عناصر الموضوع

مفهوم الأخوة

الأخوة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الأخوة في القرآن

أحكام وعلاقات مرتبة على الأخوة

العلاقات الاجتماعية بين الإخوة

فوائد من قصص الإخوة في القرآن

الأخوة

مفهوم الأخوة

أولًا: المعنى اللغوي:

الأخ: أصله أخو بالتحريك؛ لأنه جمع على آخاء مثل آباء، والذاهب منه واو؛ لأنك تقول في التثنية أخوان... وقد يتسع فيه فيراد به الاثنان؛ كقوله تعالى: ( ) [النساء:١١].

وهذا كقولك: إنا فعلنا، ونحن فعلنا، وأنتما اثنان، وأكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء، والإخوة في الولادة1.

والأخ-في الحقيقة- هو: كل من جمعك وإياه صلب أو بطن، ويستعار لكل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في الصنعة أو في معاملة أو في مودة أو في غير ذلك من المناسبات، والأخت كالأخ، وقيل: الإخوة جمع الأخ من النسب، والإخوان جمع أخ من الصداقة2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تقدم معنا أن الأخ هو كل من جمعك وإياه صلب أو بطن ويستعار لكل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في الصنعة أو في معاملة أو في مودة أو في غير ذلك من المناسبات والأخت كالأخ.

والذي يهمنا هو تعريف الأخوة بمعناه العام وهي أخوة النسب، وفي القرآن الكريم بمعنى خاص وهي الأخوة الإسلامية.

فالأخوة عمومًا دون تخصيص:

هي: مشاركة شخص لآخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع، ويستعار لكل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة أو في غير ذلك من المناسبات3.

والأخوة هي الميثاق الذي يربط بين الأفراد، وهذا معنى عام فهي ربط بين الأقرباء وغيرهم بأي نوع من أنواع الصلة بينهم.

الأخوة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أخو) في القرآن (٩٦) مرة4.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المفرد

٦٠

( ) [يوسف:٧٧]

المثنى

٢

( ) [النساء:٢٣]

الجمع

٣٤

( ) [الحجرات:١٠]

وجاءت الأخوة في القرآن على ستة أوجه5:

أحدها: الأخ من الأب والأم أو من أحدهما: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:١١]. يعني: الأخ من النسب.

الثاني: أخوة القبيلة: ومنه قوله تعالى: ( ) [الأعراف:٦٥]. يعني:منهم.

الثالث: الأخوة في الدين: ومنه قوله تعالى: ( ) [الحجرات:١٠]. يعني: في الدين.

الرابع: الأخوة في المودة والمحبة: ومنه قوله تعالى: ( ) [الحجر:٤٧].

يعني: جمعتهم المودة والمحبة.

الخامس: الصاحب: ومنه قوله تعالى: ( ) [ص:٢٣]. يعني: صاحبي.

السادس: الشبه: ومنه قوله تعالى: ( ) [الأعراف:٣٨]. يعني: شبهها.

الألفاظ ذات الصلة

الخلة:

الخلة لغة:

(الخليل) الصديق والجمع (أخلاءٌ)6.

وهي أخص من الأخوة7.

الخلة اصطلاحًا:

أخوة خاصة لأخ معين من بين سائر الإخوان لشدة الموافقة بينه وبين أخيه. وهي أعلا مراتب المحبة8.

الصلة بين الأخوة والخلة:

الخلة مرتبة فوق مرتبة الأخوة وغيرها، ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:١٢٥].

والخليل: المخال، وهو الذي يخالك، أي: يوافقك في خلالك، أو يسايرك في طريقك، أو يسد خللك كما تسد خلله، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك9.

فلشدة قرابته من أخيه والتصاقه به وموافقته ومسايرته ومداخلته؛ صار خليلًا له.

فأما كون الخلة فوق الأخوة فمعناه أن لفظ الخلة: عبارة عن حالة هي أتم من الأخوة، وتعرفه من قوله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن أخوة الإسلام... الحديث»10؛ إذ الخليل هو الذي يتخلل الحب جميع أجزاء قلبه ظاهرًا وباطنًا11.

الصداقة:

الصداقة لغة:

الصداقة: صدق الاعتقاد في المودة، وذلك مختص بالإنسان، وقوله: ( ) [الشعراء:١٠١]، إشارة إلى قوله: ( ) [الزخرف:٦٧]12.

الصداقة اصطلاحًا:

قوة المودة مأخوذة من الشيء الصدق وهو الصلب القوي، وقال أبو علي رحمه الله: الصداقة اتفاق القلوب على المودة، ولهذا لا يقال: إن الله صديق المؤمن كما يقال إنه حبيبه وخليله13.

الصلة بين الأخوة والصداقة:

قال ابن عباس: الصديق أوكد من القرابة14.

ورفع الشارع الحرج في الأكل من بيت الصديق؛ لأنه أرضى بالتبسط وأسر به من كثير من ذوي القرابة15.

أنواع الأخوة في القرآن

أولًا: الأخوة في العقيدة:

الأخوة في العقيدة هي أعظم الأخوات كما مر معنا، ويمكن أن نجعلها في قسمين رئيسين:

١. الأخوة بين أهل العقيدة الإسلامية الصحيحة.

والعقيدة التي نريدها: الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الدين.

وقد أطلق كثير من السلف على العقيدة الصحيحة اسم «السنة»، وذلك لتمييزها عن عقائد ومقولات الفرق الضالة؛ لأن العقيدة الصحيحة وهي عقيدة أهل السنة والجماعة مستمدة من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، التي هي مبينة للقرآن16.

وقد وردت في ذلك آيات تحمل في مضمونها الأمر المباشر أو الحث أو مدح هذه الأخوة.

بيان حقيقة الأخوة: قال تعالى: ( ) [الحشر:١٠].

ومن أفضل ما قال المفسرون: وهذه الصورة النظيفة الرضية الواعية، وهي تبرز أهم ملامح التابعين، كما تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان.

هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار- ولم يكونوا قد جاءوا بعد عند نزول الآية في المدينة، إنما كانوا قد جاءوا في علم الله وفي الحقيقة القائمة في هذا العلم المطلق من حدود الزمان والمكان- سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة، لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوا بالإيمان وفي طلب براءة القلب من الغل للذين آمنوا على وجه الإطلاق، ممن يربطهم معهم رباط الإيمان، مع الشعور برأفة الله ورحمته، ودعائه بهذه الرحمة، وتلك الرأفة، وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود، تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها، وآخرها بأولها، في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف، وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب وتتفرد وحدها في القلوب، تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة، فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة، كما يذكر أخاه الحي، أو أشد، في إعزاز وكرامة وحب، ويحسب السلف حساب الخلف، ويمضي الخلف على آثار السلف، صفًا واحدًا وكتيبة واحدة على مدار الزمان واختلاف الأوطان، تحت راية الله تغذ السير صعدًا إلى الأفق الكريم، متطلعة إلى ربها الواحد الرؤوف الرحيم.

إنها صورة باهرة، تمثل حقيقة قائمة كما تمثل أرفع وأكرم مثال للبشرية يتصوره قلب كريم، صورة تبدو كرامتها ووضاءتها على أتمها... صورة تمثل الأجيال من وراء الزمان والمكان والجنس والوطن والعشيرة والنسب متضامنة مترابطة متكافلة متوادة متعارفة صاعدة في طريقها إلى الله، بريئة الصدور من الغل، طاهرة القلوب من الحقد17.

وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضًا.

ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين.

فوصف الله من بعد الصحابة بالإيمان، لأن قولهم: ( ) [الحشر:١٠] دليل على المشاركة في الإيمان، وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله، وهم أهل السنة والجماعة، الذين لا يصدق هذا الوصف التام إلا عليهم، ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن قلوبهم لإخوانهم المؤمنين؛ لأن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضًا، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن ينصح له حاضرًا وغائبًا، حيًا وميتًا، ودلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ثم ختموا دعاءهم باسمين كريمين، دالين على كمال رحمة الله وشدة رأفته وإحسانه بهم، الذي من جملته، بل من أجله، توفيقهم للقيام بحقوق الله وحقوق عباده18.

إنها أخوة الإيمان، الأخوة التي ليس لها نظير، وما لنا عنها ولا بها بديل.

كلهم يترحمون على السلف من المؤمنين الذين سبقوهم، ويسلكون طريق الشفقة على جميع المسلمين، ويستغفرون لهم، ويستجيرون من الله أن يجعل لأحد من المسلمين في قلوبهم غلًا، أي: حقدًا، ومن لا شفقة له على جميع المسلمين فليس له نصيب من الدين19.

فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم- المهاجرين والأنصار- إلى يوم الدين20.

وهي أخوة تتوارثها الأجيال من السلف للخلف، بل تدوم إخوتهم إلى مماتهم حتى يجمعهم الله عليها مرة أخرى في دار كرامته أبد الآبدين.

كما قال تعالى: ( ) [الحجر:٤٧] وهذا من أعظم كمال اللذات حيث يكون الإنسان خالدًا مخلدًا، وحيث يكون هو وإخوانه ورفقاؤه في ذلك النعيم ليس بين اثنين منهم شحناء، ولا عداوة، ولا حقد، ولا حسد، ولا مخاصمة، وكل هذا من كمال النعيم21.

لمن تبذل الأخوة؟ الأصل أنها تبذل لكل من قام بالعقيدة الصحيحة؛ لقوله تعالى: ( ) [الحجرات:١٠] أي: الجميع إخوة في الدين22، أو تاب مما كان عليه من اعتقاد باطل وعاد للإسلام الحق، كما قال تعالى: ( ﮠﮡ ) [التوبة:١١].

يقول: إن تركوا اللات والعزى، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ( ﮠﮡ ) [التوبة:١١]. قال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعًا لم يفرق بينهما وقرأ: ( ) [التوبة:١١].

وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة، وقال: رحم الله أبا بكر، ما كان أفقهه23.

وهذا بيان أن يقوموا بكل ما أمر الإسلام به، دون تهاون في حق الله الذي أمرنا به.

فإن تابوا: مما هم عليه من الكفر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين أي: فهم إخوانكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، فعاملوهم معاملة الإخوان، وفيه من استمالتهم واستجلاب قلوبهم ما لا مزيد عليه24.

ويفهم من مفهوم الآية: أنهم إن لم يقيموا الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين فهم من الكافرين؛ لأن الله يقول: ( ) [الحجرات:١٠]25.

ويدل على أن من أظهر لنا الإيمان وأقام الصلاة وآتى الزكاة فعلينا موالاته في الدين على ظاهر أمره مع وجود أن يكون اعتقاده في المغيب خلافه26.

٢. أخوة المنافقين وأهل العقائد الفاسدة.

والأصل فيهم أنهم قد اجتالتهم الشياطين، ولعبت بهم يمنة ويسرة هم ومن كان على شاكلتهم، أو تعاون معهم في غيهم.

وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيًا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله، ولا يحجزهم تقوى الله، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها، فهم أبدًا في زيادة من ركوب الإثم، والشيطان يزيدهم أبدًا، لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشيطان من مدهم منه27.

وقد جاءت الآيات التي تحدثت عن أخوتهم السيئة؛ للتحذير منها والتنفير عنها.

ذكر أخوتهم على سبيل الذم:

قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯾﯿ ) [آل عمران:١٥٦].

وظاهر من مناسبة هذه الآيات في سياق المعركة، أن هذه كانت أقوال المنافقين الذين رجعوا قبل المعركة، والمشركين من أهل المدينة الذين لم يدخلوا في الإسلام ولكن ما تزال بين المسلمين وبينهم علاقات وقرابات28.

فينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب، لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم، فقال تعالى: ( ) [آل عمران:١٥٦].

أي: سافروا للتجارة ونحوها ( ) أي: كانوا في الغزو ( ) أي: في البلد ( ) أي: ما ماتوا في السفر، وما قتلوا في الغزو29.

فهم بكفرهم هذا ليسوا بإخوان، ومع ذلك فأخوتكم فيما بينكم ليست على طريقتهم.

فلا تكونوا كالمنافقين الذي ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا: لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا30.

فأخوة المؤمنين واضحة المعالم، وأخوة غيرهم سراب بقيعة لا حقيقة له.

بيان زيف أخوتهم، وأنه اجتماع وقت للإضرار بالمؤمنين:

قال تعالى: ( ﭿ ) [الحشر:١١].

يعني بني النضير، وأخوتهم معهم أخوة دين واعتقاد، أو أخوة صداقة وموالاة؛ لأنهم كانوا معهم سرًا على المؤمنين31.

ولما فرغ سبحانه من ذكر الطبقات الثلاث من المؤمنين، ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاولة لتعجيب المؤمنين من حالهم، فقال: ( ) [الحشر:١١] والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، والذين نافقوا هم: عبد الله بن أبي وأصحابه، وجملة: ( ) [الحشر:١١].

مستأنفة لبيان المتعجب منه، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة، أو للدلالة على الاستمرار، وجعلهم إخوانًا لهم لكون الكفر قد جمعهم، وإن اختلف نوع كفرهم فهم إخوان في الكفر32.

فقولهم هذا: لإخوانهم الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر، ولأنهم كانوا يوالونهم ويواخونهم، وكانوا معهم على المؤمنين في السر33.

فأثبت الله أن لهم أخوة؛ لكنها ليست على مرضات الله وليست كما وجه إليها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل هي مغايرة لذلك تمامًا.

فهذه الأخوة قامت على الكفر بالله، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، والإضرار بعباد الله المؤمنين، فلسيت بأخوة على الحقيقة بل لها اشتراك لفظي كما يقال، ولقد ذكرت بصورتها البشعة؛ ليجتنبها عباد الله المؤمنين في أخوتهم، فأخوتهم قائم على أمر الله ورسوله.

ثانيًا: الأخوة في النسب:

أصل الأخوة النسب كما سبق، وأخوة النسب إما لأشقاء أو غير أشقاء، ومن الآيات التي وردت في ذلك:

ذكر العلاقة بين الإخوة في النسب عمومًا:

قال تعالى-حاكيًا عن أهوال يوم القيامة-: ( ﯿ) [عبس:٣٤].

وبدأ بالأخ، ثم بالأبوين؛ لأنهما أقرب منه، ثم بالصاحبة والبنين؛ لأنهم أقرب وأحب34.

فالأخ ليس أحب إلى أخيه من والديه؛ إنما الاعتماد عليه في المهمات أكثر منهما.

قال قتادة: الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم35.

وهذا الترتيب في الأهل يتناسب مع سياق الآيات، ففي سورة عبس المشهد هو مشهد الفرار يخلو المرء بنفسه ويفر المرء أولًا من الأبعد إلى الأقرب إلى قلبه، يفر أولًا من أخيه ثم من أمه وأبيه ثم من صاحبته وبنيه الذين هم أقرب الناس إلى قلبه، أما في سورة المعارج فالمقام مقام عذاب وليس فرار؛ فيرى المرء مشهد عذاب فوق ما تصوره ولا يقبل المساومة فيبدأ يفدي نفسه بالأقرب إلى قلبه ثم الأبعد؛ لذا بدأ ببنيه أعز ما عنده ثم صاحبته وأخيه ثم فصيلته ثم من في الأرض جميعًا36.

فهم إخوة أشقاء، أو إخوة لأب، أو إخوة لأم؛ فيجتمعون في إخوة النسب.

حكم يعم الإخوة جميعًا وهو بيان للمحرمات عليهم من النساء:

قال تعالى: ( ﯔﯕ ) [النساء:٢٣].

عن ابن عباس قال: يحرم من النسب سبع ومن الصهر سبع، ثم قرأ: ( ) [النساء:٢٣] فهذه النسب37.

فهؤلاء هن المحرمات من النسب بإجماع العلماء كما هو نص الآية الكريمة38.

فكل هؤلاء اللواتي سماهن الله تعالى وبين تحريمهن في هذه الآية، محرمات، غير جائز نكاحهن لمن حرم الله ذلك عليه من الرجال، بإجماع جميع الأمة39.

فتحرم الأخوات، وبنات الأخ وبنات الأخت أبدًا.

بل يحرم الجمع بين أختين، وحكمته دفع الغيرة عمن يريد الشرع بقاء تمام المودة بينهما، وقد علم أن المراد الجمع بينهما فيما فيه غيرة، وكذلك في التسري40.

تجريم الضرر بالأخ من النسب أو غيره:

فحرم الله القتل بين المؤمنين وشنعه بقوله: ( ) [المائدة:٣٢].

وكان قصة ذلك قتل أحد ابني آدم لأخيه، وتحيره في مواراته ( ﯵﯶ ﯿ ﰁﰂ ) [المائدة:٣١].

يقول تعالى مبينًا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور، وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله، بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين... وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه، كما هو ظاهر القرآن41.

فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه، وليجيش خاطر القتل في نفسه! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال... مجال العبادة والتقرب42.

والأصل أنه لا يجوز الإتيان بشيء يضر بحقوق الأخ القريب أو البعيد.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند43.

ثالثًا: الأخوة من الرضاعة:

كما أن الأخوة من النسب، فهي كذلك من الرضاع ولها الحكم ذاته، والذي ذكره الله عز وجل بقوله: ( ) [النساء:٢٣].

فقوله: ( ) وهي الأخت لأب وأم، التي أرضعتها أمك بلبان أبيك؛ سواء أرضعتها معك أو ولدت قبلك أو بعدك، والأخت من الأب دون الأم، التي أرضعتها زوجة أبيك، والأخت من الأم دون الأب، التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر... وهما محرمتان بالقرآن، ولم يذكر من المحرم بالرضاعة في القرآن سواهما، والأم أصل والأخت فرع؛ فنبه بذلك على جميع الأصول والفروع44.

والأبناء ثلاثة: ابن نسب، وابن رضاع، وابن تبن.

فأما ابن النسب فمعلوم، ومعلوم حكمه.

وأما ابن الرضاع فيجري مجرى الابن في جملة من الأحكام معظمها التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب»، و ابن التبني كان في صدر الإسلام ثم نسخ45.

فنص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات، وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أمًا والمرضعة أختًا؛ فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب، وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعًا:

  1. الأخوات: من أم أو أب أو منهما66.
  2. أخوات الأب والأم وهما العمة والخالة: فإن العمة والخالة بمنزلة الأم67.
  3. بنات الأخ وفروعها: شقيقًا كان أو غير شقيق.
  4. بنات الأخت وفروعها: شقيقة أو غير شقيقة.

    ولفظ البنات: شامل لبنات البنات وبنات بناتهن وهذا لا نزاع فيه بين المسلمين، وهو نص قرآني صحيح في استواء بنات بنيهن وبنات بناتهن68.

  1. الأخت من الرضاعة و ما تفرع عنها: وهي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك، سواء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك من الإخوة والأخوات69، قلت: وكذلك من رضعت من أمها وإن سفلت.
  2. الجمع بين أختين: في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم إلا ما قد سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه70.

    ومن أعظم وأروع دلالات الحب التي وردت في هذا الباب، حب لم يقتصر في رجال المسلمين فحسب، بل فهمته نساؤهم كذلك، حتى بذلت الأخت المسلمة لأختها في النسب أو غيره من الخير أمورًا فاقت علاقات الأمم جميعًا.

    فقد ورد أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله؟ هل لك في أختي؟ قال: «فأفعل ماذا؟» قالت: فتنكحها، قال: «أختك؟» قالت: نعم، قال: «أو تحبين ذاك؟» قالت: لست بمخلية بك، وأحب من شركني في خير أختي، قال: «فإنها لا تحل لي» قالت: فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة - أو ذرة -(شك زهير)، بنت أبي سلمة، قال: «بنت أم سلمة؟» قالت: نعم، قال: «أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن، ولا أخواتكن»71.

    والمحرمون -بالأخوة- على الأخت بمفهوم الآية ما يلي:

  1. الأخ وأبناؤه: شقيقًا أوغير شقيق وكذلك من الرضاعة.
  2. إخوة أبيها: من النسب أو الرضاع.
  3. إخوة أمها: من النسب أو الرضاع.
  4. كل أصل وفرع من طريق الأخ يحرم بالنسب أو الرضاع.

    لقد حث القرآن الكريم على الأخوة ولم يتركها هملًا، بل شيد لها أعظم بنيان ثابت الأركان، فلن تجد فيه أمرًا أو نهيًا إلا لتكون هذه الأخوة دائمة الوصال محكمة الحبال، تجمع أحبابها لينعموا في ظل كبير يسمى «الأخوة الإسلامية».

    ثالثًا: الإصلاح بين الإخوان:

    وأول الإصلاح ما هيأه الله سبحانه من إصلاح حال عباده المؤمنين بفضله وبرحمته، فإنه قال: ( ﭶﭷ ﭿ ) [آل عمران:١٠٣].

    يعني: فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحق، والتعاون على نصرة أهل الإيمان، والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانًا متصادقين، لا ضغائن بينكم ولا تحاسد72.

    وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن وإحن، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام، فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانًا متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى: ( ﭡﭢ ) [الأنفال:٦٣].

    إلى آخر الآية، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم، فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان، وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم، بما فضل عليهم في القسم، بما أراه الله فخطبهم فقال: (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟) فكلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمن73.

    فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام -من الركيزة الأولى- أساسها الاعتصام بحبل الله -أي: عهده ونهجه ودينه- وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر، ولا على أي هدف آخر، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة! قال تعالى: ( ) [آل عمران:١٠٣].

    هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائمًا، وهو هنا يذكرهم هذه النعمة74.

    ومتى ما حصل لهذه الأخوة خلل أو خدش يخشى تفاقمه أوجب الله على جميع المؤمنين السعي بالصلح بين المؤمنين جماعات وفرادى.

    فقال تعالى: ( ﮟﮠ ﮭﮮ ﯕﯖ ﯚﯛﯜ ﯡﯢ ) [الحجرات:٩-١٠].

    يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل ( ) يقول: فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له، وعليه وتعدت ما جعل الله عدلًا بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما ( ) يقول: فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الإجابة إلى حكم الله ( ) يقول: حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه ( ) يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى التي قاتلتها بالعدل: يعني بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلًا بين خلقه75.

    ويقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به ( ) في الدين ( ) إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله، ومعنى الأخوين في هذا الموضع: كل مقتتلين من أهل الإيمان، وبالتثنية قرأ قراء الأمصار، وذكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع، وذلك من جهة العربية صحيح، غير أنه خلاف لما عليه قراء الأمصار ( ) يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل، وفي غير ذلك من فرائضه، واجتناب معاصيه، ليرحمكم ربكم، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه، واتبعتم أمره ونهيه، واتقيتموه بطاعته76.

    تنبيهات:

    الأول: الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا، والركون إلى الهوى، والانجذاب إلى الجهة السفلية، والتوجه إلى المطالب الجزئية، والإصلاح إنما يكون من لزوم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة، التي هي ظل الوحدة، فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما، على تقدير بغيهما، والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما، حتى ترجع؛ لكون الباغية مضادة للحق، دافعة له.

    الثاني: في الآية وجوب الصلح بين أهل العدل والبغي، وقتال البغاة وهو شامل لأهل مكة كغيرهم، وأن من رجع منهم وأدبر لا يقاتل، لقوله حتى تفيء.

    الثالث: في الآية فوائد: منها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان، وأنه أوجب قتالهم، وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم، وإجازة كل من منع حقًا عليه، ووجوب معاونة من بغي عليه، لقوله: () [الحجرات:٩].

    وعلى وجوب تقديم النصح، لقوله: فأصلحوا بينهما، وعلى السعي في المصالحة، وذلك ظاهر.

    الرابع: وجه الجمع في اقتتلوا، مع أنه قد يقال: مقتضى الظاهر (اقتتلتا) هو الحمل على المعنى دون اللفظ؛ لأن الطائفتين في معنى القوم والناس، والنكتة في اعتبار المعنى أولًا، واللفظ ثانيًا عكس المشهور في الاستعمال، ما قيل: إنهم أولًا في حال القتال مختلطون مجتمعون، فلذا جمع أولًا ضميرهم، وفي حال الإصلاح متميزون متفارقون، فلذا ثنى الضمير ثانيًا وسر قرن الإصلاح الثاني بالعدل، دون الأول؛ لأن الثاني لوقوعه بعد المقاتلة مظنة للتحامل عليهم بالإساءة، أو لإبهام أنهم لما أحوجوهم للقتال استحقوا الحيف عليهم77.

    وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين78.

    والمراد بالناس المرغب في الإصلاح بينهم في قوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء:١١٤] هم المسلمون خاصة، كقوله تعالى: ( ) [الحجرات:١٠].

    وقوله: ( ) [الحجرات:٩].

    فتخصيصه المؤمنين بالذكر يدل على أن غيرهم ليس كذلك كما هو ظاهر79، وقوله تعالى: ( ) [الأنفال:١] يدل على أن من رجا صلاح ما بين متعاديين من المؤمنين أن عليه الإصلاح بينهما80.

    و() للحصر، أي: لا أخوة إلا بين المؤمنين، وأما بين المؤمن والكافر فلا؛ لأن الإسلام هو الجامع ولهذا إذا مات المسلم وله أخ كافر يكون ماله للمسلمين ولا يكون لأخيه الكافر، وأما الكافر فكذلك؛ لأن في النسب المعتبر الأب الذي هو أب شرعًا، حتى أن ولدي الزنا من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر، فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأخوة، ولهذا من مات من الكفر-أي: أهل الكفر- وله أخ مسلم ولا وارث له من النسب لا يجعل ماله (أي: لا يترك إرثه ليتقوى به الكفار فيأخذه أخوه المسلم لا للإرث ولكن لينفق في مصالح المسلمين غير المحترمة والله أعلم) للكفار، ولو كان الدين يجمعهم لكان مال الكافر للكفار، كما أن مال المسلم للمسلمين عند عدم الوارث، فإن قيل: قد ثبت أن الأخوة للإسلام أقوى من الأخوة النسبية، بدليل أن المسلم يرثه المسلمون ولا يرثه الأخ الكافر من النسب، فلم لم يقدموا الأخوة الإسلامية على الأخوة النسبية مطلقًا حتى يكون مال المسلم للمسلمين لا لأخوته من النسب؟ نقول: هذا سؤال فاسد؛ وذلك لأن الأخ المسلم إذا كان أخًا من النسب فقد اجتمع فيه أخوتان فصار أقوى والعصوبة لمن له القوة، ألا ترى أن الأخ من الأبوين يرث ولا يرث الأخ من الأب معه فكذلك الأخ المسلم من النسب له أخوتان فيقدم على سائر المسلمين، والله أعلم81.

    وقد قال ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى مكان كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا» فتسارع إليه الشبان، وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما فتح الله عليهم، جاؤوا يطلبون ما قد جعل لهم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبون به دوننا، فإنا كنا ردءًا-أي: معينين- لكم، فأنزل الله هذه الآية: ( ) [الأنفال:١]82.

    ولو اختصم الإخوة ولم يعلم بهم أحد ولم يصلوا إلى نتيجة، فينبغي عليهم البحث عن المصلحين وإشهار القضية فيهم ليتمكنوا من الإصلاح فيها، وهذا كما ذكره الله -عن المختصمين الذين جاءا داود عليه السلام ليصلح بينهم- بقوله: ( ) [ص:٢٣].

    فنص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره83.

    والمراد أخوة الدين، أو أخوة الصداقة والألفة، أو أخوة الشركة والخلطة، لقوله تعالى: ( ) [ص:٢٤].

    كل واحدة من هذه الأخوات تدلي بحق مانع من الاعتداء والظلم84.

    والأصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لأمته منهج الأخوة الصحيح، بأسهل الأمور ابتداءً من طلاقة الوجه، إلى نهيه عن المعاملات التي تضر بالأخوة ليكونوا عباد الله إخوانًا، فجعل في هذا قاعدة أساسية ذكرها بقوله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)85.

    وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوق الأخوة بين المسلمين في حرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم يوم النحر فكانت قاعدة عظيمة يسير عليها أهل الإيمان في إخوتهم، ويحافظ عليها جميع المسلمين في تعاطفهم ومودتهم86.

    خامسًا: الولاء والنصرة:

    مما لا شك فيه أن الأخوة أصل الولاء، وقد بيَن الله الولاء الحقيقي ولمن يكون فقال عز وجل: ( ﭥﭦ ﭮﭯ ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [المجادلة:٢٢].

    فلا تجد يا محمد قومًا يصدقون الله، ويقرون باليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وشاقهما وخالف أمر الله ونهيه ( ) يقول: ولو كان الذين حادوا الله ورسوله آباءهم ( )87.

    ووردت هذه الآية الكريمة بلفظ الخبر، والمراد بها الإنشاء، وهذا النهي الأكيد، والزجر العظيم عن موالاة أعداء الله، وإيراد الإنشاء بلفظ الخبر أقوى وأوكد، من إيراده الإنشاء88.

    فكأنك تقول: إن هذا بين الإخوة يكون أو لا يكون إن كان خبرًا، لكنه جاء بلفظٍ إنشائي يفيد النفي، وهو أن المؤمن الحق لا يواد أخاه في شيء مع محادته لله عز وجل.

    فروابط الدم والقرابة هذه تتقطع عند حد الإيمان: إنها يمكن أن ترعى إذا لم تكن هناك محادة وخصومة بين اللوائين: لواء الله ولواء الشيطان، والصحبة بالمعروف للوالدين المشركين مأمور بها حين لا تكون هناك حرب بين حزب الله وحزب الشيطان، فأما إذا كانت المحادة والمشاقة والحرب والخصومة فقد تقطعت تلك الأواصر التي لا ترتبط بالعروة الواحدة وبالحبل الواحد، ولقد قتل أبو عبيدة أباه في يوم بدر، وهمَ الصديق أبو بكر بقتل ولده عبد الرحمن، وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير، وقتل عمر وحمزة وعلي وعبيدة والحارث أقرباءهم وعشيرتهم، متجردين من علائق الدم والقرابة إلى آصرة الدين والعقيدة، وكان هذا أبلغ ما ارتقى إليه تصور الروابط والقيم في ميزان الله89.

    فهذا أصل في الولاء والنصرة وأنها كائنة بين العشيرة ومنهم الإخوان، شريطة الإيمان بالله واليوم الآخر، ( ﮜﮝ ﮥﮦ ﮰﮱ ) [الأحزاب:٥].

    يقول الله تعالى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيد بن محمد.

    وقوله: ( ) يقول: دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبتكم لهم إلى من تبناهم وادعاهم وليسوا له بنين، فعن قتادة في قوله: ( ): أي أعدل عند الله.

    وقوله: ( ) يقول تعالى ذكره: فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم، ولم تعرفوهم، فتلحقوهم بهم، ( ) يقول: فهم إخوانكم في الدين، إن كانوا من أهل ملتكم، ومواليكم إن كانوا محرريكم وليسوا ببنيكم90.

    ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى، المتضمنة للقول الباطل فقال: () أي: الأدعياء ( ) الذين ولدوهم ( ) أي: أعدل، وأقوم، وأهدى.

    ( ) الحقيقيين ( ) أي: إخوتكم في دين الله، ومواليكم في ذلك، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة، والموالاة على ذلك، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم، لا يجوز فعلها.

    وأما دعاؤهم لآبائهم، فإن علموا، دعوا إليهم، وإن لم يعلموا، اقتصر على ما يعلم منهم، وهو أخوة الدين والموالاة، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم؛ لأن المحذور لا يزول بذلك91.

    فالنصرة والولاء للأخوة في الدين، أما ما عداهم فلا أخوة لهم ولا نصرة ولا ولاء، والباب متسع للجميع؛ لأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

    ولو لم يعلم آباؤهم فهم إخوة في الدين؛ لأن هذه الأخوة كفى بها شرفًا، ويكفي المؤمنين هذه العزة التي من الله بها عليهم.

العلاقات الاجتماعية بين الإخوة

  1. ذكر القرآن الكريم -من خلال الحديث عن الأخوة والعلاقات التي تكون بين الإخوة- أمورًا بين فيها بعض الأحكام التي تضبط العلاقات الاجتماعية وتجعلها تسير بيسر وسهولة.

    من ذلك قوله تعالى: ( ﮝﮞ ﮢﮣ ﯰﯱ ﯹﯺ ﯿ ) [النور:٣١].

    أي: لأن هؤلاء محارمهن الذين تؤمن الفتنة من قبلهم92.

    وكل هؤلاء محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها ولكن من غير تبرج93.

    فالإخوان ها هنا: أشقاء، أو لأب، أو لأم94،أو بالرضاع؛ لأنه لم يحدد الأخوة بالنسب، فيدخل الإخوة من الرضاع فيهم.

    فيجوز للمرأة أن تكشف على أخيها وأبنائه وأبناء أخواتها ولو سفلوا؛ لأنهم في الحكم سواء وهم محارم المرأة في هذه الحالة، وهذا لرفع الحرج عنهم وعنهن ولاحتياج ذلك في الزيارات والمناسبات ولقاء بعضهم البعض.

    وقال تعالى: ( ﮱﯓ ﯛﯜ ﯨﯩ ) [النور:٦١].

    كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه، فتتحفه المرأة بشيء من الطعام، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثم95.

    ولما علم بالعادة أن هؤلاء تطيب نفوسهم بأكل من يدخل عليهم من الأقارب96، أباح الله لهم الأكل في بيوتهم متى أرادوا.

    وهؤلاء معروفون97، فهم أهل بيت واحد وإن تباعدت بهم الديار.

    وكذلك في شأن الحجاب قال الله: ( ﭥﭦ ﭨﭩ ) [الأحزاب:٥٥].

    فلما أمر تبارك وتعالى النساء بالحجاب من الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم98؛ لأنهم ذوو أرحام أصيلة وأخوة صحيحة.

    ولما نزلت آية الحجاب شق عليهن-نساء النبي صلى الله عليه وسلم- وعلى النسوان وعلى الرجال في الاستتار، فأنزل الله عز وجل هذه الآية للرخصة في نظر هؤلاء إلى النساء، ورؤية النساء لهم على تفصيل الشريعة99.

فوائد من قصص الإخوة في القرآن

  1. أولًا: قصة يوسف وإخوته:

    هو: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: (أكرمهم أتقاهم)، قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك، قال: (فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله...) الحديث100.

    وهو أحد أبناء يعقوب، وله شقيق واحد، والباقون إخوته من أبيه101.

    مكانته عند والده:

    كان يوسف وأخوه بنيامين من أم واحدة، وكان يعقوب شديد الحب ليوسف، وكان إخوة يوسف يرون منه من الميل إليه ما لا يرونه لأنفسهم102.

    وجعلوا أخاه معه في مرتبة الحب عند أبيهم.

    وهذا ما جعلهم يحسدون يوسف، وبيَن الله ما آل إليه أمرهم في الحسد وتشاورهم في التخلص منه، حتى اتفق الجميع على مشورة ( ) [يوسف:١٠].

    رؤيا يوسف عليه السلام:

    ( ﯰﯱ ﭚﭛ ﭠﭡ ﭶﭷ ﭻﭼ) [يوسف:٤-٦].

    تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام أن الأحد عشر كوكبًا عبارة عن إخوته، وكانوا أحد عشر رجلًا سواه، والشمس والقمر عبارة عن أمه وأبيه... فخشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدونه على ذلك، فيبغون له الغوائل حسدًا منهم له، ولهذا قال له: ( ) [يوسف:٥].

    أي: يحتالوا لك حيلة يردونك فيها103.

    وإنما قال يعقوب ذلك؛ لأنه قد كان تبين له من أخوته قبل ذلك حسدًا104.

    فكان ما قرروه من الخروج به، ورميه في البئر، والكذب على والدهم، فتولى الله أمره، فصار معبرًا للرؤى، ومكن الله له في الأرض حتى صار حفيظًا على خزائن مصر ( ) [يوسف:٢١].

    وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا نقع في مثل هذا، فعن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال»105، فبيَن لنا أن الوصول إلى الإضرار بالإخوة لا يأتي إلا بالتدرج، فمن تنبه لخطوات الشيطان أول الأمر عاد إلى رشده وعرف حق أخيه، ومن اتبع خطوات الشيطان وترك الهدي القويم ضل عن الحق وتدرجت به الخطوات؛ حتى توصله إلى الإضرار بإخوانه ومخالفة أمر الله ورسوله.

    وصول إخوة يوسف عليه السلام ودخولهم عليه:

    يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون106 طعامًا، وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد.

    وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينًا ودنيا.

    فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه؛ لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.

    ( ) [يوسف:٥٩].

    أي: أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته؛ من إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه ( ) [يوسف:٥٩].

    وكان قد سألهم عن حالهم، وكم هم؟ فقالوا: كنا اثني عشر رجلًا، فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا.

    فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم.

    ( ) [يوسف:٥٩] أي: قد أحسنت نزلكم وقراكم، فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به فقال: ( ) [يوسف:٦٠] أي: فلست أعطيكم ميرة، ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولًا.

    فاجتهد في إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب.

    ( ) [يوسف:٦١].

    أي: سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن.

    ( ) [يوسف:٦١].

    أي: وإنا لقادرون على تحصيله.

    ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة، في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها.

    ( ﯿ ﰈﰉ ﭛﭜ ﭟﭠ ﭣﭤﭥ ﭫﭬ ﭰﭱ ﭵﭶ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ﮑﮒ ﮛﮜﮝ ﮧﮨ ﮯﮰ ﯕﯖ ﯘﯙ ﯜﯝﯞ ﯱﯲ ﯼﯽ) [يوسف:٦٣-٦٨]107.

    فهذا من أهم ما فعله يوسف مع إخوته دون تجريح، أو شفاء غليل، أو معاملة بالمثل، بل أحسن استقبالهم وجهز متاعهم، ورتب للقاء أخيه الأصغر بكل هدوء وطمأنينة، فهو يعلم أن الله معه وسيوفقه، فعاملهم بما يرضي الله لينال من الله ما يرضيه.

    دخولهم على يوسف مع شقيقه:

    عندما طلبوا من أبيهم اصطحاب أخيهم للذهاب معهم إلى مصر من أجل الميرة؛ ( ﭛﭜ ﭟﭠ ) [يوسف:٦٤].

    وبعد عهود ومواثيق قبل أبوهم ذلك، وأوصاهم بوصايا تعينهم في السفر.

    ( ﯿ ﰄﰅ ) [يوسف:٦٩].

    يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين، وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته، وأفاض عليهم الصلة والإلطاف والإحسان، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له، وعرفه أنه أخوه، وقال له: لا تبتئس، أي: لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززًا مكرمًا معظمًا108.

    احتواؤه لشقيقه والاجتهاد في إصلاح حال والده:

    ( ) [يوسف:٧٠] وهي خطة منه عليه السلام ليحتوي أخاه بين يديه لأمر قادم.

    عن ابن عباس: تعرف إليه أنه أخوه، وهو الظاهر، وهو قول ابن إسحاق وغيره، أعلمه أنه أخوه حقيقة واستكتمه، وقال له: لا تبالي بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم109.

    ويقال: لئن نسب يوسف أخاه للسرقة فقد تعرف إليه بقوله: إني أنا أخوك-سرًا-، فكان متحملًا لأعباء الملامة فى ظاهره، محمولًا بوجدان الكرامة في سره110.

    ( ﮞﮟ ﮢﮣ ﮮﮯ ﯔﯕ ) [يوسف:٧٦].

    أي: ما صح له أن يأخذ أخاه في قضاء الملك، فدبر تعالى ما حكم به إخوة يوسف على السارق، لإيصال يوسف إلى أربه، رحمة منه وفضلًا، وفيه إعلام بأن يوسف ما كان يتجاوز قانون الملك، وإلا، لاستبد بما شاء، وهذا من وفور فطنته وكمال حكمته111.

    ( ﯥﯦ ﯭﯮ ﯲﯳ ) [يوسف:٧٧].

    وبهذه الطريقة المحكمة استطاع يوسف احتواء أخيه، وأمرهم كبيرهم أن يعودوا لأبيهم ويخبروه بما حصل وقال عن نفسه ( ﭿ ﮂﮃ ) [يوسف:٨٠].

    فازداد حزن يعقوب وذكره هذا الحدث بفقدان يوسف من قبل، وكل هذا بسوء التعامل بين الأخوة، و اتباع الشيطان، والكيد بمن آتاه الله من فضله.

    فقال: ( ﭛﭜ ) [يوسف:٨٧].

    يوسف يحزن لحال إخوته فيسعفهم:

    ويدخل إخوة يوسف مصر للمرة الثالثة، وقد أضرت بهم المجاعة، ونفدت منهم النقود، وجاءوا ببضاعة رديئة هي الباقية لديهم يشترون بها الزاد، يدخلون وفي حديثهم انكسار لم يعهد في أحاديثهم من قبل، وشكوى من المجاعة تدل على ما فعلت بهم الأيام:

    ( ﭷﭸ ) [يوسف:٨٨].

    وعند ما يبلغ الأمر بهم إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار لا تبقى في نفس يوسف قدرة على المضي في تمثيل دور العزيز، والتخفي عنهم بحقيقة شخصيته، فقد انتهت الدروس، وحان وقت المفاجأة الكبرى التي لا تخطر لهم على بال، فإذا هو يترفق في الإفضاء بالحقيقة إليهم، فيعود بهم إلى الماضي البعيد الذي يعرفونه وحدهم، ولم يطلع عليه أحد إلا الله: ( ﭿ ﮇﮈﮉ ﮌﮍ ﮒﮓ ) [يوسف:٨٩-٩٠].

    مفاجأة! مفاجأة عجيبة، يعلنها لهم يوسف ويذكرهم في إجمال بما فعلوه بيوسف وأخيه في دفعة الجهالة، ولا يزيد سوى أن يذكر منة الله عليه وعلى أخيه، معللًا هذه المنة بالتقوى والصبر وعدل الله في الجزاء.

    اعتراف الأخوة بالخطأ على أخيهم والتوبة من ذلك:

    أما هم فتتمثل لعيونهم وقلوبهم صورة ما فعلوا بيوسف، ويجللهم الخزي والخجل وهم يواجهونه محسنًا إليهم وقد أساؤوا، حليمًا بهم وقد جهلوا، كريمًا معهم وقد وقفوا منه موقفًا غير كريم: ( ) [يوسف:٩١].

    اعتراف بالخطيئة، وإقرار بالذنب، وتقرير لما يرونه من إيثار الله له عليهم بالمكانة والحلم والتقوى والإحسان، يقابله يوسف بالصفح والعفو وإنهاء الموقف المخجل، شيمة الرجل الكريم، وينجح يوسف في الابتلاء بالنعمة كما نجح من قبل في الابتلاء بالشدة.

    ( ﯓﯔ ﯗﯘ ) [يوسف:٩٢].

    لا مؤاخذة لكم ولا تأنيب اليوم، فقد انتهى الأمر من نفسي ولم تعد له جذور، والله يتولاكم بالمغفرة وهو أرحم الراحمين112.

    فالعزيز الحق عزيز بحق، وليس من عادة الكرام سرعة الانتقام، بل العفو عند المقدرة.

    فلما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق-بسبب ما وقعوا فيه من الظلم لأخيهم أولًا ومعصية والدهم لحقدهم عليه- وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء فتعرف إليهم113.

    ومهما يكن من غي وسفه، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، والرجوع إلى الرشد فلاح.

    قبول الأخ لاعتذار إخوته وإكرامهم أينما كانوا:

    ( ) [يوسف:٩١] أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأسأنا إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك، فآثرك الله تعالى ومكنك مما تريد ( ) [يوسف:٩١].

    وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف114.

    فقال لهم: لا تعيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو115، وهذه نعمة تحمد، وخلة تدوم، وصفة تلازم، فكانت هذه تيجان خلق مضافة إلى تيجان الملك.

    قال الله تعالى: ( ﭿ ﮈﮉ ﮐﮑ ﮜﮝ ﮰﮱ ﯗﯘ ﯜﯝ) [يوسف:٩٩-١٠٠].

    فلم يقل: «نزغ الشيطان إخوتي» بل كأن الذنب والجهل، صدر من الطرفين، فالحمد لله الذي أخزى الشيطان ودحره، وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة.

    ( ) يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، ( ) الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، وسرائر العباد وضمائرهم، () في وضعه الأشياء مواضعها، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها116.

    إخوة يقتدى بهم في الإصلاح وحسن العفو:

    فلله ما أعظم الحسد في إفساده وداد الإخوان، وما أقبح الولوج في طاعة الشيطان، فمن حرم غيره حقه حرمه الله كذلك، ومن استغنى عن أخيه فقد يحتاج إليه في أصعب اللحظات، ومن قدر على الظفر من إخوانه بعد ظلمهم له فليحسن القضاء، والعظيم يبقى في محله إن لم يزدد رفعة وسموًا، أعطاهم حين منعوه، ووصلهم حين قطعوه، وعفا عنهم بعد إذ ظلموه، وتلك جماع الأخلاق.

    جمعها يوسف عليه السلام في أحسن قصص، وجعلها رايات للسائرين، ومنارات للعارفين، ومقامات تنفع العامل بها إلى يوم الدين.

    وقد اعترف إخوة يوسف بتعمد خطئهم، فكان دليلًا على صدق التغيير للأفضل.

    فقالوا لأخيهم يوسف عليه السلام: إنا كنا-بلا استثناء- أي: والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك، وآثمين في أمرك، والخاطئ: الذي يتعمد الخطيئة117، وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف118.

    وصار هذا منهجًا عمليًا في تطبيق الصحابة رضي الله عنهم، فهم خير سلف لخير خلف.

    فعن المعرور بن سويد، قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية»، قلت: يا رسول الله، من سب الرجال سبوا أباه وأمه، قال: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»119.

    قصة موسى وأخيه وهارون ودور أخته في طفولته.

    موسى عليه السلام: وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام120.

    وفي بداية عمره وزمان ولادته، علا فرعون في الأرض وطغى على بني إسرائيل «يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين».

    وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه.

    وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها121.

    ولما وضعته أمه؛ قال الله: ( ﭣﭤ ﭮﭯ ) [القصص:٧].

    دور أخته الكبرى في حياته:

    عن ابن عباس ( ) [القصص:١١].

    أي: قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرًا، أحي ابني أو قد أكلته دواب البحر وحيتانه؟ ونسيت الذي كان الله وعدها، وقوله: ( ) [القصص:١١] يقول تعالى ذكره: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت به عن جنب: يقول فبصرت بموسى عن بعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل122، قال الله:

    ( ﯪﯫﯬ ) [القصص:١٢-١٣].

    فكانت أعظم أخت سعت لرد الوليد لوالدته، وأحسنت لأخيها وهو طفل رضيع، فالأخوة باب واسع، للولوج إلى بيت جميل.

    بركة موسى على أخيه هارون:

    حين كبر موسى عليه السلام، وفر من بلده بعد قتل القبطي، ووصل مدين وتزوج منها، ثم عاد لأرضه أوحى الله إليه أن يدعو فرعون وقومه إلى توحيد الله.

    فخاف مما مضى عليه السلام وقال لله: ( ﯩﯪ ) [القصص:٣٤] أي: معينًا لي.

    وهارون اسمٌ أعجميٌ غير منصرف، وقيل: معرب أرون، والأرن: النشاط، سمي به لنشاطه بالطاعة، ثم قيل: هارون.

    وقد سماه الله تعالى في التنزيل بعشرة أسماء تصريحًا وتعريضًا:

  1. وزيرٌ: ( ) [طه:٢٩].
  2. أخٌ: ( ﭿ ) [الأعراف:١٥١].
  3. رسولٌ: ( ) [طه:٤٧].
  4. مرسلٌ: ( ) [الشعراء:١٣].
  5. نبىٌ: ( ) [مريم:٥٣].
  6. ردءٌ: ( ) [القصص:٣٤].
  7. أفصح: ( ) [القصص:٣٤].
  8. مصدقٌ: ( ) [القصص:٣٤].
  9. خليفةٌ: ( ) [الأعراف:١٤٢].
  10. هارون: اسمه.

    وقد ذكره الله تعالى بهذا الاسم فى مواضع من التنزيل:

    قوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٤٨].( ) [الأعراف:١٢٢]، [الشعراء:٤٨].

    وقوله تعالى: ( ) [الأعراف:١٤٢].

    وقوله تعالى: ( ) [القصص:٣٤].

    وقوله تعالى: ( ) [الشعراء:١٣].

    وقوله تعالى: ( ) [مريم:٥٣].

    وقوله تعالى: ( ) [الفرقان:٣٥].

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍ رضي الله عنه: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى)123.

    فكان مدح موسى لأخيه هارون بشيء صحيح يعلمه منه واقعًا، ولم يزد ثناءً عليه.

    فطلب أن يعينه الله بمعين من أهله، هارون أخيه، فهو يعلم عنه فصاحة اللسان وثبات الجنان وهدوء الأعصاب، وكان موسى عليه السلام قويًا؛ فطلب إلى ربه أن يعينه بأخيه يشد أزره ويقويه ويتروى معه في الأمر الجليل الذي هو مقدم عليه124.

    واستجاب الله له فقال: ( ) [مريم:٥٣] ليشد أزره في أداء الرسالة125، أي: وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه، فجعلناه نبيًا، كما قال في الآية الأخرى: ( ﯩﯪ ) [القصص:٣٤].

    وقال: ( ) [طه:٣٦]

    وقال: ( ﯚﯛﯜ ﯡﯢ) [الشعراء:١٣-١٤].

    ولهذا قال بعض السلف: ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيًا126.

    وفي هذه الشفاعة بيان الحرص العظيم من الأخ لأخيه في حب الخير له.

    وجعله الله منة من مننه عليه فقال: ( ) [الفرقان:٣٥].

    عن قتادة: عونًا وعضدًا127، يوازره في الدعوة وإعلاء الكلمة ولا ينافي ذلك مشاركته في النبوة؛ لأن المتشاركين في الأمر متوازرون عليه128.

    هارون عليه السلام وزيرًا لأخيه موسى عليه السلام:

    صار خطاب القرآن الكريم يتوجه بالأمر للأخوين عليهما السلام، وذلك بعد إشراك الله لهارون في الرسالة ليكون عضدًا لأخيه، فقال الله: ( ﯣﯤ ) [يونس:٨٧].

    فالله تعالى أمر موسى وأخاه هارون عليهما السلام129، والمراد أنهم يجعلون بيوتهم مستقبلة للقبلة ليصلوا فيها سرًا لئلا يصيبهم من الكفار معرة بسبب الصلاة، ومما يؤيد هذا قوله: ( ) [يونس:٨٧].

    أي: التي أمركم الله بإقامتها فإنه يفيد أن القبلة هي: قبلة الصلاة إما في المساجد، أو في البيوت لا جعل البيوت متقابلة، وإنما جعل الخطاب في أول الكلام مع موسى وهارون، ثم جعله لهما ولقومهما في قوله: ( ) [يونس:٨٧].

    ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك، فقال: وبشر المؤمنين؛ لأن اختيار المكان مفوض إلى الأنبياء، ثم جعله عامًا في استقبال القبلة، وإقامة الصلاة؛ لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء، ثم جعل خاصًا بموسى؛ لأنه الأصل في الرسالة وهارون تابع له، فكان ذلك تعظيمًا للبشارة وللمبشر130.

    وهذا من أحسن النظم وأبدعه، فإنه ثنى أولًا: إذ كان موسى وهارون هما الرسولين المطاعين، ويجب على بني إسرائيل طاعة كل واحد منهما سواء، وإذا تبوءا البيوت لقومهما فهم تبع لهما، ثم جمع الضمير فقال: وأقيموا الصلاة؛ لأن إقامتها فرض على الجميع، ثم وحده في قوله: وبشر المؤمنين أن موسى هو الأصل في الرسالة وأخوه ردءًا ووزيرًا، وكما أرسلا برسالة واحدة كانا رسولًا واحدًا كقوله تعالى: ( ) [الزخرف:٤٦].

    فهذا الرسول هو الذي قيل له: ( ) [يونس:٨٧]131.

    ولقد ذكر الله موسى بالقوة وكان يأخذه الغضب، إلا أن ذلك لا يمنع من معرفة حقوق الأخ لأخيه حتى يكون الأخ مع أخيه نفسًا واحدة كما تقدم.

    خلافة هارون أخاه موسى حين ذهب للقاء ربه عز وجل:

    قال الله: ( ﮠﮡ ) [الأعراف:١٤٢].

    أي: كن خليفتي فيهم، قال موسى هذا لما أراد المضي إلى المناجاة -فقال لهارون- وأصلح أمر بني إسرائيل بحسن سياستهم والرفق بهم وتفقد أحوالهم ولا تتبع سبيل المفسدين، أي: لا تسلك سبيل العاصين ولا تكن عونًا للظالمين132.

    وهذا مع اعتماد موسى على أخيه؛ لكن لا بد من التوجيه لأخيه وإرشاده للسياسة الحسنة، والتحذير من طرق سبيل المفسدين، لكنهم خالفوا موسى وهارون، والخلاف شر كما يقال، وقد يكون سببًا في نزاع الأخوة.

    التفاهم عند وجود الخطأ والتثبت بين الأخوة:

    ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭨﭩ ) [الأعراف:١٥٠].

    «أخذ برأس أخيه يجره إليه»، فإن ذلك كان من فعل نبي عليه السلام، لموجدته على أخيه هارون في تركه أتباعه، وإقامته مع بني إسرائيل في الموضع الذي تركهم فيه، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن قول موسى عليه السلام له: ( ﮎ ﮏ ) [طه:٩٢-٩٣]؟

    وحين أخبره هارون بعذره فقبل عذره، وذلك قوله لموسى: ( ﮛﮜ ) [طه:٩٤].

    وقال: ( ) [الأعراف:١٥٠]133.

    ونسبه إلى الأم -في سورة طه- مع كونه أخاه لأبيه وأمه عند الجمهور؛ استعطافًا له وترقيقًا لقلبه134، فذكر له هارون أمورًا تبين أنه اجتهد في إصلاحهم، فلما خالفوه لم يستطع عليهم، لكنه لم يرض بما فعلوه ولم يقرهم على مخالفاتهم لأنبيائهم.

    فلما تحقق موسى عليه السلام براءة ساحة هارون عليه السلام كما قال تعالى: ( ﭴﭵ ) [طه:٩٠] فعند ذلك ( ﭿ ﮃﮄ ) [الأعراف:١٥١].

    وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه عز وجل أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح؛ فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح)135.

    فلا بد لمن ظن فيه الخطأ أن يبين لأخيه ما يجب أن يزول عنه، وأن يكون العذر صحيحًا، مع مراعاة حال أخيه خاصة في غيرته لله، والأخ الناصح ينظر في عذر أخيه ويتأمله ليقبله، ولقد قبل موسى عليه السلام عذر أخيه مباشرة لعلمه بصدقه في ذلك.

    لذا قال هارون: ( ﮛﮜ ) [طه:٩٤].

    فإنك أمرتني أن أخلفك فيهم فلو تبعتك لتركت ما أمرتني بلزومه وخشيت لائمتك و ( ) حيث تركتهم وليس عندهم راع ولا خليفة؛ فإن هذا يفرقهم ويشتت شملهم، فلا تجعلني مع القوم الظالمين، ولا تشمت فينا الأعداء فندم موسى على ما صنع بأخيه وهو غير مستحق لذلك ( ﭿ ﮃﮄ ) [الأعراف:١٥١]136.

    فكان موسى عليه السلام فاتحة خير لأخيه هارون، فصارا أخوين في النسب والدين والرسالة، وقد امتن الله عليهما بذلك، وجعلهما قدوة لمن بعدهما، وخلد ذكرهما في العالمين، فكانت هذه الأخوة الحميمة والخصال العظيمة أرقى شيء بقي لنا ( ) [البقرة:٢٤٨].

    موضوعات ذات صلة:

    الأبوة، البنوة، الصحبة، العلاقات الاجتماعية، الوحدة


1 انظر: الصحاح، الجوهري ٨/١٤١.

2 الكليات، الكفوي ص ٦٣.

3 نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٢/٩٢.

4 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص ١٤٣٣.

5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٨٤، ٨٥.

6 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لأحمد بن محمد بن علي المقري ١/٩٦.

7 فتح الباري، العسقلاني١٠/١٥٤.

8 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٣/٣٢.

9 الكشاف، الزمخشري ١/٣٠١.

10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، رقم ٤٦٦، ١/١٦٢.

11 إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي ص ٦٥١.

12 المفردات، الراغب الأصفهاني١/٤٨٠.

13 الفروق اللغوية، العسكري ١/١٢١.

14 روائع البيان، الصابوني٢/٢١٧.

15 روح المعاني، الألوسي ١٧/٥٥٧.

16 تسهيل العقيدة الإسلامية، عبد الله الجبرين ص١٠.

17 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٥٢٧ وهذا النقل، وإن طال، مهم في هذا الباب لحسن صياغته وجمعه وحلاوة تعبيره.

18 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٠٤.

19 لطائف الإشارات، القشيري ٣/٥٦٢.

20 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٢.

21 العذب النمير، الشنقيطي ٣/٢٦٤.

22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٥٥.

23 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٣٢٨.

24 محاسن التأويل، القاسمي ٥/٣٧٠.

25 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤٤٧.

26 أحكام القرآن، الجصاص ٤/٢٧٤ .

27 جامع البيان، الطبري ٦/١٥٧.

28 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩٨.

29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٧٩.

30 جامع البيان، الطبري ٣/٤٩٠.

31 محاسن التأويل، القاسمي ٩/٨٢.

32 فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٧١.

33 الكشاف، الزمخشري ٤/ ٨٢.

34 المصدر السابق، ٤/١٨٧.

35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٩٩٣.

36 لمسات بيانية، السامرائي ١/٦٩٢.

37 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/٩١١.

38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٦.

39 جامع البيان، الطبري ٣/٦٦٢.

40 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٣٠١.

41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٧٩.

42 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٣٥٠.

43 الحيوان، الجاحظ ٣/٤٩٦.

44 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٧٤.

45 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٨٧.

46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، رقم ٢٦٤٥، ٢/٧٩٨.

47 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٢٥.

48 التفسير المنير، الزحيلي ٤/٣١٢.

49 بدائع الصنائع، الكاساني٤/٢.

50 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان في الصغر، رقم ١١٥٢، ٣/٤٥٨.

51 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٦١.

52 أحكام القرآن، الجصاص ٣/٦٧.

53 العقد الفريد، ابن عبدربه ٣/١٨.

54 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٧٨.

55 الكشاف، الزمخشري ٢/٦٨، محاسن التأويل، القاسمي ٥/١١٤.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٣٦.

57 المفردات، الراغب الأصفهاني ١/٦٨.

58 العشيرة: الجماعة أو القبيلة.

وقيل: الأدنى إلى الرجل من أهله، وهم ولد أبيه وجده.

انظر: فتح الباري، ابن حجر١٠/٤٥٤ .

59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٦٣.

60 فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٨.

61 انظر: الدراري المضيئة، الشوكاني ٢/٤٢٩.

62 جامع البيان، الطبري ٣/٦٢٨.

63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤١٧.

64 انظر: المحلى، ابن حزم ٨/٢٨٥.

65 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٠.

66 محاسن التأويل، القاسمي ٣/٦٦.

67 روح المعاني، الألوسي ٤/٦٣٨.

68 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٠٥.

69 فتح القدير، الشوكاني ١/٧١٤.

70 محاسن التأويل، القاسمي ٣/٧٣.

71 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، رقم ٢٠٥٦، ٢/٣٧٧.

72 جامع البيان، الطبري ٧/٨٤.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٥٣.

والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم ٤٣٣٠، ٣/١٣٠٦.

74 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٤٤.

75 جامع البيان، الطبري ١١/٣٨٦.

76 المصدر السابق، ١١/٣٨٩.

77 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٢٨.

78 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/ ٢٤٣.

79 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ١/٣٠٧.

80 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٨٥.

81 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٨٣.

82 أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلح، ذكر السبب الذي من أجله أنزل الله (وأصلحوا ذات بينكم)، رقم ٥٠٩٣، ١١/٤٩١.

83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٣٦.

84 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٢٣.

85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، رقم ٤٨ ، ١/٤٠.

86 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١/٢١٤.

87 جامع البيان، الطبري ١٠/٢٥٧.

88 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٥٦٦.

89 في ظلال القرآن، سيد قطب ٧/١٥٥.

90 جامع البيان، الطبري ١٢/٢٦.

91 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٧٣.

92 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٩٢.

93 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٠٦.

94 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٣.

95 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٢٤.

96 تفسير المراغي ٦/١٣٦ .

97 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٧٣.

98 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥٠٠.

99 لطائف الإشارات، القشيري ٣/١٦٩.

100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (أم كنتم شهداء...)، رقم ٣٣٧٤، ٢/١٠٤٢.

101 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ١/٣٥٠ وقال: «وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوح إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول».

102 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٥٨.

103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٤٧.

104 جامع البيان، الطبري ٧/١٥٠.

105 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب فيمن يهجر أخاه المسلم، رقم ٤٩١٠، ٥/١٣٥.

106 أي: يأتون بالطعام، والمائر: هو الذي يأتي بالطعام.

انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٣.

107 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ١/٣٨٤ .

108 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٦٠.

109 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٣١٠.

110 لطائف الإشارات، القشيري ٢/١٩٦.

111 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٢١٠.

112 بتصرف: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٢٣.

113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٦٣.

114 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦٨.

115 جامع البيان، الطبري ٧/٢٩١.

116 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٠.

117 التفسير المنير، الزحيلي ١٣/٥٤.

118 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦٨.

119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، رقم ٣٠، ١/١٥.

120 قصص الأنبياء، ابن كثير ٢/٤٥٥.

121 انظر:المصدر السابق ٢/٤٥٦ .

122 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٣٧ .

123 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٦/٧٦.

والحديث أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي رضي الله عنه، رقم ٣٧٠٦، ٣/١١٤٢.

124 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٣٣.

125 محاسن التأويل، القاسمي ٧/١٠٨.

126 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٦٦.

127 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ١٠٤.

128 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٢٤.

129 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩١٣.

130 فتح القدير، الشوكاني ٢/٦٥٣.

131 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص ٣٠٩.

132 فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٤٤.

133 جامع البيان، الطبري ٦/٦٨.

134 فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٥٢.

135 أخرجه الحاكم في المستدرك، تفسير سورة طه، رقم ٣٤٣٥، ٢/٤١٢.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ولم يتعقبه الذهبي.

136 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٦.