخلصوا العبادة والاستعانة لله تعالى، فحققوا (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الفاتحة: ٥].

      وهؤلاء بأفضل المنازل؛ فإنهم استعانوا بالله تعالى على عبادة الله، وحققوا المعنى الحقيقي للاستعانة، وذلك بأمرين:

      أحدهما: التجاء القلب إلى الله تعالى، والإيمان بأن النفع والضر بيده، وأنه مالك الملك ومدبر الأمر، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سميع عليم وقريب مجيب، فيستعين به راجيًا إعانته.

      والآخر: بذل الأسباب التي هدى الله إليها وبينها، فيبذل في كل مطلوب ما أذن الله تعالى به من الأسباب.

      الثاني: أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة به في مرضاته:

      من الناس من يغلب عليه الاستعانة بالله لتحقيق المطالب الدنيوية حتى تشغله عن المطالب الأخروية، فإن تحقق له ما يطلب من أمور الدنيا فرح به، وإن حرمه ابتلاء واختبارًا جزع وسخط؛ فهذا النوع في قلوبهم عبودية للدنيا، وقد تعجل لهم مطالبهم فتنة لهم، ثم تكون عاقبتهم سيئة؛ فإنهم شابهوا الكفار فيما ذمهم الله به.

      فقال تعالى: ( ﭷﭸ ﭿ ﮄﮅ ) [الإسراء: ١٨- ٢١].

      وقال: ( ﮝﮞ ) [الشورى: ٢٠].

      وقال سبحانه: ( ﭿ ﮍﮎ ) [هود: ١٥- ١٦].

      وأصل بلاء الكفار إيثارهم الحياة الدنيا على الآخرة، كما قال تعالى: ( ) [الأعلى: ١٦- ١٧].

      وقال: ( ﭼﭽ ﭿ ) [إبراهيم: ٢- ٣].

      وقال: ( ) [النازعات: ٣٧- ٣٩].

      فهذا القسم هم الذين استعانوا بربهم، لكن ما استعانوا على العبادة، وإنما استعانوا على رغيف العيش، واستعانوا على الدرهم والدينار، واستعانوا على الدنيا، فهؤلاء ما استعانوا الاستعانة الحقة، فالاستعانة الحقة: أن يستعين بقدرة الله على عبادة الله جل في علاه، والله قد تكفل لهم بهذا الرزق، لكنهم لما جهلوا جهلًا مركبًا قالوا: الاستعانة نأخذ بها على أمر الدنيا لا على أمر الآخرة.

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها)63. فأنت قد تكفل الله لك بالرزق الذي خلقه لك، فانشغل أنت بما خلقت له وهي العبادة.

      الثالث: من له نوع عبادة بلا استعانة، أو باستعانة ناقصة:

      وهم المبتدعة الضالة -وهم أهل عبادة- وهم: القدرية والمعتزلة، فهؤلاء يجتهدون في العبادة لله، لكنهم لا يستعينون بالله على أداء هذه العبادة؛ لأنهم يعتقدون أن الله لا يخلق أفعال العباد، والعبادة أفعال تخرج منهم، وهذه الأفعال هم يخلقونها، لكنهم لا ينكرون فضل الله عليهم كاملًا، فهم يقولون: إن الله خلق لنا آلات نستعين بها على العبادات، كالسمع فنسمع القرآن، ونسمع الأذان فنذهب نصلي، وكالبصر فنقرأ القرآن ونعقل عن الله أوامره، ونقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكالماء خلقه الله لنتوضأ، وكالطعام نستعين به على الطعام، فهم يريدون الاستعانة بأنفسهم، وجعلوا أنفسهم خالقين مع الله تعالى، ولذلك قال بعض علمائنا: إن المعتزلة أصحاب أجرة، يقولون: الجنة لنا بأعمالنا وليست برحمة الله جل في علاه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)64.

      فهؤلاء قد ضلوا في باب الاستعانة، وما حققوا قوله تعالى: ( ) [الفاتحة: ٥].

      فما سددوا وما وفقوا، بل خسروا كثيرًا، ونسأل الله جل وعلا أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.

      وخلاصة القول: إن العباد كلهم مجبولون على الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه في شؤونهم، ولكن حسن الاستعانة والتوكل يختلفان من قلب إلى قلب، ومن شخص إلى شخص، فبقدر قوة الإيمان واليقين عند العبد بقدر ما يقوي عامل الاستعانة بالله، وحسن الظن به، وتسليم الأمر له؛ لعلم القلب بحاجته إلى فضل الله تعالى وتيسير أمره.

    مجالات التعاون بين الخلق

    • مجالات التعاون بين الخلق كثيرة ومتنوعة، منها ما هو مشروع، ومنها ماهو ممنوع محرم، وبيانها فيما يلي:

      أولًا: التعاون المشروع وفوائده:

      من القيم الإنسانية الرائعة والأسس الحضارية الرصينة للمجتمع المسلم التعاون الإنساني، فالتعاون ضرورة من ضرورة الحياة، ولولاه لما استقامت، فالإنسان لا ينهض وحده بكل متطلبات الحياة، بل جعل الله الناس متفاوتين متفاضلين؛ ليكمل بعضهم بعضًا، ويخدم بعضهم بعضًا، هذا على مستوى الأفراد والشعوب، كذلك على مستوى الأمم.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯤﯥ ﯮﯯ ) [الزخرف: ٣٢].

      «( ) أي أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح، ولم نفوض أمرها إليهم، علمًا منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية، ( ) في الرزق وسائر مبادئ المعاش () متفاوتة بحسب القرب والبعد، حسبما تقتضيه الحكمة فمن ضعيفٍ وقوىٍ، وفقير وغنيٍ، وخادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم؛ ( )؛ ليصرف بعضهم بعضًا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم؛ حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى مرافقهم»65.

      ( ﯮﯯ ) «أي ليستعمل بعضهم بعضًا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قومٌ دون آخرين، فجعل البعض محتاجًا إلى البعض؛ لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا وبالعكس، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا لهذا؛ حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى مرافقهم»66.

      «فالناس بحكم هذا الاختلاف القائم بينهم، وبحسب استعدادهم الفطري، وحكم ظروفهم وأحوالهم هم جميعًا مسخرون، أي يخدم بعضهم بعضًا، ليس فيهم خادم ومخدوم، بل كلهم يخدم ويخدم، ويستوي في هذا العالم والجاهل، والزارع، والصانع، والقوي والضعيف، والحاكم والمحكوم، إنهم جميعًا أشبه بالآلة الميكانيكية، لا تكون آلة عاملة، ذات قوة محركة، إلا إذا عمل كل جزء من أجزائها، أيًا كان وضعه فيها، وأيًا كانت قيمته الذاتية بين أجزائها، بل إنهم أشبه بالجسد الإنساني في تجاوب أعضائه جميعًا في العمل على كل ما من شأنه أن يحفظ عليه حياته، ويوفر له أمنه وسعادته»67.

      عن قتادة قال: قال الله تبارك وتعالى: ( ﯜﯝ ﯤﯥ) «فتلقاه ضعيف الحيلة، عيي اللسان، وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، سليط اللسان، وهو مقتور عليه.

      قال الله جل ثناؤه: ( ﯤﯥ) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم، تبارك ربنا وتعالى»68.

      لقد عرف الناس هذه الحقيقة منذ كان لهم وجود اجتماعي، بل إن هذا الوجود الاجتماعي نفسه إنما دعتهم إليه حاجة بعضهم إلى بعض، وخدمة بعضهم لبعض.. وهذا ما يشير إليه المعري بقوله 69:

      والناس بالناس من حضرٍ وباديةٍ

      بعضٌ لبعضٍ، وإن لم يشعروا خدم

      والتعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها.

      يقول ابن خلدون في مقدمته: «الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته، من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك، وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به؛ لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه، والاجتماع المهيء لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به، واتباع صلاح أخراه»70.

      وقال: «قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه، وأنهم متعاونون جميعًا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافًا، فالقوت من الحنطة مثلًا لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه، وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد، ونجار للآلات، وقائم على البقر، وإثارة الأرض، وحصاد السنبل، وسائر مؤن الفلح، وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا، وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت، فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات، فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم»71.

      ولقد دعا القرآن إلى التعاون بين الأفراد والمجتمعات والأمم.

      قال تعالى: ( ﯰﯱ ﯶﯷ ﯹﯺ ) [المائدة: ٢].

      «وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي: ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى ، واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه، وامتنعوا منه»72.

      قال ابن كثير: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم»73.

      وقال الماوردي: «ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته»74.

      وقال السعدي: «فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى»75.

      وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: ( ) فقال: «هو أن تعمل به، وتدعو إليه، وتعين فيه، وتدل عليه»76.

      وقال ابن القيم رحمه الله في تلك الآية: «اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم بعضهم بعضًا، وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونًا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله»77.

      ثم بين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال: «والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علمًا وعملًا، فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائمًا بعضه ببعضه، معينًا بعضه لبعضه»78.

      وهذا الكلام يدل قطعًا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كل منهم؛ ليصبح وظيفة عامة اجتماعية، تكفل العيش لعدد كبير من المجتمع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان، ولا غنى له عنهما، وأن تعاون المجموعة لا ينتج ما يكفيهم فقط، وإنما يزيد ويفيض.

      وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية، فأما بالنسبة للتعاون الشرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير عديدة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فلقد كان يشارك أصحابه مشاركة فعالة في السلم والحرب.

      فعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهو يحفر ونحن ننقل التراب، ويمر بنا، فقال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة)79.

      فالإسلام ينظر للتعامل والعلاقات بين الناس على أنها قائمة على المشاركة والتعاون والتنافس، لا على الصراع كما يصور الماديون من الفلاسفة والحاقدون من المتعصبين، بل الحياة مشاركة وتعاون اجتماعي ودولي، فالتعاون من أجل الصالح للإنسانية، بينما يريدها أعداء الإسلام صراعًا بين البشر، وعراكًا بين الطوائف والأمم، من أجل الاستئثار والانفراد وتحقيق المكاسب المادية، وترويج السلع ونشر الثقافات على حساب الآخرين، وإلحاق الخسائر المادية والأدبية، وهذا لا يتفق مع مبدأ التعاون الإنساني الذي يقوم على أساس مد يد العون للآخرين، وتبادل المنافع ومراعاة المصالح، أما فكرة الصراع فهي فكرة خبيثة أفرزتها المذاهب المادية النفعية، والفلاسفة الماديون أصحاب الأفكار الهدامة والمتناقضة، كهيجل وماركس وغيرهم ممن نفقت مذاهبهم في الغرب.

      فاللبنات المتناثرة هنا وهناك لا قيمة لها، لكن حين يبنى بها جدار متين فترى البنيان مرصوصًا، تدرك أهمية التماسك، ومتانة الترابط، وقوة التعاون.

      قال الله تعالى: ( ) [الصف: ٤].

      وتلك صورة من صور التعاون في حالة الحرب.

      عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك بين أصابعه80.

      فالتعاون من أصول البناء والتواصل الحضاري بين الأفراد وبين الأمم والشعوب.

      ومن أبرز صور التعاون في المجتمع المسلم الأول:

      ما في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (تزوجني الزبير رضي الله عنه، وما له في الأرض من مالٍ، ولا مملوكٍ، ولا شيءٍ غير ناضحٍ، وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جاراتٌ لي من الأنصار، وكن نسوة صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهى مني على ثلثي فرسخٍ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفرٌ من الأنصار، فدعاني، ثم قال: (إخ إخ)؛ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفرٌ من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه.

      قالت: حتى أرسل إلي أبو بكرٍ بعد ذلك بخادمٍ يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني)81.

      وفي هذا الحديث: دليل على ما تحلى به هذا المجتمع النبوي من تراحم وتعاطف وتعاون وتكافل، فالمرأة تقف بجوار زوجها تساعده في حقله، والرجل يساعد المرأة في شؤون البيت، والجارة تكفي جارتها بعض الأعمال، والمجتمع يقف مع المرأة، ويمد لها يد العون، ويراعي ما جبلت عليه من حياءٍ وخجلٍ، والمرأة تراعي مشاعر زوجها، والرجل يشفق على زوجته، والأب يتفقد أحوال ابنته المتزوجة، ويسعى إلى التخفيف عنها ما أمكنه ذلك، نماذج رائعة تتجلى لنا من خلال هذا الحديث: الزوجة الصالحة التي تبذل ما في وسعها؛ لرعاية زوجها وبيتها، وتتجشم الصعاب وتواجه الأعباء بصبرٍ ورضا، فتكافح مع زوجها، وتعمل في البيت والحقل أعمالًا ليست باليسيرة، لكنها تصبر وتحتسب، والجيران الصادقون المتعاونون، وللتعاون بين الجيران أثرٌ عظيم في تخفيف الأعباء وتذليل الصعوبات، والمجتمع الذي تسوده المروءة والشهامة، فيساند البيت المسلم ويدعمه، ويرعاه ويصونه، والزوج الغيور المشفق على أهل بيته، والأب الذي لم تنته مهمته مع ابنته بزواجها، بل يتفقد أحوالها ويسعى لتوفير سبل الراحة لها، وفي هذا الجو الإيماني وجدت المرأة الأمن والأمان، والسعادة والطمأنينة، والحب الصادق: بيت صالح، وزوج كريم، وأب حنون، وجيران صدق، ومجتمع متراحم متعاطف، يا لها من سعادةٍ غامرةٍ وحياةٍ طيبة، وإن كانت صعبةً.

      وبالتعاون والتضامن بنى ذو القرنين أعظم سدٍ في التاريخ.

      قال تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰏﰐ ﭕﭖ ﭜﭝ ) [الكهف: ٩٣ - ٩٧].

      فوائد التعاون المشروع82:

    1. استفادة كل فرد من خبرات وتجارب الأفراد الآخرين في شتى مناحي الحياة.
    2. إظهار القوة والتماسك.
    3. يزيد في الإخلاص في العمل.
    4. تنظيم الوقت وتوفير الجهد.
    5. ثمرة من ثمرات الأخوة الإسلامية.
    6. حماية الفرد، ورفع الظلم عمن وقع عليه.
    7. تقاسم الحمل وتخفيف العبء.
    8. سهولة التصدي لأي أخطار تواجه الإنسان ممن حوله.
    9. سهولة إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقدر عليها الأفراد.
    10. القضاء على الأنانية وحب الذات.
    11. من أهم ركائز النجاح والتفوق.
    12. نيل محبة الله ورضاه وتأييده.
    13. يجعل الفرد يشعر بالسعادة.
    14. إزالة الضغائن والحقد والحسد من القلوب.
    15. مساعدة الفرد على بذل المزيد من الجهد والقوة.
    16. المساعدة على سرعة التنفيذ.
    17. الإسراع من عجلة التطور العلمي والتقدم التكنولوجي.
    18. اكتساب حب الخير للآخرين.
    19. يجدد طاقة الفرد وينشطها ويحقق أكبر الاستثمارات
    20. استغلال الملكات والطاقات المهدرة الاستغلال المناسب لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع.

      ثانيًا: التعاون المحرم وعاقبته:

      بالتعاون تتكامل الجهود و تتآزر على تحقيق الهدف، سواء كان هذا الهدف خيرًا أم شرًا، وتعاون الناس في مجتمع ما على البر والتقوى يتحقق به الخير والصلاح في مجتمعهم، ويكثر ويمتد ويتسع، حتى يشمل مختلف جوانب حياته، بينما ينحسر الشر عنها، ويقل ويتضاءل أو يختفي.

      وينعكس الأمر عندما يتعاون الناس على الإثم والعدوان، إذ ينحسر الخير والصلاح، ويمتد الشر والفساد ويستشري ويتعاظم خطره.

      فما كان لفرعون أن يستبد ويظلم ويطغى لو لم يجد من يتعاون معه على ذلك؛ ولهذا قال تعالى: (ﭿ ) [القصص: ٨].

      وقد نهى الله عباده عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: ( ﯶﯷ ﯹﯺ ) [المائدة: ٢].

      أي لا تتعاونوا على ارتكاب الآثام، ولا على الاعتداء على حدوده، فإن التعاون على الطاعات والخيرات يؤدى إلى السعادة، أما التعاون على ما يغضب الله تعالى فيؤدى إلى الشقاء.

      قال ابن القيم رحمه الله في بيان معنى الإثم والعدوان: «أن كلا منهما (الإثم والعدوان) إذا أفرد تضمن الآخر، فكل إثم عدوان؛ إذ هو فعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر الله به. فهو عدوان على أمره ونهيه، وكذلك كل عدوان إثم؛ فإنه يأثم به صاحبه.

      هذا ولكن عند اقترافهما يكونان شيئين بحسب متعلقهما. فالإثم: ما كان محرم الجنس، كالكذب والزنا وشرب الخمر، ونحو ذلك. والعدوان: ما كان محرم القدر والزيادة. فالعدوان تعدي ما أبيح منه إلى القدر المحرم، كالاعتداء في أخذ الحق ممن هو عليه، إما بأن يتعدى على ماله أو بدنه أو عرضه، فإذا غصبه خشبة لم يرض عوضها إلا داره، وإذا أتلف عليه شيئا أتلف عليه أضعافه، وإذا قال فيه كلمة قال فيه أضعافها، فهذا كله عدوان وتعد للعدل»83.

      وقال القرطبي: «العدوان: تجاوز الحد، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط»84.

      وقال ابن عاشور: «( ﯶﯷ) تأكيد لمضمون ( ) لأن الأمر بالشيء، وإن كان يتضمن النهي عن ضده، فالاهتمام بحكم الضد يقتضي النهي عنه بخصوصه»85.

      وقوله تعالى: ( ﯹﯺ ) تذييل قصد به إنذار الذين يتعاونون على الإثم والعدوان. أي: اتقوا الله- أيها الناس- واخشوه فيما أمركم ونهاكم، فإنه سبحانه شديد العقاب لمن خالف أمره، وانحرف عن طريقه القويم86.

      وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم صورًا من التعاون على الإثم والعدوان، فمن ذلك: ما رواه ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها»87.

      ولعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه88.

      ففي هذه الصور تتكامل الجهود والأدوار بين أطراف متعددة على إحداث فساد أو منكر، وكل طرف ما كان له أن يمارس منكره أو فساده لو لم تتعاون معه الأطراف الأخرى.

      فشارب الخمر محتاج إلى عاصرها ومعتصرها، وهما محتاجان إلى حاملها والمحمولة إليه.

      وفي الصورة الثانية تتكامل أدوار آكل الربا ومؤكله وشاهديه، وكل واحد من هؤلاء مكمل لدور الآخر في إحداث المنكر وإشاعته وتعزيزه.

      فعاصر الخمر لن يعصرها إذا انعدم المعتصر والشارب، والمتعامل بالربا سيتوقف عنه مالم يجد من يتعامل معه به أو يعينه عليه، والمؤسسات الربوية ستغلق أبوابها وتختفي من مجتمعات المسلمين في حال عدم التعامل معها.

      ثم إن صور التعاون على الإثم والعدوان لا تنحصر في هذه الصور؛ لأنه يعم كل تعاون على ظلم أو فساد ومنكر.

      فكل ما نراه من مظاهر وأشكال الظلم والفساد والمنكر في مجتمعات المسلمين وانتشارها وتجذرها ما كان له أن يكون لو لم يكن هناك تعاون على الإثم والعدوان، فلعل الكثير لا يدرك خطورة ما يقوم به من دور أو يقدم من مساعدة قولية أو فعلية في هذا السياق.

      فلابد إذًا من تنبيه المسلمين إلى خطورة التعاون على الإثم والعدوان، وتبصيرهم بصوره وأشكاله، وأن التعاون على الإثم والعدوان منكر من أعظم المنكرات وأخطرها، إذا لم يكن هو أخطرها وأعظمها على الإطلاق.

      إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عد الراضي بالمنكر كفاعله، وشريك له في إثمه، وما يترتب عليه من ظلم وفساد، كما يعتبر المعاون لفاعل المنكر بأي عون قولي أو فعلي مادي أو معنوي شريكًا له في إثمه وظلمه.

      عاقبة التعاون المحرم89:

    1. استحقاق العذاب من الله.
    2. المساعدة في تقلب نظام المجتمع، وفساد الذمم.
    3. فتح أبواب الشر، وطمس معالم الحق ليرتع الباطل.
    4. ينبيء عن خسة صاحبه ودناءة نفسه.
    5. دليل كامل على ضعف الإيمان وقلة المروءة.
    6. يبشر صاحبه بعاقبة وخيمة.
    7. ينبذ صاحبه، ويهمل شأنه إذا كان المجتمع صالحًا.
    8. يساعد على طغيان الحاكم ويرخص له الظلم.
    9. إذا تحقق في مجتمع كان سببًا في خرابه.
    10. ضياع الحقوق، ووصولها لغير أهلها ومستحقيها.

    أثر الاستعانة على الفرد والمجتمع

    1. الاستعانة لها آثار عظيمة على الأفراد والمجتمعات، وهذه الآثار لا حصر لها90، ومن أهمها:

      ١. الاستعانة بالله من مظاهر عبادته وتوحيده.

      فالعبد إذا حقق الاستعانة بالله كان ذلك دليلًا على عبوديته لربه، وتحقيقه المعنى الحقيقي للتوحيد؛ لذلك جمع الله بين العبادة والاستعانة في قوله: ( ) [الفاتحة: ٥]، إشارة إلى هذا المعنى، فقوله: ( ) تبرؤ من الشرك، وقوله: ( ) فيه تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل، فجمع بينهما سبحانه تنبيهًا لعباده إلى كمال التوحيد المطلوب منهم.

      ٢. لزوم الاستعانة سبيل السعادة الأبدية.

      فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.

      والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.

      ٣. صلاح قلبه وسد خلة روحه.

      فالمستعين بالله تعالى تحصل له طمأنينة القلب، وراحة البال، وانشراح الصدر فإنه لا يلقي للدنيا بالًا، ولا يكترث لهمٍ، ولا يعبأ بمخوف، وكيف يكترث لحوادث الأيام ونوائب الدنيا وهو يعلم أن الله معه فيكفيه ما أهمه وغمه.

      فالاستعانة تحتها سرٌ عظيم من أسرار التوحيد، وهو أن القلب لا يستقر ولا يطمئن ولا يسكن إلا بالوصول إلى الله، فمن كانت محبته ورغبته ورهبته وطلبه الله سبحانه، واستعانته به ظفر بنعمته ولذته وبهجته وسعادته أبد الآباد91.

      ٤. الاستعانة بالله تجعل الفرد المسلم وثيق الصلة بربه يجيبه إذا سأله، ويفرج عنه كربه، ويغفر له ذنبه.

      إذا طلب الإنسان عون الله عز وجل، فإن عون الله عز وجل قريب، وبقدر استعانته بالله تكون كفايته وحصول مطلوبه.

      ففي حادثة الإفك92 أن عائشة رضي الله عنها: (لما بلغها ما يقول الناس في عرضها، جعلت تبكي أيامًا وليالي متواصلة، لا يرقأ لها دمع، ولا تجف لها عبرة، حتى أتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبيها رضي الله عنه، فقال: (يا عائشة، إنه قد بلغني ما يقول الناس عنك، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تبارك وتعالى، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه).

      فلم تستطع عائشة أن تجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثقل على قلبها أن تكون محل شكٍ وريبة من صدقها ومن براءتها ومن طهارتها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشارت إلى أبيها، قالت: يا أبت أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبوبكر: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفتت إلى أمها فقالت: يا أم، أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولي شيئًا. قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

      فقالت عائشة: والله إن الله يعلم أني بريئة، وإن قلت لكم: أني بريئة فإنكم لا تصدقوني - وقع في قلوبكم الشك والريبة من كلام الناس الذي سمعتم -. وإن قلت لكم: أني فعلت فإنكم تصدقونني.

      ثم قالت: والله ما حالي وحالكم إلا كما قال أبو يوسف - أي: يعقوب عليه السلام- ونسيت اسمه من وقع الهم والحزن على قلبها-: ( ﮋﮌ ) [يوسف: ١٨]).

      فلم تنته من هذه الكلمات إلا وأنزل الله عز وجل براءتها من فوق سبع سماوات، حينما ذكرت هذه الكلمات، حينما ذكرت استعانتها بالله عز وجل، وأنها ليس لها معين، وليس لها ناصر، ولن يبرئها إلا هو تبارك وتعالى، فما استتمت هذه الكلمات ( ﮋﮌ ) حتى أنزل الله تبارك وتعالى: ( ﭖﭗ ﭠﭡ ﭨﭩ ) [النور: ١١].

      ٥. بالاستعانة بالله يواجه الإنسان الأخطار المحدقة به.

      ٦. شعور المسلم بالقوة؛ لأنه لا يواجه المشاكل وحده، بل معه ربه.

      ٧. نزع شعور العجز من نفسه.

      ٨. الاستعانة بالله سبب محبة الله ورضاه.

      ٩. الاستعانة تذلل الصعاب، وتقوي المرء مع إخوانه على ما لا يستطيعه بمفرده.

      ١٠. الاستعانة المباحة تزيل الضغائن والحقد والحسد من القلوب.

      ١١. الاستعانة بين أفراد المجتمع تحقق معاني الأخوة الإسلامية.

      وما ذكرته ينطبق على الفرد، ولا شك أن الفرد لبنة من لبنات المجتمع، فبصلاحه واستقامته صلاح المجتمع واستقامته، كذلك في أمنه وطمأنينته أمن وطمأنينة للمجتمع، وفي توفيقه وسداده توفيق وسداد للمجتمع.

      موضوعات ذات صلة:

      الاستعاذة، الدعاء، الذكر


1 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٢٢٢، لسان العرب، ابن منظور ٥/٣١٧٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٥/٤٢٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦٣٨.

2 انظر: التوقيف، المناوي ص٤٨، زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٢١٨.

3 مجموع الفتاوى ١/١٠٣.

4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٩٤.

5 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/ ٢٣٣٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٨٠.

6 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/ ٥٦٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ١٨٣، لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٣١٦٢.

7 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١١٤.

8 انظر: الصحاح، الجوهري ١/ ٢٨٩، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ٤٠٠، لسان العرب، ابن منظور ٦/ ٣٣١٢.

9 انظر: الكليات، الكفوي ص١٥٩.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/ ١٣٦، المفردات، الراغب ص ٥٣١.

11 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٧٤.

12 انظر في هذه الحِكَم: تفسير الراغب الأصفهاني ١/ ٣٤٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/ ١٢٤، التفسير المنير، الزحيلي ١/ ١٥٥.

13 انظر في هذه الحكم: مفاتيح الغيب، الرازي ١/ ٢١٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ١٣٤، فتح البيان في مقاصد القرآن، القنوجي ١/ ٤٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي ١/ ٧، الوسيط، طنطاوي ١/ ٢١.

14 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/ ١٧٧، وانظر: الوسيط، طنطاوي ١/ ٢١.

15 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ١٣٤.

16 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩.

17 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٩٤.

18 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/ ١٧٥.

19 مجموع الفتاوى ١٠/٤٥٦.

20 جامع العلوم والحكم ص١٨٢ بتصرف.

21 مجموع الفتاوى ٨/٧٦.

22 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٢٥ بتصرف.

23 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب أبواب فضائل القرآن. باب في الاستغفار، رقم ١٥٢٢، ٢/٨٦.

وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

24 الفوائد، ابن القيم ص٢٠٢.

25 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٧٧، ٤/١٤٩٤.

26 فتح الرحيم، السعدي ص١١٧.

27 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/ ٣٤٢.

28 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٤٧٢.

29 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/ ١٧٥.

30 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/ ١٩٦.

31 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٣٢٩٧، ٣٨/٣٣٠، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، رقم ١٣١٩، ٢/٣٥.

وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

32 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٥٣.

33 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ٥٩، رقم ٢٥١٦، ٤/٦٦٧.

وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

34 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٠٢.

35 انظر: المجالسة، الدينوري، رقم ٧٢٧.

36 فقد ورد عن بريدة،رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية».

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، رقم ٩٧٥، ٢/٦٧١

37 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٣٥٣.

38 أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب التوحيد. باب قول الله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا)، رقم ٧٣٧٩، ٩/١١٦.

39 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٠/٢٣١-٢٣٢، فتح الباري، ابن حجر ١٠/٢١٧.

40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، رقم ٢٢٣٠، ٤/١٧٥١.

41 أخرجه البزار في مسند، ٩/٥٢.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٥/٢٢٨.

42 انظر: شرح السنة، البغوي ١٢/١٨٣، مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٣٥/١٩٢.

43 مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ١/١٦٤.

44 انظر في هذه الأنواع: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ١٣/٩١-٩٢، ١١/٣٠٧.

45 جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٢٢.

46 النبوات، ابن تيمية ص١٢٥.

47 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ١١/٣٠٧، المدخل، ابن بدران ص٤٣٨، القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ٢/٥٠.

48 انظر: الأحكام السلطانية، أبو يعلى الفراء ص٣٠٨، المغني، ابن قدامة ١٢/٣٠٤.

49 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٧٣٢.

50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة، رقم ٢١٩٩، ٤/١٧٢٦.

51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، رقم ١٤٣٢، ٢/١١٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام، رقم ٢٦٢٧، ٤/٢٠٢٦.

52 تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٦.

53 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٠٤.

54 تفسير المراغي ١٦/ ١٠٧.

55 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١١٣.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٦٠.

57 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل أويس القرني، رقم ٢٥٤٢، ٤/١٩٦٨.

58 انظر: المجالسة، الدينوري، رقم ٧٢٧.

59 انظر في هذه الأقسام: مدارج السالكين ١/ ٩٠- ٩٤.

60 سبق تخريجه.

61 سبق تخريجه.

62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم ٢٦٦٤، ٤/٢٠٥٢.

63 أخرجه الشافعي في مسنده ص٢٣٣.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٦/٨٦٥.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم ٥٦٧٣، ٧/١٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، رقم ٢٨١٦، ٤/٢١٦٩.

65 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٤٦.

66 الأنوار الساطعات لآيات جامعات، عبدالعزيز السلمان ص٤٩٧.

67 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٣٧٥.

68 جامع البيان، الطبري ٢١/٥٩٥.

69 انظر: ديوان أبي العلاء المعري ١/١٢٠٣.

70 مقدمة ابن خلدون ص٤٢٩ .

71 المصدر السابق ص٣٦٠.

72 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٤٦.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ١٢.

74 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص١٨٢.

75 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٤١.

76 حلية الأولياء، الأصفهاني ٧ /٢٨٤

77 الرسالة التبوكية، ابن القيم ص٦- ٧ .

78 المصدر السابق ص ١٣ .

79 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم ٦٠٥١.

80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم، رقم ٢٣١٤، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ٢٥٨٥.

81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغيرة، رقم ٤٩٢٦، ٣/٤٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، رقم ٢١٨٢، ٤/ ١٧١٦.

82 انظر: موسوعة الأخلاق الإسلامية، الخراز ص١٣٢، نضرة النعيم، مجموعة باحثين ٣/١٠٢٧.

83 التفسير القيم، ابن القيم ص٢٢٨.

84 الجامع لأحكام القرآن، ٥/ ١٠٣.

85 التحرير والتنوير ٦/٨٨.

86 الوسيط، طنطاوي ٤/٣٣.

87 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٩٠٠، ٣/٢٧٨.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٤٩٤.

88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله، رقم ١٥٩٨، ٣/١٢١٩.

89 انظر: نضرة النعيم، مجموعة باحثين ٩/٤٢٠٧.

90 انظر: المصدر السابق ٢/٢٤٠.

91 انظر: الفوائد، ابن القيم ص٢٠٢.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا، رقم ٢٦٦١، ٣/١٧٣، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، رقم ٢٧٧٠، ٤/٢١٢٩.