عناصر الموضوع

مفهوم الاستطاعة

الاستطاعة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الاستطاعة شرط التكليف

أنواع الاستطاعة

عدم الانتفاع بأدوات الاستطاعة

نفي الاستطاعة عما يعبد من دون الله

الاستطاعة

مفهوم الاستطاعة

أولًا: المعنى اللغوي:

طوع: الطاء والواو والعين أصل صحيح واحد يدل على الإصحاب والانقياد، يقال: طاعه يطوعه، إذا انقاد معه ومضى لأمره، وأطاعه بمعنى طاع له، والاستطاعة مشتقة من الطوع، كأنها كانت في الأصل الاستطواع، فلما أسقطت الواو جعلت الهاء بدلًا منها، واسطاعه وأسطاعه واستاعه وأستاعه: أطاقه، فاستطاع على قياس التصريف، وأما اسطاع - موصولة - فعلى حذف التاء لمقاربتها الطاء في المخرج فاستخف بحذفه، والاستطاعة القدرة على الشيء1 .

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الراغب: «اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل، وهي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل، وتصور للفعل، ومادة قابلة لتأثيره، وآلة إن كان الفعل آليًا، كالكتابة، فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة، ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة»2.

الاستطاعة: «هي عرض يخلقه الله تعالى في الحيوان، يفعل به الأفعال الاختيارية»3.

الاستطاعة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (طوع) في القرآن (١٢٩) مرة، يخص موضوع البحث منها (٤٢) مرة4.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٥

( ) [الكهف:٩٧]

الفعل المضارع

٢٧

( ) [النساء:١٢٩]

وجاءت الاستطاعة في الاستعمال القرآني بمعناها في اللغة: الإطاقة ووجود ما يصير به الفعل متأتيًا؛ سواء تعلق ذلك بالقدرة القلبية أو البدنية أو المالية أو غيرها من المعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل5.

الألفاظ ذات الصلة

القدرة:

القدرة لغة:

الطاقة والقوة على الشيء والتمكن منه، والغنى والثراء، يقال: رجل ذو قدرة ذو يسار وغنى6.

القدرة اصطلاحًا:

«هي الصفة التي تمكن الحي من الفعل وتركه بالإرادة، والقدرة: صفة تؤثر على قوة الإرادة»7.

الصلة بين الاستطاعة والقدرة:

الاستطاعة أخص من القدرة، فكل قادر مستطيع، وليس كل مستطيع قادرًا، ولهذا لا يوصف الله عز وجل بالاستطاعة؛ لكون القدرة أعم من الاستطاعة8.

الوسع:

الوسع لغةً:

و س ع: (وسعه) الشيء بالكسر يسعه (سعة) بالفتح، و (الوسع) و(السعة) بالفتح الجدة والطاقة جدة الرجل، أي على قدر سعته لا يدخر وسعًا: يفعل أقصى ما يقدر عليه9.

الوسع اصطلاحًا:

الوسع وهو «قدر ما تسع له القوة، وهو بمنزلة الطاقة، وهو نهاية مقدور القادر، ولا يصح ذلك إلا لله تعالى»10.

قال الزمخشري: «إن الوسع هو ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، ولا يحرج فيه، فالله لا يكلف النفس إلا ما يتسع فيه طوقها، وتيسير عليها دون مدى غاية الطاقة والمجهود، فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلي أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من شهر ويحج أكثر من حجة»11.

الصلة بين الاستطاعة والوسع:

الوسع أخص من الاستطاعة، فالوسع ما يستطيع المرء فعله بلا مشقة12، قال تعالى: ( )[البقرة: ٢٨٦ ].

الإطاقة:

الإطاقة لغة:

هي القدرة على عمل الشيء13.

الإطاقة اصطلاحًا:

هي القدرة على الاحتمال14.

الصلة بين الاستطاعة والإطاقة:

لم يفرق علماء اللغة بين الإطاقة والاستطاعة وعند تعريفهم للإطاقة كانت بمعنى الاستطاعة15، أما في العرف فتطلق الاستطاعة للإنسان خاصة، والإطاقة تكون عامة للإنسان والحيوان والجماد16 .

العجز:

العجز لغة:

العجز، الضعف، و أصله التأخر عن الشيء، وحصوله عند عجز الأمر، أي: مؤخره كما ذكر في الدبر، وعجز عن الأمر، يعجز عجزًا وعجوزًا وعجزانًا، فهو عاجز17.

العجز اصطلاحًا:

القصور عن فعل الشيء وعدم القدرة18.

الصلة بين الاستطاعة والعجز:

العجز هو نقيض الاستطاعة.

الاستطاعة شرط التكليف

لقد كلفنا الشرع الحكيم بالعديد من التكاليف، وأعطانا سبحانه وتعالى القدرة على القيام بها، فهناك أشياء نحن مجبرون عليها لا اختيار لنا بها، مثل: الأرزاق والصحة، ومثل: عمل أجهزة الجسم، فالقلب مثلًا نحن لا نستطيع إيقافه وتشغيله متى نشاء، فهذه أمور بيد الله وحده.

أما التكاليف التي فرضت علينا من أوامر ونواهٍ فقد جعل سبحانه وتعالى فينا القدرة والاستطاعة على فعلها.

فالاستطاعة هي مناط التكليف بواجبات الشريعة بعد العقل والعلم، فالعاقل العالم بالحكم الشرعي لا يجب عليه الفعل إلا إذا كان مستطيعًا قادرًا عليه19.

فالاستطاعة التي هي مناط التكليف، وحدها قدر المستطاع وهي المذكورة في قوله تعالى: ( ﯕﯖ) [آل عمران: ٩٧]20.

قال تعالى: ( ﮡﮢ ﮨﮩ ) [المجادلة: ٤].

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب)21.

فبين الله سبحانه وتعالى المقدار الذي كلف البشرية به، هو الاستطاعة الدائمة، فنحن لا نكلف إلا المستطاع الذي لا يشق أداؤه، وهذا هو المعنى الذي يتفق مع الحقائق الإسلامية والسنن المروية الثابتة، وإن أفضل الأعمال في الإسلام ما يدوم، وما يمكن أن يستمر الشخص عليه من غير إجهاد ومشقة.

فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل) وقال: (تكلفوا من الأعمال ما تطيقون)22.

وذلك لا يكون إلا في دائرة المستطاع.

فالحج فريضة على كل مسلم ولكن ليس أي مسلم، فليس كل عالم بفريضة الحج يجب عليه أداؤه إلا المستطيع، فالاستطاعة شرط أساسي للحج، وكذلك بقية واجبات الدين ومنها الجهاد والصيام.

ومن الأدلة العامة في ذلك قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٨٦].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)23.

فإن لم يستطع المسلم سقط عنه الواجب، ومنه قاعدة (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة).

لكن إن كان الواجب المعجوز عنه له بدل وجب الانتقال إلى بدله؛ فإن لم يكن له بدل سقط، وإن عجز عن بدله سقط، مثال ذلك: إذا عجز عن الطهارة بالماء سقط عنه وجوب التطهر بالماء، لكن ينتقل إلى التيمم؛ فإن عجز سقط التيمم أيضًا24.

وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون)25.

ومن المعلوم أن الله عز وجل لا يكلف ما لا يطاق؛ لأن هناك من هو عاجز لا يقوى على أداء التكليف، فلا يكلف المقعد بأن يصلي قائمًا، ولا يكلف المريض بالصيام، ولا يكلف الأعمى بالجهاد والقتال، لخروج ذلك عن المقدور.

فالاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع، ألفاظ متقاربة، وقال البعض: إن الاستطاعة مع الفعل أو قبله، والصواب أنها نوعان: نوع قبله وهو المصححة للتكليف التي هي شرط فيه، ونوع مقارن له، فليست شرطًا في التكليف وهو قول عامة أهل السنة، وهو الوسط26.

وشرط الاستطاعة وجودها حقيقة لا حكمًا، والمقصود بوجودها حقيقة: وجود القدرة على الفعل من غير تعسر، ومعنى وجودها حكمًا القدرة على الأداء بتعسر27.

والذي قاله عامة أهل السنة أن للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي وإلا لكانت أوامر الله عز وجل ونهيه لا طائل منها تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

وأما الاستطاعة التي تتقدم الأفعال هي القدرة المذكورة في قوله تعالى: ( ﯕﯖ ) [آل عمران: ٩٧].وهي مناط التكليف.

فأوجب الحج على المستطيع، فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا على من حج، ولم يعاقب أحدًا على ترك الحج! وهذا خلاف المعلوم بالضرورة من دين الإسلام.

وكذلك قوله تعالى: ( ) [التغابن: ١٦].

فأوجب التقوى بحسب الاستطاعة، فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى، لم يكن قد أوجب التقوى إلا على من اتقى، ولم يعاقب من لم يتق! وهذا معلوم الفساد28.

والنوع الثاني: الاستطاعة التي تكون مع الفعل، ويكون بها الفعل، فهذه ليست مناطًا للتكليف؛ بل يمنحها الله لمن يشاء، وهي التي تحصل بالتوفيق والهداية الخاصة، وهي المنفية عن الكفار في مثل قوله تعالى: ( ) [هود: ٢٠].

وقوله تعالى: ( ﭿ ) [الكهف: ١٠٠ - ١٠١]29.

وعدم الاستطاعة هنا ليس بظلم لهم بل هي قمة العدل، إن القرآن العظيم بين أن هذا الطبع وهذا الختم والإزاغة عن الحق لا يأتي الإنسان إلا بسبب ذنب من ذنوبه، فهو جزاء وفاق على بعض الذنوب، فالعبد إذا سارع إلى الكفر، وتكذيب الرسل - عليهم السلام- وإلى ما يغضب الله عاقبه بأن زاده ضلالًا فوق ضلاله، وظلامًا على ظلامه، وجاءه هذا الطبع بسبب كفره وبغيه وتمرده على الله عز وجل30.

فالشرع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى توابع هذه الاستطاعة، فإن كان الفعل ممكنًا مع مفسدة راجحة وضرر محتمل لم تكن هذه استطاعة شرعية، كالذي يقدر على الحج مع ضرر يلحقه في بدنه أو ماله، أو يصلي قائمًا مع زيادة مرضه، فإن كان الشارع قد اعتبر في المكنة عدم المفسدة الراجحة، فكيف يكلف مع العجز؟!31.

وبهذا ندرك أن الله عز وجل الذي خلقنا أعلم بقدرتنا ومدى استطاعتنا على القيام بالتكاليف التي أمرنا بها، فهو عز وجل لم يكلفنا بما هو فوق طاقتنا، ولم يأمرنا بشيء لا نستطيع القيام به، فجعل سبحانه للتكاليف التي أمرنا بها حدًا معينًا وهي الاستطاعة، وإذا صدر التكليف حين الاستطاعة ثم فقدت هذه الاستطاعة حين الأداء، أوقف هذا التكليف إلى حين الاستطاعة.

إذن هناك استطاعتان: الاستطاعة المشترطة للفعل، وهي الاستطاعة الشرعية وهي التي عليها مناط الأمر والنهي، والثواب، والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء، وهي الغالبة في عرف الناس.

أما الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له هي الاستطاعة الكونية، وهي التي عليها مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل.

ونستدل من الآيات السابقة:

  1. هناك أمور لا خيار لنا فيها مثل الصحة والرزق.
  2. الاستطاعة أوجدها الله عز وجل في كل مسلم حسب قدراته لتأدية الأوامر الشرعية.
  3. إن شرعنا الحكيم ييسر على العباد، ويريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وما جعل علينا في الدين من حرج، والمريض قد يستطيع القيام مع زيادة المرض وتأخر برئه، فهذا في الشرع غير مستطيع، لأجل حصول الضرر عليه، وإن كان قد يسمى مستطيعًا.

أنواع الاستطاعة

  1. من فضل الله عز وجل على عباده أنه جعلهم قادرين على أداء التكاليف التي كلفوا فيها، وجعل فيهم الاستطاعة على أدائها، وعذر من لم يستطع القيام بها، فإن الله عز وجل لم يكلفنا ما لا طاقة لنا به ( ﯜﯝ ﯣﯤ ) [البقرة: ٢٨٦].

    وتتنوع الاستطاعة وتختلف أيضًا من شخص لآخر كل حسب استطاعته، والاستطاعة أنواع: استطاعة قلبية، واستطاعة بدنية، وأخرى مالية.

    أولًا: الاستطاعة القلبية:

    إن الذي يتحكم فيما يحققه الإنسان، ومدى إقباله على الشيء أو إدباره منه شيء واحد وهو الاستطاعة القلبية، وهي الاستطاعة النابعة من الذات فإن بها يتميز الناس في سلوكهم و مع الله -سبحانه وتعالى- وعبادتهم له عز وجل، وإن الشارع الحكيم لم يحمل الناس على شيء خارج قدرتهم واستطاعتهم خصوصًا في بعض الأمور، مثل: الجهاد مع الأعداء والجهاد مع النفس والصبر والعدل وغير ذلك.

    ففي جهاد الأعداء يقول تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٠].

    لقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة هنا بالقدرة على الرمي32.

    ولكن الجهاد أيضًا يحتاج إلى الاستعداد النفسي، فالجهاد والموت في سبيل الله، وترك الأهل والدنيا بملذاتها، يحتاج إلى قدرة كبيرة لفعل ذلك، وهذه القدرة متباينة من شخص لآخر؛ لذلك قال تعالى: (ما استطعتم) فكلٌ حسب طاقته وقدرته القلبية.

    وكان لنا في سيدنا عثمان بن عفان أسوة حسنة في قدرته على التخلي عن الغالي والنفيس في سبيل الله، وترك كل أمواله تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشد الأوقات صعوبة33.

    والتضحية بالروح أيضًا قدرات تتفاوت من شخص لآخر فكل حسب استطاعته.

    وفي الجهاد مع النفس يقول تعالى: ( ﮯﮰ ) [التغابن: ١٦].

    فجاءت هذه الآية موضحة لقوله تعالى: ( ) [آل عمران:١٠٢].

    حيث إن فيها تخفيفًا ويسرًا على العباد، وإن جهاد النفس له درجات، لذا لم يقع التحديد بهذا القياس بل وقع التحديد بالاستطاعة34.

    عن السدي قال: ( ) [آل عمران:١٠٢]. فلم يطق الناس هذا، فنسخه الله عنهم، فقال: ( ) [التغابن: ١٦]35.

    وفي رأي آخر: هي محكمة لا نسخ فيها، قال ابن عباس: «قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٠٢] أنها لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم»36.

    والراجح أنه لا نسخ فيها حيث إن الآية الثانية موضحة وشارحة للأولى ولا تعارض في فهمها.

    إن البشر لا بد أن يؤخذوا بالتدرج في أمورهم كلها، فهم لا يستطيعون الامتناع فجأة عما ألفوا، ولا الامتثال الفوري لما لم يعتادوا، لذلك كانت حكمة الله عز وجل في التدرج في الأحكام الشرعية حتى يتعدى القلب وينفذ بكل خضوع لأوامره سبحانه وتعالى، ومثال ذلك: التدرج في تحريم الخمر؛ إذ نزل على أربع مراحل، وكذلك التدرج في فرض الصلاة والصيام، وكان على مراحل أيضًا.

    ولعلمه عز وجل بطبيعة من خلق من البشر، وحكمته في التشريع لهم؛ شرع للفرائض البدنية مقدمات تكون قبلها إذا حافظ المكلف عليها فإنها تهيئ قلبه وتعينه عليها، وتجعله يشعر بلذة العبادة؛ ذلك أن القلوب والأبدان تحتاج إلى ترويض وتدريب على فعل الطاعات، والبعد عن المحرمات، وينبغي تهيئتها لذلك حتى تجد لذة في الامتثال؛ ولئلا يكون فعل الطاعة أو الكف عن المحرم ثقيلًا عليها.

    ففي الصلاة شرع الله تعالى الوضوء، وجعله شرطًا لها، وشرع التبكير إلى المسجد، والمشي إليه بسكينة ووقار، والدنو من الإمام، وجعل ذلك من سننها، بل يحسب ذلك صلاة له، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)37.

    كل هذه الأعمال لأجل أن تكون لدى المصلي الاستطاعة القلبية لأداء الصلاة بخشوع وطمأنينة.

    وفي نسك الحج والعمرة يتهيأ المسلم قبل أداء هذه المناسك ليستطيع قلبه التلذذ بهذه الشعائر وذلك عن طريق السفر الطويل، واتخاذ ملابس أخرى للنسك غير ملابسه التي اعتاد عليها، ويلبي في الميقات، ويستمر مهللًا في طريقه إلى مكة، فلا يدخلها إلا وقد تهيأ قلبه لأداء نسكه، وامتلأ خشوعًا وشوقًا لبيت الله الحرام.

    إن كل عمل يريد صاحبه أن يحقق نجاحًا فيه فإنه يحتاج إلى قناعة به، واستعداد نفسي له، وقدرة قلبية وجسدية على تحقيقه، والتهيئة النفسية والذهنية والجسدية للعمل الصالح في رمضان قبل دخوله سبب لقوة العزم، والجد في استثمار رمضان، والاجتهاد في أنواع الطاعات.

    لذا كان الصيام في شهر شعبان مقدمة تهيئ المكلف لصيام رمضان، فلا يدخل عليه رمضان إلا وقد روض نفسه على الكف عن الحرام، وألف الصيام والقرآن وكثرة الذكر والصلاة، فيستشعر حينها عظمة هذه العبادة، وذلك لأن القلوب قد تهيأت فلا تصاب بالملل والتعب من هذه العبادة 38.

    والعدل من الأمور التي تحتاج إلى استطاعة قلبية لتحقيقه على أرض الواقع، وهذه الاستطاعة ليس لها حد معين، فلكل شخص حده الذي يستطيع الإتيان به، ومثال ذلك قوله تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ ﮀﮁ ) [النساء: ١٢٩].

    الحديث في هذه الآية عن زواج التعدد فقد نفى الله عز وجل الاستطاعة في العدل من قبل الرجل، فلابد أن يميل قلبه لواحدة دون الأخرى و إذا تحول قلب الرجل عن المرأة لا يعطيها حقها في الفراش، هذا معنى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا)، المقصود به المحبة القلبية والفراش؛ لأن هذا فرع على عمل القلب، فالإنسان إذا كره بقلبه لا يمكن للجوارح أن تأتي بخلاف ما في القلب لكن المطلوب العدل في القسمة والنفقة وهذا في المستطاع وليس للقلب علاقة به39.

    فعدم الاستطاعة المقصود بها هنا العجز القلبي، وشيء طبيعي جدًا أن الإنسان لا يسأل عن هذا العجز القلبي؛ لأن التسوية في المحبة وميل القلب ليست بمقدور الإنسان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)40.

    إن كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم فما هو حال عامة البشر فهذا دليل على استيلاء النقص والقصور على جملة البشر، والقلوب ليست بأيدينا، إنما هي بيد الرحمن عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء).

    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)41.

    والاستطاعة القلبية مطلوبة من الداعية إلى الله عز وجل في معترك الحياة الدعوية، حيث يجب أن تكون له قدرة على الصبر على مشاق الدعوة وصعوباتها وألا يستسلم بسهولة ويأتي منها قدر استطاعته.

    وها هو سيدنا شعب عليه السلام يقول لقومه: ( ﯰﯱ ﯷﯸ) [هود: ٨٨].

    أي: بقدر طاقته، إبلاغهم وإنذارهم، فهو عليه السلام ليس قادرًا على إجبارهم على الطاعة ولا يريد إلا فعل الصلاح ما استطاع فهو بشر وله حد لطاقته وتحمله مشاق هذه الدعوة العظيمة42.

    قال القرطبي في هذه الآية: «أي: ما أريد إلا فعل الصلاح، أي: أن تصلحوا دنياكم بالعدل وآخرتكم بالعبادة، وقال: ( ) لأن الاستطاعة من شروط الفعل دون الإرادة. و «ما» مصدرية، أي: إن أريد إلا الإصلاح جهدي واستطاعتي»43.

    والصبر خلق عظيم وهو من صفات الأنبياء عليهم السلام وهو يحتاج إلى استطاعة قلبية على التحمل والتجمل به في كل جوانب الحياة، سواء كان الصبر على الطاعة أو الصبر على المعصية.

    وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر لدليل على أن التعلم يحتاج إلى الصبر الذي يحتاج بدوره إلى استطاعة قلبية لممارسته، حيث طلب موسى عليه السلام اتباع الخضر للتعلم منه فما كان رد الخضر: ( ) [الكهف: ٦٧].

    يريد أنه يرى منه أمورًا لا يقره عليها والخضر لابد من أن يفعلها، فيتضايق موسى لذلك ولا يطيق الصبر، وعلل له عدم استطاعته الصبر بقوله: ( ) [الكهف: ٦٨].

    قال الخضر لموسى إنك يا موسى إذا اتبعتني ورافقتني، فلن تستطيع معي صبرًا، بأي وجه من الوجوه؛ لأن الصبر على المجهول من الصعب بمكان44.

    وفعلًا لم يصبر سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم على أفعال العبد الصالح .

    فكان في كل مرة ينبهه لما قاله له سابقًا ( ) [الكهف: ٧٢].

    ( ) [الكهف:٧٥].

    ثانيًا: الاستطاعة البدنية:

    هي سلامة الجسد عن الآفات المانعة من التكليف، والمراد منها استطاعة التكليف: وهي سلامة الأسباب ووسائل الوصول لتحقيق التكليف45.

    وهي مشترطةٌ في وجوب الواجبات البدنية، كوجوب الطهارة، وأداء الصلاة على الوجه الأكمل، وفي الصوم، وفي الحج، وفي النذر البدني كالصلاة والصوم، وفي الكفارات البدنية كالصيام، وفي النكاح، وفي الحضانة، وفي الجهاد‏.

    قال تعالى: ( ﮥﮦ ﮪﮫ ﯕﯖ ) [آل عمران: ٩٧].

    أجمع العلماء على أن الاستطاعة البدنية شرط لوجوب العبادات، فالقيام للصلاة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به للمستطيع، أما المريض الذي لا يقدر على القيام فيسقط عنه هذا الركن ويستطيع الصلاة وهو جالس فإن لم يستطع وهو مضجع فالدين الإسلامي دين يسر.

    والحج فريضة واجبة على المسلمين لمن استطاع، وفسر علماء الأمة على أن الاستطاعة هنا استطاعة مالية واستطاعة بدنية46.

    عن ابن عباس رضي الله عنه (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)، وذلك في حجة الوداع47.

    قال الشافعي رحمه الله أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة الخثعمية بالحج عن أبيها، دلت على أن قول الله عز وجل: ( ﯕﯖ) [آل عمران: ٩٧].

    على معنيين:

    الأول: أن يستطيع الحج بنفسه وماله.

    والثاني: أن يعجز عنه بنفسه بسبب أمر عارض كالكبر، أو المرض، أو إعاقة جسدية لا يقدر معها على الثبوت على المركب والسفر، ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج نيابة عنه، إما بمقابل شيء يعطيه إياه وهو قادر على ذلك، وإما بغير شيء وهذه إحدى الاستطاعتين48.

    واختلف العلماء في قوله تعالى: ( ﯕﯖ) [آل عمران: ٩٧].

    فقالت طائفة: الآية على العموم؛ إذ لا نعلم خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا إجماعًا لأهل العلم يوجب أن نستثني من ظاهر الآية، فعلى كل مستطيع الحج يجد إليه السبيل بأي وجه كانت الاستطاعة الحج على ظاهر الآية49.

    وقال بعض العلماء: إن الاستطاعة هي صحة وقوة الجسد50.

    وفي سياق قصة يأجوج مأجوج كان هناك حديثٌ عن الاستطاعة البدنية حيث لم يستطيعوا تسلق الجدار ولا نقبه من أسفل.

    قال الله تعالى: ( ) [الكهف: ٩٧].

    هذا السد الذي تم بناؤه بمساعدة مجموعة من الضعفاء، وكان بناء هذا السد بصورة قوية تحدت طاقة العدوان في كل من يأجوج ومأجوج، وقد حاول كل منهما أن يصعد فوق السد ليتغلب عليه، ولكنه كان فوق طاقة كل منهما فلم يستطيعا اختراقه51.

    ولكن سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه يأجوج ومأجوج من اختراقه، كما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فعن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بأصبعيه السبابة والإبهام)، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث)52.

    والصوم يحتاج الى استطاعة بدنية كي يستطيع الإنسان الاستمرار بالصيام دون أن يكون هناك مشقة أو ضرر يمسه، فإن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والصيام استطاعة بدنية محضة.

    قال الله تعالى: ( ﮨﮩ) [المجادلة:٤].

    أي: من لم يستطع صوم الشهرين الذي هو استطاعة بدنية لعذر من الأعذار فليطعم ستين مسكينًا.

    وقال تعالى: ( ﭳﭴ ﭿﮀ ﮆﮇ ﮍﮎ ﮒﮓ )[البقرة: ١٨٤].

    اختلف علماء المسلمين في هذه الآية بين نسخ وعدمه، فقيل: إن الآية تتحدث عن المريض الذي يقع عليه اسم المرض وهو يستطيع الصوم خُيِر بين الصيام وبين أن يفطر ويفتدي ثم نسخ.

    وذهب جماعة منهم: أن الآية محكمة غير منسوخة، ومعناها وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب، ثم عجزوا عنه عند الكبر فعليهم الفدية بدل الصوم53.

    قال بعض المفسرين: إنها ليست بمنسوخة والمقصود هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا، والفدية والجزاء هو القدر الذي يبذله الإنسان، يقي به نفسه من تقصير وقع منه في عبادة ونحوها، ويجب على من أفطر في رمضان ولم يقدر على القضاء، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أن يطعم مكان كل يوم مسكينًا مدًا من غالب قوت أهل البلد54.

    وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية قوله تعالى: ( ﮆﮇ) [البقرة: ١٨٤].

    في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينًا55.

    فمعنى يطيقونه: يتحملونه بمشقة كبيرة إما لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه56.

    فعلى تفسير الإطاقة بالجهد فالآية مراد منها الرخصة على من تشتد عليه مشقة الصوم في الإفطار والفدية، وقد سموا من هؤلاء: الشيخ الهرم، والمرأة المرضع، والحامل، فهؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم يفطرونه؛ لأن الصوم شاق عليهم57.

    وللمريض حالتان: إن كان لا يستطيع الصوم كان الإفطار له عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وإن الله يحب الأخذ بالرخص، وبهذا قال الجمهور58.

    حين طلب بنو اسرائيل من نبيهم ملكًا يقاتلون تحت إمرته، بعث الله عز وجل لهم طالوت، وسار بهم بجانب النهر طلب منهم ألا يشربوا منه، باستثناء غرفة باليد، أطاعه عدد وعصيه الأغلب؛ لأن الطاقة الجسدية لديهم لم تتحمل الجوع والعطش والتعب، فكانوا فريقين فريق تحمل واستطاع تنفيذ الأمر، وفريق لم يستطع، ولما جاوز طالوت النهر وتركه هو والذين آمنوا معه، وهم القليل الذي نفذ أمره، وصدق إيمانهم بربهم، ونظروا إلى كثرة عدوهم وهم قليلون فأوجس بعضهم خيفة، وقالوا: لا قدرة لنا على محاربتهم، فضلًا عن غلبتهم59.

    قال الله تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

    وإن كان القائلون من المؤمنين معه، المنفذين لأمره في اغتراف الغرفة الواحدة من النهر، إلا أنهم قالوه إنما إظهارًا لواقع الحال، ورجاء المعونة من الله عز وجل، وليس نكوصًا وامتناعًا عن القتال60.

    ورأي آخر أنهم قالوه خيفة وجبنًا بعدما رأوا عدد وقوة العدو، أن كيف سيطيقون النصر عليهم وعلى كثرتهم61.

    فردت عليهم الفئة الواثقة بنصر الله، والمخلصة منهم الذين تيقنوا لقاء الله وتوقعوا ثوابه:

    ( ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

    والمراد منه تقوية قلوب الذين قالوا لا قدرة لنا على قتالهم والنصر عليهم، ليعرفوا أنما العبرة ليست بكثرة العدد، إنما العبرة بالتأييد الإلهي، والنصر السماوي الذي لا يأتي إلا من عند الله.

    ثالثًا: الاستطاعة المالية:

    والاستطاعة المالية: هي قدرة الشخص في القيام بأداء الواجبات المالية، مثل: الزكاة، وصدقة الفطر، والهدي في الحج، والنفقة، والجزية، والكفارات المالية، والنذر المالي، والكفالة بالمال، والإنفاق في سبيل الله.

    قال الله تعالى: ( ﮬﮭ ﯨﯩ ﯯﯰ ﯴﯵ ) [محمد: ٣٦ - ٣٨] 62.

    قال الله تعالى: ( ) [آل عمران: ٩٧].

    الحج هو فرضٌ واجبٌ لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام، ولقد فسر علماء التفسير المقصود بالاستطاعة هنا -بالإضافة إلى الاستطاعة البدنية - بالاستطاعة المالية، فتشمل البدن والمال والراحلة والطريق، حتى يتمكن المسلم من أداء فريضة الحج63.

    وعن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى: ( ﯕﯖ)[آل عمران: ٩٧]. قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة)64.

    كذلك يدخل ضمن الاستطاعة المالية أن يكون معه نفقته ونفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم وكسوتهم لذهابه ورجوعه، وألا يكون عليه دين65.

    فلا حج على المريض والمقعد والمفلوج والأعمى وإن وجد قائدًا، والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه، والمحبوس، والممنوع من قبل السلطان الجائر عن الخروج إلى الحج؛ لأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج66.

    وفي سياق الحديث عن النفقة تتحدث الآية التالية عن الاستطاعة المالية في مقدار الإنفاق عليهم، ( ﯕﯖ ﯜﯝ ﯢﯣ ) [البقرة: ٢٣٣].

    وبما أن نفقة الولد تجب على والده بحكم الشرع، ونظرًا إلى أن تغذية ابنه الرضيع لا تتم إلا عن طريق الرضاعة التي تقوم بها والدته، أو من ينوب عنها في إرضاعه، فقد أوجب الله عز وجل على والد الرضيع أن ينفق على والدته أو مرضعته من غير تقتير ولا إسراف، في حدود استطاعته وعلى قدر حاله من سعة أو ضيق.

    ويشمل الإنفاق كل ما يلزم لمعيشتها وكسوتها من غير تفريط ولا إفراط، ويظهر وجه الحاجة إلى لزوم هذه النفقة بالنسبة للأم التي طلقها الأب قبل ولادة الطفل67.

    فمن سنته سبحانه وتعالى أن لا يكلف عباده في جميع التكاليف إلا بما يطيقونه ويقدرون عليه كي لا يتذمروا ويمتنعوا وتكون عاقبتهم وخيمة.

    وقال تعالى: ( ﭚﭛ ﭤﭥ ﭪﭫ ﭮﭯ ﭺﭻ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌ ) [الطلاق: ٦ - ٧].

    يتحدث عز وجل في هذه الآية عن قضية إرضاع الطفل من أمه بعد الطلاق وطلبها للأجرة، فتحث الآية الكريمة الزوج على النفقة على الزوجة والأولاد على قدر ما آتاه الله من المال، فقد علم -سبحانه- تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك، فأمر كلًا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها فإنه تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وفي هذه الآية تطييب لقلب المعسر؛ ولذلك وعد له باليسر، فقال: ( ) [الطلاق: ٧].

    فالحديث في هذه القضية عن الاستطاعة المالية68.

    وقد علل المنافقون عدم خروجهم للقتال مع رسول الله عز وجل بعدم الاستطاعة المالية.

    قال تعالى: ( ﭬﭭ ) [التوبة: ٤٢ ].

    تخلف المنافقون عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة تبوك وكانت حججهم واهية ضعيفة، حيث عللوا عدم الخروج بعدم وجود الإمكانات المادية للقتال، والله عز وجل يعلم نفاقهم، وبيَن كذبهم بأنه إن كانت الشقة قريبة، والمغانم دانية، أخذوا مكانهم في صفوف المسلمين من أجل عرض فان في الدنيا وما تذرعوا بعدم وجود المال69.

    وليست هذه سبيل المؤمنين المجاهدين ولا غاياتهم، وإنما سبيلهم قائمة على نية منعقدة أبدًا على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله عز وجل، ومن كانت تلك سبيله، وهذه غايته، فإنه لا ينظر إلى مغنم وكسب مادي، وإنما همه الأكبر وغايته القصوى الانتصار لدين الله، وإعزاز كلمة الله عز وجل.

    وفي الحديث عن الفقراء الذين لم يستطيعوا القتال بسبب فقرهم وقلة ذات اليد يقول عز وجل: ( ﮰﮱ ) [البقرة: ٢٧٣].

    فسر العلماء قوله تعالى: ( )[البقرة: ٢٧٣] يعني التجارة70.

    فهم قد حبسهم الفقر وعدم الاستطاعة المالية عن الجهاد، وهو كقوله تعالى: ( )[التوبة: ٩١].

    ويحتمل قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٧٣].

    أي: حبسوا أنفسهم في طاعة الله، لا يجدون ما يتجرون، ولا ما يحترفون، ولا ما يكتسبون.

    وقيل المقصود ( )، يعني: النفقة والصدقة للفقراء الذين حبسوا أنفسهم في طاعة الله، وهم أصحاب الصُفَة كانوا نحوًا من أربعمائة رجل، جعلوا أنفسهم للطاعة، وتركوا الكسب والتجارة71.

    وقال ابن عباس: «هؤلاء قوم من المهاجرين حبسهم الفقر عن الجهاد في سبيل الله، فعذرهم الله فقال: ( ) [البقرة: ٢٧٣] يريد: الجهاد»72.

    قال قتادة: إنهم هم هؤلاء حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله، لا يستطيعون ضربًا في الأرض، تركوا الخروج للتجارة والمعاش، ووقفوا أنفسهم على الحرب، لا يتفرغون للتجارة وطلب المعاش، وهم أهل الصفة73.

    وقيل: حبسوا أنفسهم على طاعة الله عز وجل.

    وقيل: حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله74.

    وقيل: هؤلاء قوم أصيبوا بجراح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله، فصاروا لا يقدرون على القتال أحصرهم المرض الضرب في سبيل الله للجهاد75.

    إن النصر على أعداء الله يحتاج إلى إعداد جيش قوي بعدده وعدته، أخذًا بالأسباب، وهذا الإعداد يحتاج إلى قوة مالية؛ لكي يتمكن الجيش من شراء المعدات اللازمة لتكوين أي جيش، وفي هذا السياق يقول تعالى: ( ﯬﯭ )[الأنفال:٦٠ ].

    وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ) [الأنفال: ٦٠]: (ألا إن الرمي هو القوة، ألا إن الرمي هو القوة)76.

    ويقول الماتريدي في تفسيره لهذه الآية: «ادفعوا العدو عن أنفسكم؛ لما لعلهم يقصدون أنفس المؤمنين المقاتلين، أو ادفعوا عن أموالكم وذراريكم ويقصدون ذلك، أو ادفعوا عن دينكم إذا قصدوا دينكم، كل ما يتقوى به على حرب العدو من آلة الجهاد فهو مما عنى الله بقوله: ( ) والمفسرون يقولون: يعني السلاح من السيف والرماح والقسي والنشاب»77.

    وكذلك بيَن ابن كثير أن المقصود هو أمر الله عز وجل بإعداد آلات الحرب لمقاتلة أعداء الله حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة فقال: ( ) [الأنفال: ٦٠]78.

    فالإعداد لقتال أعدائنا يكون في جميع أنواع القوة: المادية، والمعنوية، وإنما خصص الله عز وجل ذكر القوة هنا؛ لأنه لم يكن للمؤمنين في غزوة بدر استعداد تام للقتال، فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان ولم يكن هناك إعداد ونصر إلا بالمال، ولا سبيل إليه إلا بالإنفاق المطلق، كل على قدر طاقته وإيمانه، مع كامل الحق على التسابق فيه والعمل على إحراز ثوابه الكبير والأجر الحسن المعد للمنفقين يوم القيامة79.

    ويحسن بنا كمسلمين أن نعرف حدود التكليف بإعداد هذه القوة التي أمرنا بها، فهي حدود الطاقة إلى أقصاها، بحيث لا تقعد وتتقاعص العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها 80.

    ونستدل من الآيات السابق ذكرها:

  1. لابد أن يكون الإنسان مهيأ للقيام بالتكاليف الدينية، كي تتم على أحسن حال دون ملل أو تعب ويستشعر المرء بلذة العبادة.
  2. كي يستطيع المرء القيام بالتكاليف يجب أن تكون لديه القدرة البدنية على القيام بها، من صلاة وحج وصيام وغير ذلك.
  3. هناك بعض العبادات لا تقوم إلا بالإنفاق وبذل المال، مثل: التصدق والحج والجهاد في سبيل الله.
  4. التأني في فهم النصوص القرآنية والتدبر فيما يريده الله عز وجل منا وعدم التعجل في إصدار الأحكام، ففي قوله تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ ﮀﮁ ) [النساء: ١٢٩].
  5. من الناس من يحكم من خلال هذه الآية بعدم التعدد ومحاربته من منطلق قوله تعالى: ( ﭹﭺ) [النساء: ١٢٩].
  6. وهذا مفهوم خاطئ ولَيٌ لأعناق الآيات لتوافق أهواء البعض؛ لأن المقصود هو عدم الاستطاعة في العدل من قبل الرجل، لأنه لابد أن يميل قلبه لواحدة دون الأخرى، وإذا تحول قلب الرجل عن المرأة لا يعطيها حقها في الفراش.
  7. الآيات المتحدثة عن الاستطاعة لا تعني الكسل والتقاعس عن أداء التكاليف بحجة أن هذا ما يستطيعه وهو غير مؤاخذ؛ لأن الله أعلم بنا وهو خالقنا وأعلم بمدى استطاعة كل فرد على أداء التكاليف المناطة به، فيجب أن يكون هناك وازع ديني ودافع داخلي للإنسان وتقوى من الله في أداء التكاليف ويبذل أقصى ما في وسعه تجنبًا من الوقوع في المحظور.

عدم الانتفاع بأدوات الاستطاعة

  1. إن الله عز وجل عندما كلفنا بالتكاليف الشرعية كلفنا بما نطيق، وجعل فينا القدرة على الإتيان بها، وأعطانا أدوات هذه الاستطاعة فمن ملكها لا عذر له، ومن سلبها الله منه لحكمة من الله لا يؤاخذ، ومن هذه الأدوات: أعضاء الجسم التي بها نقوم بالعبادات كالصلاة والحج، ومنها أيضًا: النعم التي أنعم الله بها علينا كي نستطيع أداء فرائضه من مال وصحة ووقت.

    أولًا: الجوارح:

    وجوارح الإنسان هي أعضاؤه التي يكتسب بها81، وهذه الجوارح قد يكسب منها المرء إما خيرًا أو شرًا، وهي التي ستنطق حينما تسكت الألسنة عن النطق.

    قال تعالى: ( ﭕﭖ ) [فصلت: ٢١].

    إن حقيقة الإيمان التي أمرنا الله عز وجل بها هي أن يتواطأ القلب مع الجوارح، فتتحقق عبودية القلب مع عبودية الجوارح، فنحسن العبادة باطنًا كما نحسنها ظاهرًا، إن الإيمان الذي في القلب لابد أن تصدقه الجوارح بأعمالها، فإن التصديق يكون بالأفعال كما يكون بالأقوال فإذا اتقى الإنسان الله بقلبه أولًا كما يجب، اتقت جوارحه وانصاعت لما أمر به الله عز وجل82.

    إن الله عز وجل جعل للعباد قدرات فيما يقدرون عليه، وجعل لهم وسائل وهي الجوارح، والقدرات موجودة قبل الفعل وبعده، لكنها لا تتمثل لنا بفعل حقيقي إلا عند الفعل الحقيقي .

    ومن أهم تلك الجوارح التي أنعم الله بها على الإنسان: (الأذن، والعين، والأنف، واللسان، واليدين، والقدمين، والبطن، والفرج)، وهذه الجوارح نعمة من الله كي يستطيع الإنسان أداء التكاليف المناطة به على أكمل وجه، فيجب أن تكون الجوارح مستعملة فيما يرضاه الله عز وجل، وأن يكون الإنسان مسئولًا عما اكتسب بجوارحه هو، لا عما اكتسبه غيره.

    قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯣﯤ ) [البقرة: ٢٨٦].

    ولله عز وجل على العبد عبوديتان عبودية باطنة وعبودية ظاهرة، فللقلب عبودية وللسان والجوارح عبودية، فإن قام العبد فقيامه بالعبودية الظاهرة مع تجرده من حقيقة العبودية الباطنة فإن ذلك لا يقربه إلى الله ولا يوجب له الثواب وقبول العمل، فإن المقصود امتحان القلوب وابتلاء السرائر، فعمل القلب هو روح العبودية ولبُها فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح83 .

    وعرف علماء الأمة الاستطاعة بأنها: سلامة الآلات ورفع الموانع، والمقصود بسلامة الآلات هي صحة الجوارح، فالمريض ليس بمستطيع؛ لأن الآلات لديه فيها خلل84.

    فإذا صحت الجوارح وارتفعت الموانع الحسية سميت استطاعة يتوجب بسببها التكليف، وأهل السنة جعلوا الاستطاعة نوعين: نوعًا قبل الفعل وهو سلامة الجوارح، ونوعًا معه وهو ما يجب به وجود الفعل85.

    قال تعالى: ( ﮯﮰ) [التغابن: ١٦].

    قد يظن البعض أن هذه الآية تدلل على أنه لا إثم اذا فعل الإنسان بعض المحرمات والمحظورات؛ لأن الآية تعذره، وتقدم له رخصةً ومخرجًا، ويترتب على هذا الفهم الخاطئ لمعنى الآية، أن يتفاوت التزام المسلمين بالإسلام في أداء واجباته، واجتنابًا لمحرماته، بحيث يختلف الالتزام بالإسلام وتطبيقه من شخص إلى آخر كل حسب استطاعته، فتتكون لدينا الهمة الميتة، والقدرة العاجزة، والاستطاعة المريضة.

    وحتى يكون فهمنا لمعنى الآية صحيحًا، وتصورنا لقيد الاستطاعة فيها صوابًا، لا بد أن نقرن معها آية أخرى، وهي قول الله عز وجل: ( ) [آل عمران:١٠٢].

    حيث تأمرنا هاتان الآيتان بتقوى الله، وكل واحدةٍ منهما توضح المراد من الأخرى: فآية آل عمران تأمر بأن نتقي الله حق تقاته، والمقصود تقوى حقة صادقة مخلصة جادة، بأن نبذل غاية وسعنا، وأقصى استطاعتنا، في تحقيقها وتحصيلها، وأن نبقى على هذه التقوى طيلة حياتنا، بحيث لا يموت الإنسان منا إلا وهو مسلم، المعنى هو: بذل الوسع والجهد والاستطاعة في تحصيلها86.

    وآية التغابن تأمرنا بتقوى الله بمقدار الوسع والاستطاعة: ( ﮪﮰ)، ويوضح المراد بقوله: ( ﮪﮰ) قوله في آل عمران: ( )، فلا يحقق المسلم التقوى بقدر الاستطاعة، إلا إذا كانت هذه التقوى حق التقوى، وهذا أمر قلبي لا يستطيع أحد معرفتها إلا الله عز وجل87.

    قال ابن عطاء: «الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال» والمقصود اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات إلي أي شيء دونه، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح والأعضاء قدر الطاقات التي منحها الله لكم88.

    عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)، ثم قال: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)89.

    إنها استطاعة بخصوص الحج، الذي نص القرآن على وجوبه على المستطيع، قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [آل عمران: ٩٧].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يجب على سؤال الرجل وكان السبب واضحًا أن أمته لن تطيق ذلك والله ورسوله أعلم بهذا.

    وكذلك هناك أمور رخص الشرع فيها لغير المستطيع، فالمسافر يرخص له في الإفطار في حال مرضه أو صحته أما المسافر غير المستطيع فالإفطار في حقه واجب، حفظًا لبدنه، فيقصر ويجمع الصلاة، ويفطر ويقضي أو يفدي، والحائض والنفساء يجب عليهما الفطر وترك الصلاة، وتقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة، والحج واجب على المستطيع، ولا زكاة لمن لم يملك النصاب، وأكل الميتة مباحٌ للمضطر.

    وقال علماء الأمة بحق من كانت لديه أدوات الاستطاعة ولم يقم بالتكاليف التي أمره الله عز وجل دون عذر أنه لا يكون مؤمنًا، فمن كان يعتقد بقلبه ويقر بلسانه ولكنه لا يعمل بجوارحه، وعطل الأعمال كلها من غير عذر فهذا ليس بمؤمن؛ لأن الإيمان كما ذكرنا وكما عرفه أهل السنة والجماعة أنه: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، لا يحصل الإيمان إلا بمجموع هذه الأمور، فمن ترك واحدًا منها فإنه لا يكون مؤمنًا.

    وهناك آية أخرى يعتمد عليها بعض المسلمين، ويجعلونها حجةً ودليلًا ومستندًا لهم، على تقصيرهم في أداء الواجبات والتزام الأوامر وترك المحظورات، إذ أنها تبيح لهم ذلك وتجعلهم في منأى عن المسؤولية والعقاب جزاء هذا التقصير والتفريط، فيكون الإنسان صحيح البدن معافى في جوارحه التي هي مناط التكليف فيقول: ( ﯜﯝ) [البقرة: ٢٨].

    ولا يعرف أن الآية تشرع وتبيح له أن يأخذ من الإسلام والشريعة ما يدخل ضمن وسعه وطوقه وقدرته، مهما كانت درجة الوسع والطوق والقدرة، حتى لو كانت في أدنى مستوياتها وأضعف حالاتها 90.

    ثانيًا: النعم:

    من أكبر النعم على أمة الإسلام أن الله هدى المسلمين لهذا الدين ومن جزيل نعمه عليهم بعد الهداية أن جعل الدين ميسرًا حسب الاستطاعة.

    إذا تأملنا منطوق التكاليف الشرعية نجدها بنيت على الاستطاعة والمقدرة، فالله سبحانه وتعالى لا يطلب منا إلا ما نستطيع تأديته، على حسب الحالة التي نحن عليها.

    قال تعالى: ( ﯜﯝ) [البقرة: ٢٨٦].

    وقال تعالى: ( ) [التغابن: ١٦].

    فهذه النصوص تمنحنا مساحة من الطمأنينة تجعلنا لا تضطرب ونتأثر في ممارسة الشعائر التعبدية بسبب موقف ألم بنا؛ لأن حياتنا كلها أصلًا عبادة، والغاية من إيجادنا في هذه الحياة أصلًا هو العبادة.

    قال تعالى: ( ) [الذاريات: ٥٦].

    ويشرع لمن أنعم الله عليه بنعمة إظهارها؛ فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كما يشرع له بذلها لمن يحتاجها على حسب الاستطاعة.

    قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌ ) [الطلاق:٧].

    قال الحسن البصري: إن الله تعالى أدب عباده فأحسن أدبهم، قال تعالى: ( ) [الطلاق: ٧ ]. ما عاب قومًا ما وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوا، ولا عذر قومًا زواها عنهم فعصوه91.

    فعلى المؤمن أن يجتنب تحريم الطيبات التي أحلها الله له، وأن يتمتع بها بدون إسراف أو تقتير، وأن يداوم على شكر الله على نعمه وآلائه، وأن يجعل جانبًا من هذه النعم للإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.

    ويجب الحذر من التعامل مع نعم الله عز وجل، إذ يعتبر كل إهمال أو تقصير أو عدم استعمال جيد لأي نعمة من نعم الله عز وجل غبنًا فيها، كأن يغبن الإنسان في وقته وفي صحته وهما من أكبر النعم التي أنعم الله عز وجل به علينا.

    عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)92.

    أي: أن هاتين النعمتين إن لم يستعملهما الإنسان وفق ما أراد الله فاستمتع بالصحة واسترخى وأطال النوم ولم يقم بالواجبات المطلوبة منه، واستمتع بالفراغ فأمضاه باللهو واللعب، ونعمة الصحة لم يستفد منها في الأعمال الصالحة التي تفيد المسلمين، ونعمة الفراغ لم يستفد منها في طلب العلم، تأخذه الحسرة والندامة يوم القيامة.

    فالحديث يشير إلى أن الذي يوفق للعمل الصالح، واستغلال أوقات الصحة والفراغ إنما هم قليل، أما أكثر الناس فهم في خسارة وفي ضياع، فكيف بمن له الاستطاعة وعنده النعمة، وتجده يتقاعس ويتكاسل ويعلل ذلك بعدم الاستطاعة وأن هذا ما يطيقه وأن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

    وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، فالفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم93.

    فعلى المرء استغلال هذه النعم في طاعة الله ما استطاع فقد قال المفسرون: المغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة، ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وحسرة كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام94.

    ولا يجب أن يكون نعم الله عز وجل التي أنعمها علينا نقمًا، وقال الحسن وقتادة: إن التغابن أي: «الحسرة والندامة» في ثلاثة أصناف: «رجل علم علمًا فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به، وعمل به من تعلمه منه فنجا به، ورجل اكتسب مالًا من وجوه يسأل عنها وشح عليه، وفرط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيرًا وتركه لوارثه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه، ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي»95.

    لذا علينا استخدام نعم الله عز وجل في الطاعات وفي القربات وفي المعرفة، وفي الطاعة، وفي الأعمال الصالحة، والوقت والقوة في خدمة عباد الله و في معرفة الله، وحضور مجالس العلم، وأداء الصلوات الخمس بإتقان، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وأداء زكاة المال، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

    من استعمل صحته وفراغه في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو النادم؛ لأن كل فراغ يعقبه انشغال وأن كل صحة يعقبها مرض، ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل أما إذا استعد الإنسان للقاء الله عز وجل، استغل النعم التي أسبغها عليه من مال وصحة ووقت وعلم وغير ذلك من النعم أعظم استغلال، فهو في سعادة دائمة96.

    إن الله سبحانه عادلٌ في أحكامه في عباده، وإنه لا يكلفهم بما لا يطيقون، ولا يطالبهم بالمستحيل، ولا يريد من التشريعات إرهاق عباده، أو إيقاعهم في العسر والحرج والإثم والتقصير، فإن الله سبحانه قال: ( ﮰﮱ ) [الحج: ٧٨].

    وقال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٥].

    وإن الله عليمٌ حكيم، لطيف خبير، يعلم طاقة النفس الإنسانية ومقدار تحملها ووسعها.

    وقال تعالى: ( ) [الملك: ١٤].

    ولذلك أوجب عليها التكاليف الشرعية، وهو يعلم أنه بمقدور هذه النفس الالتزام بها، وهو يعلم أنها كلها ضمن (وسعها) وطاقتها؛ لذا كان من الواجب على من ملك أدوات الاستطاعة أن يكون منصاعًا لأوامر الله عز وجل دون تردد.

    ومن الواضح من الآيات السابقة:

  1. في واقعنا المعاصر نجد الشباب الذين أعطاهم الله عز وجل أقوى مرحلة الشباب التي هي مرحلة قوة بين ضعفين الطفولة والشيخوخة، يضيع الشباب وقته وصحته وماله في اللهو والعبث وضعف التحصيل، فلا يهتم بنعمة الوقت وهو جالس بالساعات الطوال في الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يأخذ وقتًا للعبادة ولا لطلب العلم، ملك كل أدوات الصحة ولا يستغلها الاستغلال الأمثل.
  2. من تمتع بنعمة الصحة والعافية وملك الجوارح والمال عليه أن يبادر إلى طاعة الله، وإلى التقرب إليه لئلا يتحسر على هذه النعم، و يصعق يوم القيامة أن كيف أمضى حياته في أعمال لا ترضي الله عز وجل.
  3. علينا حمد الله عز وجل على النعم التي حرم منها الكثيرون، ونحمده أن جعل فينا القدرة على عبادته، فكم من عاجز عن الحركة يتمنى أن يقوم لله ساجدًا راكعًا، وكم من فاقد القدرة على الكلام والسمع يتمنى أن يقرأ القرآن ويذكر الله عز وجل بلسانه.
  4. الآيات القرآنية المتحدثة عن الاستطاعة تطالب جميع المسلمين الالتزام بكافة التكاليف الشرعية، وتعلمهم أنه في وسعهم وطوقهم أن يقوموا بهذا الالتزام؛ لأن الله هو الذي يعلم مقدار تحملهم وطاقة قدرتهم، ولذلك ألزمهم بها وهذه الآيات تقرر حقيقةً هامةً في قواعد التشريع الإسلامي، وهي أن هذا التشريع بكافة جوانبه ومجالاته يراعى فيه الطاقة والوسع، وهذا التشريع يتصف بالسماحة واليسر، فلا عسر فيه ولا حرج، وهذا كله من مظاهر فضل الله على المسلمين، وإرادته اليسر والرحمة والخير بهم، عندما كلفهم بكل ما كلفهم به.
  5. ليس الإنسان هو الذي يحدد مقدار استطاعته، ولا هو الذي يحدد صورة الواجب بالنسبة له، ولكنه الشرع. إن الله عز وجل هو الذي يعلم مقدار الطاقة البشرية وحدود الاستطاعة فيها، ولذلك جاءت الرخص في الدين في بعض الحالات ولبعض الأشخاص، مراعاة لبعض الأعذار والأحوال.
  6. ينبغي على المؤمن أن يحذر من أن يتساوى يومه مع أمسه، فالإنسان ينبغي أن يتطور وأن يكون في ازدياد لكل ما يرضي الله عز وجل، ويستغل النعم التي منحنا الله إياها في طاعته، فالمؤمن الساعي في السير إلى الله يعمل لاستمرار عمله حتى بعد مماته فتجده ينشر العلم ويعمل على الصدقات الجارية ويربي أبناءه خير تربية حتى يستمر أثره الإيجابي بعد وفاته.

نفي الاستطاعة عما يعبد من دون الله

  1. هناك من البشر من ظلم نفسه باتخاذه آلهة من دون الله، يعبدونها ويقيمون لها الشعائر، وهي لا تستطيع لنفسها نفعًا ولا ضرًا، فهم إما يعبدون جمادات يحتار العقل في إمكانية عبادتها، وإما يعبدون مخلوقات خلقها الله عز وجل، مخلوقات ضعيفة لا تجلب النفع لنفسها فضلًا عن جلبه لغيرها، بل هي ضعيفة تحتاج إلى من يقوم على أمورها.

    قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٣].

    ففي هذه الآية تقريع للمشركين بعبادتهم ما دون الله، وتنبيه لهم على موضع خطأ فعلهم ببيان أن آلهتهم التي يعبدونها لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة ومع ذلك فهي لا تملك دفع ضر عن نفسها، ولا جلب منفعة إليها، ولا تملك إماتة ولا إحياء ولا بعثًا، فهذه هي صفتها فهي لا تستحق العبادة97.

    وهذه الآيات كنظيراتها من الآيات التي تؤكد أن الله هو الإله الواحد القادر، الذي بيده ملكوت كل شيء وغيره من المعبودات لا تضر ولا تنفع، ولا تسطيع فعل أي شيء.

    قال تعالى: ( ) [المائدة: ٧٦].

    ويقول عز وجل: ( ) [يونس: ١٨].

    وفي استفهام مليء بالتقريع والتوبيخ، يخاطب الله عز وجل الذين أشركوا به أن كيف تجعلون لله شريكًا لا يخلق شيئًا، ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم، وهم يُخلَقُون ولا يخلقون شيئًا، ولا يستطيعون لمن جعلهم شركاء نصرًا إن طلبه منهم ولا لأنفسهم أيضًا، فالمعبود الذي تجب عبادته يكون قادرًا على إيصال النفع ودفع الضر، وهذه الأصنام ليست كذلك، فكيف يليق بالعاقل أن يعبدها، ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز98.

    قال تعالى: ( v ~ ﯕﯖ ® ﯥﯦ ¿) [الأعراف: ١٩١- ١٩٤].

    وقال تعالى: (ﭿ ) [النحل: ٢٠].

    يبين الله هنا مدى عجز ما يعبدون من دون الله، فهذه الآلهة لا تخلق شيئًا وهي تُخلَق، فكيف يكون إلهًا وهو مصنوع لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا؟ فهم عاجزون عن الخلق والتدبير ولا يعلمون شيئًا عن كيفية الخلق وتدبير أمور العباد99.

    وفي هذه الآيات ندد كتاب الله بسخافة المشركين وصغر أحلامهم، فهم يعبدون أصنامًا من دون الله، يتوجهون إلى من لا يملك لهم رزقًا، ولا يستطيع لهم ضرًا ولا نفعًا.

    قال تعالى: ( ) [النحل: ٧٣].

    فأولئك الشركاء لا يستطيعون أي قدر من الاستطاعة في النفع فضلًا عن الضر، وعبادة الأصنام والأوثان، بدلًا من أن يعبدوا خالقهم ورازقهم، ويفردوه بالعبادة والطاعة دون سواه100.

    وإلى ذلك يشير قوله تعالى: ( ﭮﭯ ﭿ ﮀﮁ ) [العنكبوت:١٧].

    فالذين تعبدون أيها السفهاء من دون الله لا يملكون لكم رزقًا، لا يقدرون أن يرزقوكم أبدًا، فاطلبوا الرزق من الله واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون101.

    ويبن الله مدى ضعف ما يعبدون من دونه فضرب مثلًا قائلًا: ( ﭖﭗ ﭣﭤ ﭫﭬ ) [الحج: ٧٣].

    قال القرطبي: «وخص الذباب هنا لأربعة أمور: لمهانته، وضعفه، واستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين، وأربابًا مطاعين، وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان»102.

    وقال ابن عباس: «كانوا يطلون الأصنام بالزعفران، فإذا جف جاء الذباب واستلب منه شيئًا، فأخبر الله تعالى أن الأصنام لا يستنقذون من الذباب ما استلبه»103.

    ونظير ذلك تشبيهه تعالى لمن اتخذ غير الله معبودًا كالعنكبوت التي تتخذ بيتًا واهنًا؛ ليكون ملاذها، فهي تبني وتجتهد وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة أذهبته، فكذلك أمر أولئك المشركين وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد104.

    قال تعالى: (ﭿ ﮉﮊ ﮏﮐ ) [العنكبوت:٤١].

    قال تعالى: ( ﯵﯶ ﯿ ) [سبأ: ٢٢].

    وهنا وجه الله الخطاب إلى نبيه، آمرًا إياه أن يتحدى المشركين الذين يزعمون آلهة أخرى غير الله سبحانه وتعالى، بأن يطلب منهم دعوة شركائهم الذين يتمسكون بعبادتهم، ويعلقون عليهم الآمال بالعون والغيث، مسجلًا على أولئك الشركاء العجزة المفاليس، فقرهم المدقع وعجزهم التام105.

    فالآية تبين حال آلهتهم الحقيقي، وأنهم إذا كانوا من العجز والعوز لا يملكون وزن ذرة في السماوات ولا في الأرض من خير أو شر، ولا يستطيعون جلب نفع ولا دفع ضر، فكيف يكونون آلهة تعبد ؟106.

    ونظير ذلك قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٥٦].

    وفي تساؤل منطقي تطرحه الآية الكريمة عن هؤلاء الشركاء، عن أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه، وما سندهم في عبادتهم؟ أم لهم شرك في السماوات أم لهم شركة مع الله في خلق السماوات بكل ما فيها من عظمة تدل على قدرة الخالق فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية وأن يعبدوا، بل لا شيء من ذلك، فبطل استحقاقها للعبادة107.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮅﮆ )[فاطر: ٤٠].

    إن دعوة الحق تختص به تعالى، والمقصود بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادة أن لا إله إلا الله108.

    أما دعوة غيره من الأصنام والحيوانات والكواكب هي دعوة باطل، وهذه الآلهة التي يدعونهم من دون الله، لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضر، و في الآية تشبيه لكل من يتوقع من هذه الأصنام الاستجابة وتحقيق أي أمل يرجوه، إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه، ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب دعاءه أو يبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم109.

    قال تعالى: ( ﭦﭧ ) [الرعد: ١٤].

    يتضح من الآيات السابقة ما يلي:

  1. إن الله وحده هو القادر على النفع والضر وليس لأي أحد هذه القدرة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غني بأمواله ولا صاحب سلطة بقراراته.
  2. ليست فقط الأصنام هي التي تعبد من دون الله وهي لا تملك لنفسها فضلا ًعن غيرها نفعًا أو ضرًا، فهناك من يعبد البشر وقوانينهم الوضعية ويقدمونها على القوانين الإلهية بزعم أنها تملك حلولًا لمشاكل البشر على هذه الأرض، هذه القوانين التي أثبتت ضعفها وفشلها في حل المشاكل، ويقر الغرب أخيرًا أن التشريعات الإلهية وحدها هي القادرة على تغيير مجرى العالم وخاصة بعد انهيار الاقتصاد العالمي بسبب البنوك الربوية.
  3. إن الله عز وجل هو الرازق الكريم الذي يرزق عباده دون حساب، فعنده خزائن السموات والأرض ولا ينقص رزقه لعباده شيئًا إلا كغمس المخيط في مياه البحر، فعلينا ألا نقلق على رزقنا؛ لأنه بيد حكيم عليم يرزق البر والفاجر المؤمن والكافر.

    موضوعات ذات صلة:

    السعة، العبادة


1 انظر: مقاييس اللغة، أحمد بن فارس ١/٤٣١ ، المحكم، ابن سيده ٢/ ٣١٢، لسان العرب، ابن منظور ٨/ ٢٤٢.

2 المفردات، ص٥٣٠.

3 التعريفات، الجرجاني ١٩، كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي ١/٧٢.

4 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٢٩- ٤٣١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٧٢٣- ٧٢٦.

5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٩٠- ٩١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١٨٧- ١٨٨، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٨٨- ٨٩، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٤٢١- ٤٢٣.

6 تهذيب اللغة، الأزهري ٩ / ٤٠، مختار الصحاح، الرازي ص ٢٤٨، المصباح، الفيومي ٢/٤٩٢.

7 التعريفات، الجرجاني ص١٧٣.

8 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص٤٧ ، ١١٠.

9 انظر: العين، الفراهيدي ٢/ ٢٠٣، مختار الصحاح، الرازي، ص٣٣٨، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر ٣/٢٤٤٠.

10 الفروق اللغوية، العسكري، ص ٥٦٧.

11 الكشاف ١: ٤٠٨.

12 انظر: الكليات، الكفوي، ص١٠٩.

13 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٠/ ٢٣٢.

14 انظر: الكليات، الكفوي، ص ١٤١ ، شمس العلوم، نشوان الحميري ٧/٤١٩٢.

15 الصحاح، الجوهري ٣/ ١٢٥٥، مختار الصحاح، الرازي، ص ١٩٣.

16 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢١/٤٦٣.

17 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/ ٨٨٣، مجمل اللغة، ابن فارس، ص ٦٤٨، تاج العروس، الزبيدي ١٥/ ٢٠٠.

18 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/١٨٦.

19 انظر: القضاء والقدر، عمر الأشقر، ص ٩٥.

20 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٣٢٥.

21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، ٢/٤٨، رقم ١١١٧.

22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، ٨/٩٨، رقم ٦٤٦٥.

23 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٣٠، رقم ١٣٣٧.

24 انظر: تفسير الفاتحة والبقرة، ابن عثيمين ٣/٤٥٤.

25 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، ١/٥٤٠، رقم ٧٨٢.

26 انظر: شرح الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ص ٤٣٣، الموافقات، الشاطبي ٢/ ٢٠٥.

27 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ١/٣٣٢.

28 انظر: شرح الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ص ٤٣٤- ٤٣٧.

29 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٢/٢١١، شرح العقيدة الطحاوية، عبد الرحمن البراك، ص٣٢٧.

30 انظر: العذب النمير، الشنقيطي ٤/ ٣٩.

31 انظر: منهاج السنة النبوية، ابن تيمية ٣/٤٩.

32 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، ٣/١٥٢٢، رقم ١٩١٧.

33 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ٥/٦٢٦، رقم ٣٧٠١، والحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ٣/ ١٠٧، رقم ٤٥٥٣.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

34 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/ ٦٨، التفسير الوسيط، مجمع البحوث ١٠/ ١٤٥٥.

35 جامع البيان، الطبري ٧/ ٦٩.

36 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٤٤.

37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، ١/٤٦٠، رقم ٦٤٩.

38 انظر: صفحات رمضانية، عبد الكريم العمري، ص٥٨.

39 انظر: جامع البيان، الطبري٩/٢٨٤، تفسير السمرقندي١/٣٤٤، الهداية، مكي بن أبي طالب٢/١٤٨٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٥/٤٠٧.

40 أخرجه الدارمي في سننه، كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء، ٣/١٤١٦، رقم ٢٢٥٣، والحاكم في المستدرك، كتاب النكاح، ٢/٢٠٤، رقم ٢٧٦١.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

41 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، ٤/٢٠٤٥٩ ، رقم ٢٦٥٤.

42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٤٤، النكت والعيون، الماوردي ٢/ ٤٩٧، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/ ١٤٥.

43 الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٩٠.

44 انظر: تفسير القران العظيم، ابن كثير٥/١٨١.

45 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٣/ ٢٠٨٢.

46 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني، ٢/٧٣٩.

47 صحيح البخاري: كتاب جزاء الصيد، باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، ٣/١٨، رقم ١٨٥٤.

48 انظر: الأم، الشافعي٢/١٣٢.

49 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/ ٢٧٤.

50 انظر: الاستذكار، ابن عبدالبر ٤/١٦٥، نيل الأوطار، الشوكاني ٤/٣٤١.

51 مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني ٢/ ٤٣٦، تفسير الشعراوي، ٨/ ٤٨٧٢.

52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب يأجوج ومأجوج، ٩/٦١، رقم ٧١٣٥.

53 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/ ١١١.

54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير١/ ٥٠٠.

55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)، ٦/٢٥، رقم ٤٥٠٥.

56 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ١٦٠.

57 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/ ١٦٦.

58 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٢٠٧.

59 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن كثير ١/٥٠٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/ ١٥١.

60 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٦/ ٥١٣، التفسير الوسيط، مجمع البحوث ١/ ٤٢٤.

61 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/ ٢٥٥.

62 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٣/ ٢٠٨٣.

63 انظر: جامع البيان، الطبري١/٤٧٣، تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/٤٣٢.

64 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الحج، باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، ٣/١٦٨، رقم ٨١٣، والحاكم في المستدرك، كتاب المناسك، ١/٦٠٩، رقم ١٦١٣.

قال الترمذي: حديث حسن.

وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

65 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٠٣.

66 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ٣، ٣٣١‏.

67 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/ ١٦٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/ ٢٣٠.

68 انظر: جامع البيان، الطبري٥/ ٤٤، ٤٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/ ٢٢٢ ، لباب التأويل، الخازن ٤/ ٣١٠.

69 انظر: فتح القدير، الشوكاني٢/٤١٢.

70 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٥٩٣.

71 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/ ٢٦٦.

72 مفاتيح الغيب، الرازي٧/٦٨.

73 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ١/٢٧٧.

74 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/ ٣٨٨.

75 انظر: معالم التنزيل، البغوي١/ ٣٧٧.

76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، ٣/١٥٢٢، رقم ١٩١٧.

77 تأويلات أهل السنة ٢/ ٥٢٥.

78 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٨٠.

79 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني١/ ٤٧٤.

80 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٣/ ١٥٤٤.

81 انظر: مختار الصحاح، الرازي ١/٥٥.

82 انظر: قانون التأويل، ابن العربي، ص ٣٦٣.

83 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم الجوزية ٣/١٩٢.

84 انظر: البحر الرائق، ابن نجيم ٤/ ٣٣٩، رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين٣/٧٥٨.

85 انظر: مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة، عفيف الدين اليافعي، ص ١٦٥، موقف ابن تيمية من الأشاعرة، عبد الرحمن المحمود ٣/ ١٣٣٣.

86 انظر: تصويبات في فهم بعض الآيات، صلاح الخالدي، ص ٩٧.

87 انظر: الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني، الشوكاني٥/٢٦٠٨.

88 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٧/ ٦٤.

89 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، ٢/٩٥٧، رقم ١٣٣٧.

90 انظر: تصويبات في فهم بعض الآيات، صلاح الخالدي، ص ١٠٠.

91 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٤/٢٦٤.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، ٨/٨٨، رقم ٦٤١٢.

93 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ١١/٢٣٠.

94 انظر: عمدة القاري، العيني ٢٣/١١١.

95 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٣٧، اللباب، ابن عادل الحنبلي ١٩/١٣١.

96 انظر: موسوعة الأخلاق، ياسر عبد الرحمن ٢/ ٣٢٣.

97 انظر: موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور، حكمت بن بشير بن ياسين٣/١٧٨.

98 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/ ٢٨٢، فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٣١٣.

99 انظر: جامع البيان، الطبري١٤/ ١٩٦.

100 انظر: التفسير الوسيط للقرآن الكريم، مجمع البحوث ٥/ ٦٥٥.

101 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٥٥٣.

102 الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٩٧.

103 تفسير القرآن، السمعاني ٣/ ٤٥٦.

104 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٣١٨.

105 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد الناصري ٥/ ١٨٩.

106 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٨/ ٢٦٥.

107 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٢٦١، البحر المديد، ابن عجيبة ٤/ ٥٥٠.

108 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/ ٣٩٧.

109 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/ ١١.